22 مايو، 2024 3:55 ص
Search
Close this search box.

عذابات داخل أسوار مدرسة الطفولة

Facebook
Twitter
LinkedIn

الله والمطر

في هذه الليله ارتحلت  بيّ الذاكرة بعيداً الى مشارف  ضفاف الطفولة . حينها كنت طفلاً هادئا ونحيفاً في الصف الأول الأبتدائي في إحدى مدارس مدينة الناصرية جنوبي العراق.

 وذات يوم طلب معلم الرسم من التلاميذ أن يرسموا مشهد المطر!!؟؟
فتح الاطفال كراسات الرسم وسبحت خيالاتهم في المطر، وفي نهاية  درس الرسم  مرّ الاستاذ “باقر” على جميع التلاميذ لكي يشاهد  رسوماتهم وحين جاء دوري تناول كراسة الرسم تطلع بإستغراب أمام طلاسم التخطيط ، وفي أعلى الصفحة كنت قد رسمت بقلم الرصاص شخصاً طويلاً ونحيفاً مستلقياعلى الغيوم وهو يسكب الماء من سطل ٍ يحملة بين يديه على المارّةِ وفوق ارصفة وشوارع المدينة ،فيما بعض المارة كان يحتمي تحت المظلات، واخرين يقفون تحت شجرة كبيرة .

كان الرجل الذي يشبه “الله” يحمل سحنات أبي الذي غادر وجودي وانا بعمر سنتين حيث ملامحه مازالت منقوشة بتضاريس ذاكرتي البريئة.

 بفضولٍ طفولي سألت أمي ذات صباح ممطر وهي كانت تحملني على كتفها في سوق ” الصفا” وانا اشعر بزهوٍ وكأني أكاد أن ألمسَ قبة السماء عن مصدر المطر، فأجابتني ان المطر يأتي من الله ياصغيري.

 وحين سألني المعلم عن معنى وجود الشخص المستلقي على الغيوم أخبرته انه الله ، وان الماء الذي يسكبه من السطل هو المطر، أتذكر الصدمه التي رسمت على ملامحَ وجه المعلم  البليد ،حينها استشاط غضباً فعاقب مشهد المطر بتمزيق ورقة الرسم من كراستي وألقاها في سلة المهملات وعاقب وقاحة مخيلتي بوضع قلم الرصاص الذي استخدمته للرسم بين اصبعيّ وضغط عليهما بقبضة يده القوية ،كان ألماً يفوق تحمل طفل بعمر ست سنوات. ثم  زجَرني بشدة لكي لا ارسم الله مرة اخرى.

متحف العصى

 وفي  نفس  العام أيضاَ وأثناء بواكير دراستي في الاول الابتدائي تلقيت عقوبة أخرى أيضاً  من معلم اللغة العربية. 

كان المعلم حاتم يدخل الرعب في نفوس الطلبة وهو  يمتاز بطول قامته التي  تقارب المترين وجسده  المعوج  وكان عادة مايرتدي هذا المعلم بذلة رمادية وربطة عنق سوداء دون أن يخطر في باله أن  يغير مظهره الرسمي في المدرسة ولو لمرة ً واحدة .

 وقد  كانت للمعلم  هواية سادية وهي جمع عصى تعذيب الطلبة وكان يمتلك في إدارة المدرسة  متحفاً للعصى ويتفاخر باسماءها  أتذكر بعض الاسماء  لتلك العصى  مثل (الخيزرانة والعلوية والخشتنانة والجريدة) ولاأحد كان يفلت من عقوبات المعلم اليوميه.

  ذات مرة أمرني الاستاذ حاتم ان اكتب على السبورة واجبي البيتي   (دار.. دور.. نار.. نور) .. فتناولت الطباشير  وكتبت على سطح السبورة السوداء   باصابعي الصغيرة الحائرة  وأنا أرتجف من الخوف. وفي النهاية أكملت   مفردات  الواجب البيتي  .

 فتلقيت عقوبة  لسعات العصا القاسية على أصابعي الصغيرة  وأنا كنت مرعوباً مابين التساؤل والارتباك . لكن  المعلم حاتم مدحني ساخراً بعد العقوبة  وقال ان إملاءك  صحيح جداً  لكنك  كتبته  بالمقلوب من اليسار الى اليمين !!!!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب