18 ديسمبر، 2024 8:18 م

وعيُهُ السياسي، والتاريخي يضاهي وعيَهُ بالفقه، والحديث، والفلسفة، والاجتماع…
تراه يورد تفاصيل النظريات العلمية ذات الطابع التجريبي البحت كطب الأعصاب، وفيزياء الكم -بشهادة بعض ذوي الشأن والاختصاص- يوردها بجدارة العالم الفاهم، ومهارة المُعلّم المُفْهِم، فينكشف لك حينئذٍ وجه موسوعيته المؤسسة على فكرة وحدة العلوم وتكاملها، هذه الموسوعية التي هي حكرٌ في عصرنا الحاضر – بحكم ثورة المعلومات الهائلة- على قلائل معدودين من كنوز خلق الله.
الشيخ عدنان إبراهيم – على سبيل المثال- لا يسلّم بقبول الحديث الشريف من غير سند مُحْكَم، لكنه يردّه البتة إذا ما بدا فيه عوارًا في متنه، وإن صحّ سندًا، وتواترَ نقلا، وروّجت له كتبُ الأولين والآخرين! وبالجملة فمثل ذلك القول (المنسوب زعمًا) مردودٌ مذموم وإن حفّت به (آيات) القداسة، و(رايات) السياسة، وأتى محفوفًا ممهورًا بألقاب وكُنى كُبَّار المخرِّجين! فما لا يوافق وحي الكتاب الكريم أوحى به -في نظره، وهو الصواب- دينُ إسلام خارج عن دين الإسلام، هو دين الكهّان المفصّل على وفق نزوات السلاطين الشياطين…
للدكتور عدنان إبراهيم لغةٌ أنيقة، عميقة، وعربيتُه مستقيمة لا تشذّ إلا في مواطن معدودة عن خطوط الإبانة، واليسر…
له خفّةُ ظلٍ مع طهارة روحٍ، وسجيّةٌ مسالمةٌ إلا في وخز رموز الجور، والطغيان، والفساد، والغباء، كبعض أقطاب الدين والسياسة من قدماء ومحدثين… كما له ذاكرة وقّادة، لا تخونه -بحسب تتبعي- إلا في مواضع يسيرة من قبيل نسبة بيت شاعر لغيرقائله، ونحو ذلك مما هو ملازم في العادة لطبيعة الارتجال والاسترسال… وأحسب أنّ القوّة الذهنية المتمرّسة في عقل هذه الشخصية الاستثنائية مردّها في المقام الاول إلى، نُبلِ أصل، وعِفّةِ عين…
أكثر ما يُبهر في شخصية عدنان إبراهيم هي أشعة الصدق التي تصدر عفوًا من قسماته، فيشرق معها الحقّ جليّا لا يعمى عن رؤيته إلا جاحد معاند، أو جاهل متعالم. لا أقول ذلك لمجرد الانبهار الشخصي بهذه القامة العلمية العربية الإسلامية الفذّة الفريدة، مع اعترافي بهذا الانبهار، واعتزازي به أيّما اعتزاز، لكنني أقول ذلك مساقًا بإملاء الضمير، والرغبة المخلصة ببيان فضل هذه القامة الكبيرة التي ويا للأسف الشديد يتسابق على مَضْغ سُمْعِتِها كثيرٌ من صغار العلم والمعرفة هنا، وهناك.