18 ديسمبر، 2024 7:17 م

ثارت زوبعة تخص إحدى كاتبات الرواية من العراقيات الشابات اللواتي ترعرعن بعيدا عن أحضان الوطن, حيث إتهمها البعض أنها لا تجيد اللغة العربية وأن هناك من يكتب لها رواياتها مقابل حفنة من الدولارات, وهنا سأتناول الموضوع من وجهة نظري الشخصية. منذ عقود مضت إرتسمت بمخيلتنا الصورة النمطية للمرأة العراقية, فمنذ أن فتحنا أعيننا على الدنيا في عقدي الثمانينيات والتسعينيات, وبالرغم من أن المرأة العراقية قدمت وما زالت أكبر التضحيات في سبيل الوطن وحريته, ودفعت أغلى ألاثمان من دماء أبنائها, إلا أنها وبسبب تعرضها لسياسة قمعيه ممنهجة وغسيل دماغ مركز جعلتها بلا رأي مستقل وبلا شخصية واضحة المعالم, فأرتبطت بأذهاننا صورا بائسة للتبعية والانقياد والتسييس, إرتضت فيها المرأة بالوقوف في الصف الثاني والتصفيق والتهليل للسيد المسؤول والهتاف بحياته في كل مناسبة, بل وكم من المرات شاهدنا من تشي بزوجها لاجهزة الامن لتحصل على رضا الحزب القائد وتتسلق رتبة أعلى حتى ولو ضحت بزوجها في غياهب السجون.

وبالتأكيد في ذاكرتنا المزيد من صور الممارسات النسائية المقيتة أنذاك, ولكن مع إنفتاح البلد مع هامش حرية واضح وإنتشار وسائل التواصل صرنا نشهد حركة ثقافية قوية أتاحت للجميع النشر والتعبيرعن موهبته بالطريقة التى يراها مناسبة, وظهرت أسماء نسائية عديدة بغض النظر عن توجهاتها ألا أنها تصب في صالح الثقافة النسوية العراقية وتطورها.

وأنا مع أي ناتج ثقافي نسوي مهما كان بسيطا,فمجتمعنا سأم تلك الصورة المشوهة والمشوشة لدور المرأة في المجتمع, وبدل من كيل التهم والتهميش والتحجيم لبعضهنّ, كان علينا أن نقف معهنّ مؤازرين مشجعين لنتاجهنّ لكي نخلق بيئة محترمة لأدب نسوي راقٍ ومتمكن ننافس به نظيراته من الادب النسوي العربي والعالمي.

لما رأيت المنشور الذي يتهم الروائية الشابة بشراء روايتها من أحد الكتّاب ووضع إسمها على غلافها, فرحت لسببين أولهما, أن الكاتبة محظوظة في هذا الاتهام حيث حصلت على دعاية مجانية قوية جعلت الجميع يتسائل عن الرواية وصاحبتها, وثانيهما أن هذا الاتهام إن صحّ وهذا مستبعد في رأيّ, هو دليل واضح على تطور فكر و وعي البنت العراقية حيث أنها أحست بأهمية فن مهم من فنون الادب وطرقت أبوابه من خلال دفعها أموالا طائلة لشراء رواية تحمل إسمها, أي أن الفتاة العراقية صارت تضع في حساباتها الثقافة وألادب في سلم أولوياتها وهذا قمة التغيير الذي ننشده من مجتمع ما زال يعاني التخبط والجهل ويغرق في القبلية والرجعية.

وهنا أتسائل متهميها , لو أن المرأة إشترت بفلوسها منصبا أو كرسيا في الدولة لا تستحقه وصارت تتنعم بكل ميزات المنصب وتستغل أبشع الاستغلال مركزها, هل كنت ستتهمها بذلك؟ , ولو أنها تزعمت عصابة وإشترت سلاحا بفلوسها بدلا من الرواية وصارت قاطعة طريق وسرقت نص العراقيين وقتلت كل من يقف في طريقها من الأبرياء, هل كنت ستقف لها بالمرصاد وتفضحها ؟. ولو أنها كونت حزبا بفلوسها, رغم كثرة أحزابنا وجثمت هي وحزبها بكل دورة إنتخابية على صدورنا, وباعت نص الوطن بالمزاد العلني دون أدنى خوف أو خجل هل كنت ستتصدى لها ولحزبها بنفس الحماسة؟؟.

نحن فعلا بحاجة الى أسماء جديدة تضاف الى تلك ألاسماء اللامعة في سماء ألادب العراقي, سواء كنّ شاعرات أو روائيات أو صحفيات حتى ولو مبتدئات, لأننا سأمنا وضجرنا من تلك الصورة العالقة بذاكرتنا لبعضهنّ , وهنّ لا يتقنّ سوى التصفيق والرقص وإطلاق الهلاهل بين يديّ السيد الرئيس وزبانيته دون أدنى إحترام لتأريخ العراقيات الأبيات الصابرات, ولكم تمنيت لو أنّ كل عراقية إمتلكت العشرة ألاف دولار ثمنا لشراء رواية لتصبح مشروع أديبة في سماء الوطن بدلا من سعيها لشراء الذمم والضمائر والكراسي والمناصب !!.