الكتابة أمانة في عنق الكاتب وهو مؤتمن عليها فيجب عليه ان يؤدي الأمانة بصورة صحيحة ويوصلها الى صاحبها (القارئ) الكريم بدقة وصورة جميلتان …
كنت اتردد كثيراً لكتابة مقال في موضوع ما ، واذا صادف وقمت بكتابة مقال معين فأني أعود الى قراءته مراراً وتكراراً لأحذف منه احياناً أو أضيف له تارة أخرى ، وعلى الأغلب اقوم بتمزيقه !! … زارني صديق الطفولة الدائم (الاعلامي) ” أسعدعبدالله عبدعلي ” وقال لي : لما لا تعطيني مقالاً لك أقوم بعرضه للصحف وأنا متأكد بأنه سينجح (حيث هو يؤمن بي وبأفكاري كثيراً ) ، وقال (بالهجة العراقية العامية ) : يمعود انت مكبر الموضوع !! والله ثلاث اربعاع الذين يكتبون لايفهمون شيئاً!! بل كتاباتهم (تخرب ضحك) والمعلومات كلها خطأ!!! … بعدين ياأخي جرب أنت شخسران ؟!! … وعوف القارئ هو الي يحكم ؟!! …
وهنا تذكرت مقولة الفنان الرائع ” عادل الامام ” عندما سأله احد مقدمي البرامج : كيف تقيس مستوى النجاح ، فأجاب وبكل بساطة وبالهجة المصرية : من خلال ” شباك التزاكر ” !! ولم يأتي على سيرة النقاد والمهرجانات وغير ذلك فأنما هو يعرض فنه على الناس ويقيس نجاحه عليهم …..
قدمت الى صديقي ” أسعد ” مقالي ” هاجس البحث عن الخلود ” وهو مقال أدبي فكري يحمل بين طياته كثيراً من المفاتيح لمواضيع في علم الاجتماع والنفس والتشريح وعلوم القران وتفسيره وقد أخذ مني الوقت الكبير ، الحمدلله تم نشره في اكثر من صحيفة يومية وفي المواقع الالكترونية ، ولكني كنت أتأمل أن يثير جدلاً ويفتح ابواباً للنقاش ومع الأسف لم يحصل هذا ….. عقب “اسعد” على الموضوع وقال المقال جميل ولاريب في ذلك ولكن اسمع هذه الحكاية كتبت مقالاً وظنتت انه مدوي ونشرته في موقع التواصل الأجتماعي ( الفيس بوك ) ولم أحصل فيه على سوى بعض اللايكات (الاعجابات) ولكني نشرت صورة لأكلة الحمص المطبوخ (اللبلبي) فحصلت على 200 لايك و300 تعليق ، ههههههههههههه ، وختم كلامه بهذه الضحكة … والصراحة افهمني الموضوع بكل وضوح ، فأنما انا اكتب للقارئ والا فلماذا انشر؟!! وعلى هذا وجب معرفة رغبة القارئ وما يريد الاستفادة منه لا فرض الافكار عليه واذا لم يتقبل افكارنا الصفيقة قمنا بلومه !! …
يقول الاستاذ المرحوم “علي الوردي” (ان طريق الابداع في الكتابة يحتاج الى مراحل ثلاث :
1. المرحلة الاولى : هي في البحث الواعي والتنقيب وجمع المعلومات وتصنيفها . ان هذه المرحلة لاتكفي وحدها للابداع انما هي ضرورية احياناً . ومن الممكن تسميتها مرحلة الخزن فالعقل الباطن لايعمل وهو فارغ انما يجب ان يملأ اولاً بالمحتويات المتنوعة . فتكون هذه المحتويات بمثابة المواد الخام التي يصنع منها المادة النهائية . يقول المازني : ان الكاتب كسيارة الرش ، لابد ان يقرأ لكي يكتب . وهذا قول صحيح الى حد بعيد . ويا ويل القراء من اؤلئك الكتاب الذين لايقرأون . فالكاتب الذي لايجمع المعلومات ويخزنها في عقله الباطن يكون مثابة القربة المنفوخة : ينتظر الظمآن منها الماء فتدفع في وجهه الهواء مع الأسف .
2. المرحلة الثانية : هي مرحلة الانبثاق اللاشعوري . فالكاتب بعد ان يخزن المعلومات في عقله الباطن ويتركها هناك لكي تختمر وتتلاقح يجد نفسه مدفوعاً بدافع لا يدري كنهه الى الكتابة . فهو يريد ان يكتب ولو لقي في سبيل ذلك حتفه . انه يصبح عبداً لحوافزه اللاشعورية لا يجد مناصاً من الانصياع اليها ويكون قلمه انذاك هو السيد المطاع فهو يجري معه انى جرى .
3. المرحلة الثالثة : هي مرحلة التنسيق والتزويق والحذلقة المنطقية . ان ساعة الالهام كثيراً ما تكون مستبدة بحيث لا تدع لصاحبها مجالاً ان يفكر بما تقتضيه مألوفات الناس وما يستسيغه منطقهم ففي المرحلة النهائية يجب على الكاتب ان يراجع ما كتب في ساعة الالهام فيشطب منه قسماً ويزوّق القسم الآخر . وهو في هذه المرحلة يخرج من عالم اللاشعور الى عالم الشعور ، فيكون اجتماعياً بعد ان كان عبقرياً …) “
ثم هو يقول في صفحة اخرى ( وقد حاول كثير من شبابنا المتأدبين تقليد طه حسين أو غيره من الكتاب . فتراهم يتكلفون تقليد اسلوبه الذي استحدثه في الكتابة ويريدون من القراء ان يعجبوا بهم كما اعجبوا بذلك الكاتب المشهور نفسه ، غير دارين ان اسلوب الكاتب جزء لا يتجزأ من شخصيته ، وان تقليد جزء معين من شخصية احد الناس يؤدي الى التصنع والسخافة ) خوارق اللاشعور / الدكتور الوردي “
فعذراً ايها القارئ الكريم من صفاقة بعض الكتاب وسذاجتهم وتطفلهم (ولعلي احدهم!! ) من اتهامك دائماً وجعلك شماعة يعلقون عليهم اسباب فشلهم بعدم تذوقك لكتاباتهم …..