وكأن المواطن لا تنقصه تلك الأجراأت الروتينية المقيتة ، والجهود الضائعة التي تثقل كاهله ، والعشوائية في العمل الذي تشوبه الأخطاء ، فيدفع المواطن ثمن العمل اللامتقن ، والأستخفاف الذي صار قاعدة في كل دوائر الدولة ، وهم يبخسونه حقه ، ويسيئون معاملته .
لم يهيئوا له ما يستحق من أماكن الأستراحة ، فهي لا تعدو كونها دهاليز ، تنفث فيها أجهزة التكييف هوائها الحار في هذا الحر اللاهب ، لينعموا هم بالهواء البارد !، وأماكن الجلوس – ان وجدت – لا تكفي ، ينتظر دوره من شق في الشباك ، ينادي عليه الموظف هامسا فلا يسمع ، فيضيع دوره الى أجل غير مسمى ، ولا أدري ما الصعوبة في اقتناء أجهزة التكبير الصوتية للمناداة ، بعضها موجود ، لكنه لا يعمل !، لهذا يضطر المواطن للتجمهر أمام هذا (الشق) البائس في الشباك لساعات ، انها الثقافة السقيمة التي ترسخت في ذهنية موظف الدولة التي يتأكلها الفساد ، من فرّاش المدرسة ، فصعودا ، بشكل صار أي واحد من هؤلاء يتقاعس عن أداء واجبه ، الا ان كان هنالك مردود ما ! فمبدأ (لكل شيء ثمن) صار راسخا ، ولا يمكن محوه !.
قررتُ أنا وعائلتي اصدار جوازات سفر ، استبشرنا خيرا من أن عملية أصدار الجوازات صارت أسهل ، بعد أن كانت الأخبار عن أصدار الجوازات مرعبة وكأنه غول يبتلع كل شي ، فتوكلت على الله ، وكانت أول خطوة ، اصدار الصكوك الذي استغرق 3 ساعات من أحد المصارف ، ولم أستلمها الا في اليوم التالي !.
استغربتُ كيف لا تتقاضى دائرة الجوازات مبلغ الـ 25 الف دينار رسوم الجواز ، مباشرة ومقابل وصل في الحسابات ، فعليك دفع 7500 دينار لكل صك ، اي أن رسوم الصك تبلغ 30% من قيمة الصك ! فشكرا لك يا وزارة المالية !.
توجهت لدائرة الجوازات في زيونة ، وبعد أملاء الأستمارات في الأكشاك ، دخلنا (بالكاد) الى الدائرة ، وجدت اعلانا في الدائرة يقول (الدائرة غير مسؤولة عن عمل الأكشاك) ! ، علما أن ألأكشاك تلك هي الجهة الوحيدة التي تملأ الأستمارات !، في هذا الحر لا يوجد ماء للشرب ، وعليّ شراؤه من خارج الدائرة ، ليمنعك الحرس من الدخول ، الا بالتواسيل ! تمكنت عائلتي من أجراء البصمة بواسطة جهاز بائس لا يقرأ البصمة الا بعد وضع الأصبع 10 مرات ! ، وجاء دوري ، فطلب مني الضابط هوية الأحوال المدنية ، وما أن رأها حتى قال (ما تمشي) فلا يوجد ختم في ظهرها ! ، فأحد الموظفين الشرفاء في دائرة الجنسية ختمها بعد الكبس فمحي الختم ! ، وهذا ما حصل لعشرات المواطنين !. فأضطررت لأبدال هويتي .
عدت في اليوم الثاني الى دائرة الجوازات في الساعة الخامسة صباحا ، تم استدعائي لأجراء البصمة في الحادية عشرة ليلا ! ، أي بعد 18 ساعة !.
بعد 10 أيام ،وبعد سلوك طريق طوله 350 متر لا تسلكه السيارات ، للوصول الى الجوازات العامة ، استلم بعضنا الجوازات ، وبقي اثنان من عائلتي ، فلم يجدوا جوازاتهم ، قال لي (ابو الحاسبة) عد بعد اسبوع ، وبعد اسبوع علمت ان الجوازين مرفوضان ، لأسباب سخيفة ، سببها أخطاء الموظفين ، كان بأمكانه أخباري بذلك قبل اسبوع !، فعدت الى جوازات زيونة في غرفة (الدليل) ، وهنا تكمن المصيبة .
الملفات بالالاف ، عليك ان تعرف لون ملفك لأنها عشوائية وغير مرتبة أو مفهرسة ، وكثيرا ما يستعين الموظفون بالمواطنين ، للدخول الى غرفة الدليل والبحث !.
وبعد ثلاث ساعات من الوقوف أمام جهنم (السبلت) ، أعطوني الملفين ، فأعطيتها الى الموظفة ، سألتها ما المشكلة ؟ لم تجب لأنها لا تجرؤ ! فقالت ، بعد اسبوع ، راجع الجوازات العامة ! كل الذي عملته هو سحب ملفين ، لتدارك أخطاء ، هم سببها ! ، أحد المواطنين أقسم لي أنهم أعادوه 7 مرات ، كل ذلك لأجل أصدار جواز ، هو الأسوأ في العالم !.
هذا يذكرني بالرحلة الملحمية المقرفة لتبديل أرقام (المنفيست) لسيارتي ، عشرات المواطنين عانوا من خطأ أرقام (الشاصي) ، التي هي ليست اختصاص المواطن ، وما بين (القرص المضروب) ، وما بين فقدان معاملتي بالكامل ، اقتضى تركيب الأرقام لسيارتي 12 شهر ، ولم أجد معاملتي الا بعد أن (أجّرت) معقب !.
هذه الممارسات ، قد تدفن في لاوعي المواطن الرغبة في الأنتقام وكراهية تلك الأجهزة ، فلن يدخر وسعا في خرق أي قانون ، طالما يرى أهل القانون ، لا يأبهون به ، فلله درّكم أيها المتظاهرون ، كيف ستترجمون ركام هائل من المطالب والحقوق الضائعة ما بين الفساد الذي قتل الضمائر ، وثقافة الأستخفاف ؟!