23 ديسمبر، 2024 1:14 ص

عدم القدره على الحزن

عدم القدره على الحزن

الدكتور العبادى والوضع الذى لايحسد عليه
نحن نحزن ويصيبنا الحزن وربما نحزن حتى البكاء , وذلك لفقداننا الابن, الاخ الصديق وايضا على شخصيه وطنيه مبدعه لها تاريخ مشرف, ويصبنا الحزن ايضا عندما يحل بنا “مكروها”, ماديا او معنويا. ان الاصدقاء والمعارف الذين يشاركوننا احزاننا بصدق, انما يعبرون عن صدق علاقتهم بنا, ويعبرون بنفس الوقت عن نوعية عاليه من الخلق والشخصيه السويه ويمتلكون القابليه على الاحاسيس والمشاعر الانسانيه ويعبرون عنها ايضا.

ان الحزن والقابليه علي الحزن تمثل حاله انسانيه, ورد فعل اعتيادى لفقدان “ماديا او معنويا” ذو قيمه, انه بنفس الوقت محاولات الروح والذات نحو استيعاب الحدث, الفقدان,وعملية تكوينيه للتلائم مع الشروط الحياتيه المستجده., وبشكل عام ان التعبير عن الحزن قضيه فرديه شخصيه تاخذ اشكالا متناقضه: الخوف, الشعور بالذنب, انعدام الثقه, انهيار القدره على الفعل الاجتماعى والذاتى., الشرود والكأبه..الخ. والحزن يمكن ان يصبح ظاهره اجتماعيه عندما ينتاب الشعب شعورا بضياع الوطن والمستقبل, حينما يشعر انه فى خندق مظلم لانهايه له, او ان تكون الحاله العامه من التأزم بحيت لاتظهر فى الافق حلولا كنتيجه منطيقيه لصراع الكتل فيما بينها حول الحصص والامتيازات.

ان هذا الحزن يكون له معنى وعمق خاص حينما يكون حزنا مجتمعيا ويشمل شرائح اجتماعيه: عندما يتعرض الوطن والارض والمواطنين الى الخطر, خطر التجزئه الذى يهدد الهويه, والانقسام الطائفى والعرقى والذى يمكن ان يقود بسرعه الى حرب اهليه تحرق الاخضر واليابس وتهدد الشعب فى مصيره ومستقبله, حينما تسود حالة الفوضى وانعدام الامن ويسيطر قطاع طرق وعصابات وميليشيات مسلحه على الحياة العامه وتصبح حالة الابتزاز والقتل والخطف والانحراف يوميات مألوفه.

اننا فى عراقنا العزيز نعيش هذه الحاله منذ بضعة سنين, والحقيقه انها فى تردى وتصاعد مستمر, خاصة ما حصل فى السته اشهر الاخيره, كان شهر ايار

الماضى مروعا عنيفا داميا ويقدر عدد القتلى فيه 3000 شخص. وما افرزته الانتخابات الاخيره كان كارثيا ايضا. وكان لابد لهذا التطور ان يحصل, فى امل ان يحصل تغيير وبدايه جديده: ان الدستور الذى لم يكن حدا فاصلا فى تسير العمليه السياسيه ولم يحظى بالاحترام والقدسيه للكتل السياسيه الفاعله فى العمليه السياسيه, ان كل كتله تسحب القانون من المكتبه, تلوح به حينما تكون بحاجه اليه, وتتركه جانبا الى اجل غير مسمى. ومع ان الانقسام اخذ يظهر بوضوح ويتبلورعنه قطبين لاطراف العمليه السياسيه, دولة القانون والسيد المالكى الذى يؤكد وفقا لحقه الانتخابى على ولاية ثالثه, اما القطب الاخر, فهى بقية الكتل التى لم تتفق على مشروع قانون واحد ولم تتبلور الثقه فيما بينها ولم تحضر جلسات البرلمان بشكل منتظم, فقد توافقوا واجتمعوا على رفض ولاية ثالثه للسيد المالكى. ان هذه الصراعات التى اخذت وقتا طويلا, بالرغم من احتلال قوات داعش مدينة الموصل واستمرت فى مسيرتها فى احتلال مدن واقضيه فى ديالى وتكريت, وقامت بارتكاب جرائم ضد الانسانيه لم تهدأ الساحه العراقيه ولم تعمل الكتل السياسيه على تهدأت الموقف, وانما تصاعد تصلب الكتل السياسيه وكأن ما يحصل فى العراق لم يعنيهم من قريب او بعيد. كان اصرار السيد المالكى على موقفه قد عطل عمل الدوله, ولم يقدم صوره ناصعه لرجل الدوله الذى يقدم فى “الاوضاع الصعبه” مشروع عمل يحتوى الخصوم ويمهد ارضية الثقه للعمل المستقبلى. كان التاكيد من قبل السيد المالكى بالعمل بالدستور والاستحقاق الانتخابى كارثيا على الاوضاع فى العراق وذلك لان الدستور ليس دستورا, كما ان الانتخابات التى ابدعت فيها الكتل السياسيه بمختلف الطرق والوسائل, الا ان دولة القانون قد فاقت كل التصورات فى الابداع والبراعه!! ومع ذلك وبالرغم من محاولات المرجعيه فى النجف الاشرف والعديد من العقلاء والحريصين على الوطن والمواطنيين, فان الحاله ازدادت تعقيدا, ان حوالى 1,5- 2 من النازحين والهاربين من مناطقهم هو لوحده يمثل كارثه انسانيه خطيرة جدا, ان هذا العدد يؤكد على عدم وجود حكومه قادره على الوقوف امام هذا الانهيار الخطير .

هذه الحاله التى نحن ووطننا مهددون بها منذ شهرين بشكل عنيف, تلزم الوقوف جنبا الى جنب للتصدى للاخطار والتحديات التى تتصاعد وتائرها يوما بعد يوم. بعد مخاض عسير, تم اخيرا تسمية السيد د. حيدر العبادى رئيسا للوزراء, وجاء هذا الترشيح لمحة امل نحو مستقبل له معالم مشجعه, خاصة وقد

استقبل ترشيحه من قبل القوى السياسيه الحاكمه المتصارعه فى العراق بموافقه وترحاب, هذا بالاضافه الى القوى العشائريه ومنظمات المجمع المدنى. الا ان القبول والترحيب الذى حصل من الولايات المتحده وايران, اللاعبان الرئيسيان فى الشأن العراقى, بالاضافه الى الامم المتحده وبريطانيا وفرنسا, وليس اخيرا الاقطار العربيه المجاوره, هذا كله يدعو الى التفائل بأن الدكتور العبادى سوف ينجح فى تشكيل طاقمه الوزارى. ولكن كيف وهل هذا معقول ومنطقى؟؟

ان تاكيد الولايات المتحده على ان تشكيلة مجلس الوزراء يجب ان تضم جميع فصائل الكتل السياسيه وشامله لجميع طوائفه ومكوناته يقارب من اعمال السحر والخوارق التى لاتعتمد المنطق والعلم, وحتى “فن السياسه” الذى يقوم على الممكن. ان الممكن يكون ممكنا حينما يكون عدد المتصارعين حول السلطه والجاه فى عدد الاصابع, حينما تكون مصادر الثروه محدوده ولا تسمح, من الموقع الذاتى, فى اطلاق العنان للرغبات غير المحدوده , وعندما تكون الثقه والامان بين اطراف الصراع قد وجدت طريقها الى النفوس الابيه الطاهره.

ان الذى يحصل حاليا وما يصل الى الدكتور العبادى من تصورات الكتل السياسيه ومطاليبهم لايبشر بخير وسوف يصعد الوضع تعقيدا, ويخشى ان نرجع القهقرى الى حاله سابقه كانت “مخجله.” ان الكتله الكرديه قد قدمت تصوراتها حول تشكيل الوزراره رجوعا الى الاتفاقات التى تمت فى اربيل عند تشكيل الوزاره فى ولاية السيد المالكى الثانيه, وهذه الوثيقه التى تم الاتفاق عليها والتى تتضمن 18 بندا ما زالت لغزا دفينا لحوالى اكثر من 90% من العراقيين, التى كما يبدو من انها كانت احد الاسباب الرئيسيه فى الاختلاف الذى حصل بين كتلة المالكى والاكراد, وتمثل تناقضا صريحا فى التصورات السياسيه والاقتصاديه والحقوق القوميه بين الطرفين, ان السؤال يفرض نفسه حول امكانية ازالة الاختلافات عن مشاكل وخلافات قد اخذت حركيه ذاتيه منذ 2003 ان تجد لها قاعدة اتفاق فى هذا الوقت المؤزوم والمتأزم, ان يعطى السيدالعبادى صكا غفرانيا للاكراد لكل البنود التى تقدموا بها لكى يشاركوا فى تشكيلة الوزاره,هذا الموقف ليس تعجيزيا فحسب وانما ينسف العمليه السياسيه ويتامر عليها, وهذا يشمل ايضا كتلة متحدون التى قدمت تصوراتها والتى لاتقل خطوره واهميه عن تصورات الكتله الكردستانيه, فأن مطاليبهم لاتقتصر على الوزارات السياديه وعدد من

الوزارات الخدميه, وانما ايضا العفو العام وانتهاء العمل بماده 4 ارهاب…الخ, كما ان كتله المواطن التى لها تصوراتها ومطاليبها ايضا, وليس اخيرا كتله دولة القانون, الكتله التى طال عمرها وتسبب ادعائها الدستورى الازمات الاخيره التى من جرائها اصبح حوالى 2 /4 من مساحة العراق فى يد داعش وعشائر المنطقه الغربيه., ثم ان الدكتور العبادى هو احد كبار كتلة دولة القانون, ومما لاشك فيه فان الكتله تفرض احقيتها فى تشكيلة مجلس الوزراء. ما العمل ازاء هذه الحاله التى قاسمها المشترك ,الاشتراك الكتل بالوزاره تحت شروطها الخاصه!!

اننى بدون اى تجاوز على شخصيات الكتل السياسيه النافذه سابقا والتى تحاول ان تؤكد على نفوذها فى المرحله الجديده, يبدون وكانهم لم يعيشوا المأسأة العراقيه منذ 2003 ولم تعنيهم من قريب او بعيد والتى قد تعاظمت فى السنتين الاخيرتين بشكل صارخ. انهم جميعا مسؤلين عن الوضع المتردى الذى نحن فيه ويرمون الاخرين بها, انهم فرسان ديمقراطية المحاصصه وعرابى الفساد المالى والادارى, انهم قد عملوا بجديه عاليه على تعطيل عمل البرلمان وفرض عدم جدوى وجوده, وجعلوا من وزارات المحاصصه قلاع خاصه لمنتسبى الكتل طائفيا وقوميا.

ان متابعة سلوكيات فرسان الكتل السياسيه لا تشير الى تغيير فى افكار مواقف وسلوكياتهم ولذلك لم تظهر علامات الحزن والاسى على ما اصاب المواطنيين وما حل بهم, ان الارهاب لم يستطيع الوصول اليهم فهم اما فى المنطقه الخضراء المحصنه او فى حمايه الحراسات الخاصه او يتمتعون فى عمان وبيروت واوربا بعيدا عن اجواء “النحس”, انهم قد فقدوا القدره على تصور الالام الاب والام التى فقدت ابنها الشاب, ضحية للارهاب اوعدم تزويده بالتدريب العسكرى المتين الذى يساعده فى تقدير مواقع الخطر وحماية نفسه وفقا لللامكانيات العسكريه التديبيه, كيف يمكن ان تتقبل النخب السياسيه ذبح واعدام الالاف من الابرياء دون ان تصدر عنهم مؤشرات وعلامات حزن واسى, او حتى اسف كريم, انهم ,كما يبدوا, قد فقدوا انسانيتهم ولم يخطر ببالهم ان يتفقدوا احوال الاباء والامهات, او يقدوموا بتفقد احوال المعذبون فى جبل سنجار او فى بامرلى وفى

الموصل, وكأن ذلك لم يعنيهم. وفى واقع الامر ان ما يحصل فى العراق, وهم جميعا السبب الرئيسى بما هو عليه من وضع خطير, شيئا لا يعنيهم, وعلى العكس, فان الاوضاع الحاليه انما تزعجهم وتعكر امزجتهم وتسرق منهم لياليهم الجميله. ان الحزن حاله انسانيه تعبر عن ما فى الانسان من مشاعر واخلاق واستعداد لمشاركة الاخرين مصائبهم واحزانهم والوقوف معهم. هل ابدى النواب الاشاوس والنخب السياسيه استعدادهم للتخلى عن جزءا من روتبهم الخياليه لمساعده الذين هجروا وخسروا جهود العمر, هل قدموا اقتراحا فى انشاء صندوق وطنى يساهموا به وكذلك المواطنيين فى تامين حدا ادنى لمساعدة المهجريين والذين فقدوا ابنائهم واخوانهم.؟ هل قام عددا منهم بزيارة وتفقد احوال المهجريين, لا, انهم لم يفعلوا ذلك ولكنهم نجوم الميديا, باناقتهم وبدلاتهم المستورده وطلعتهم “البهيه” يدلون بتصريحات ويبثون افكار ومقترحات ما انزل الله لها من حسبان, انهم فى واقع الامر ينتجون شخوصهم ثانيه للتعويض عن ايام بائسه خلت. ان الخلافات المستمره القائمه حول تشكيلة مجلس الوزراء تضمن لهم حاليا حدا ادنى من التسلط على الثروه الوطنيه والمكانه الاجتماعيه.

ان الدكتور العبادى فى وضع لايحسد عليه, ان عليه ان يوفق بين المتناقضات التى قدمتها الكتل السياسيه للمشاركه فى التشكيله الوزاريه والمشروع الوطنى العراقى الذى لا يتوافق مع المحاصصه, حتى ان البعض منهم يؤكد على تحقيق المطاليب اولا حتى يمكن المشاركه فى مباحثات تشكيل الفريق الوزارى. ان مثل هذه الشروط لا تتعدى ان تكون مجرد معوقات وممهدات للفشل. بقدر حجم الامل الذى حمله العراقيون فى ذواتهم بعد التغيير فى عام 2003 , كانت خيبات الامل, ولكن مع هدر اكثر من 1000 مليار دولار على لاشىء: اين المدارس, المستشفيات, الكهرباء, الماء الصحي, اين الجيش الذى يحمى الوطن والشرطه التى تفرض الامن……..الخ, ومع ذلك فان النشامى من دولة القانون يدعون انهم قد بنوا العراق وقضوا على الارهاب وهم يطالبون فى ولاية ثالثه لاستكمال “مسيرة اللانهايه.” لم يظهر لحد الان اى شخصيه نافذه من دولة القانون يعتذر عن الجرائم والارهاب ونهب الثروه الوطنيه التى حصلت فى فترة حكمهم, ولم تبدوا عليهم علامات الحزن والاسى, ان هذه الحاله لا تنحصر فى كتلة القانون وانما تشمل جميع الكتل السياسيه, حتى ان البعض منهم يفرح ويتشفى لما

يحصل ولا يتورع فى نشر الاكاذيب ويبنى له املا جديدا فى حالة يلعب فيها دورا اكبر, وهذا حصل هذه الايام القليله الماضيهمن اتهامات طائفيه.

لم تجد النخب السياسيه الضروره للوقوف لحظات مع الذات لاعادة التفكير فى مفردات السياسه واستخلاص بعض النتائج منها. ان هذه الحاله من عدم القدره على الحزن واعادة التفكير تمثل انعكاسا لشخصيه استبداديه متسلطه ونرجسيه تعتقد باهميتها العظمى والتى لايمكن الاستغناء عنها على مدى التاريخ, انها قد فقدت الاتصال والعلاقه بالواقع المعاش, وتعيش فى وهم النرجسيه المريضه.

هذه الحاله تشمل تقريبا كل النخب, رجالا ونساءا, من الذين صعدوا الى سلطة القرار فى غفله من الزمن, من دون تاريخ ومن دون جغرافيا , قد انتهزوا الفرصه المواتيه وركبوا الموجه ليعوضوا عن مركبات النقص والذات الجريحه, بعيدا عن مصلحة الوطن وهموم المواطنين, ويعيثوا فى البلد الفساد. انهم مازالوا فرسان التلفزيون والمحطات العربيه والاجنبيه وما يصدر عنهم يزيد الوضع تأزما ويفقد الامل فى التوافق, ويمكن ان يكونوا اساسا ضد التوافق على تشكيل الوزاره. حتى لو كان بيد الدكتور العبادى عدد من العصى السحريه فأن الوصول الى ااتفاق يمثل كما يقال ” جهود ضائعه من اجل الحب” ان اتفاقا يمكن ان يحصل بسرعه وبسهوله ولا يحتاج الى جلسات ماروتونيه متعدده: حينما يتفاعل “المتصارعون” بصدق مع بعضهم البعض ويمهدوا الطريق لبناء الثقه وينطلقوا بعيدا عن المصالح الكتليه والفرديه, حينما يمتلكوا الشجاعه للاعتراف بالاخطاء وتبدوا عليهم حالات الحزن والاسى والندم, حينما تبدأ عملية تعلم جديده حقيقيه فى تكوين الذات وقهر النرجسيه القاتله. وبما اننا نعلم بان هذا غير متوفر حاليا, فأن الخيارات امام الدكتور العبادى قليلة جدا: اما ان يوافق السيد العبادى على شروط الكتل, حتى 50% منها مرحليا, واذا تم ذلك, اذن لماذا كل هذه التضحيات والازمات التى طال امدها ومن المسؤل عنها. او ان يرفضها ويقدم البديل, “وزارة اغلبيه”, ولكن نجاح هذا المشروع يفتقد الى الاوليات, انه مرفوض من قبل الولايات المتحده وايران والدول الجوار, وثانيا استمرا جرائم الارهاب واستمرار الاوضاع المترديه.