استغرب كثيراً حين ارى بعض المثقفين يكتبون عن قضايا او يجادلون في امور اكل الدهر عليها وشرب ، او نرى احياناً مقالات ذات طابع متعال, بعيد جداً عما تعانيه الشعوب، وبالاخص الشعب العراقي الجريح الذي غرق في المصائب والاوضاع المزرية التي غاب الحل عنها , يأتي احدهم في خضم احداث عصيبة, ويكتب عن الفلسفة المتعالية والمنطق وماشابه .. طبعاً لسنا ضد هذه العلوم وفوائدها, لكن في اعتقادي إن الانشغال بالعلوم المتعالية التي لايفهمها الناس في ظل مشاكل اجتماعية راهنة وعصيبة هو استحمار بامتياز كما يسميه المرحوم شريعتي اذ ان هذه القضايا يتم من خلالها تزييف ذهن الانسان وحرف مساره عن المسؤولية الاجتماعية والانسانية…ان المشكلة الكبرى للمثقف العراقي عدم الشعور بالمسؤولية , وهذه القضية سببت بعد المجتمع عن المثقف , لاننا نعلم ان المجتمع يريد مثقف يطرح مشاكله وينقد القضايا التي يعاني منها وينزل الى مستواه الثقافي لا ان يجلس في المقاهي ويتكلم عن افلاطون وارسطو ونيتشه, يقول ابيقور (جوفاء هي كلمات الفيلسوف التي لا تفيد في مداواة معاناة إنسانية فكما انه لا فائدة في طب اذا لم يخلص الجسم من المرض ، كذلك لا تنفع الفلسفة اذا لم تكن تستطيع أن تزيل مرض الروح ). اذ انه لا فائدة من المثقف الذي يتفوه بكلمات لا تقدم ولا تؤخر ولا تأتي بالدواء الناجع للمجتمع , فقط تجعله في طريق يرى نفسه بأنه عالم والناس كلهم جهال, فهذا المثقف الذي يظن بأنه العالم وباقي الناس جهال, يتقوقع من حيث يشعر او لا يشعر ويجعل نفسه في طريق خالي من اي نفس اجتماعي او انساني وهذه القضية لها اسبابها الواضحة وبعد المجتمع عن المثقف ايضا له اسباب, وسوف نتطرق الى اسباب مهمة منها :
1- الكتابة باللغة المتعالية التي يجهلها الناس والتي يأسف لها الدكتور علي الوردي قائلاً (من المؤسف حقا ان نرى بعض ادبائنا يكتبون فوق لغة الناس ). اذ ان هذه المشكلة تكاد تكون المسبب الوحيد لبعد المجتمع عن المثقف , لأن الانسان البسيط لايعرف بعض المصطلحات الحنجورية ! والمفردات المنمقة والزخرفة اللفظية المستنسخة ….
2- انشغال المثقف في أمور لا تعد مهمة وتافهة بالنسبة للمجتمع الذي يعاني من الفقر والبؤس وغياب المسؤول الشريف الذي يدافع عن حقوقه …طبعا نحن لا ننكر بعض الاختصاصات التي يكتب عنها المثقفون فهي بالتالي لا تخلو من فائدة ، لكن ثمة امور أكبر وأهم من القضايا التي تكتب , فلا شك أن المثقف اذا حاول الولوج في عمق المجتمع والتقرب منه بالتأكيد سيكون صوته مسموعاً وكلمته ذات اهمية كبيرة, او كما يقول شريعتي (ان مسؤولية المثقف اشبه بمسؤولية الائمة وقادة التغيير سابقا). اي انه تقع على عاتق المثقف مسؤولية بناء المجتمع وتغييره والمطالبة بحقوقه التي ضاعت بين المسؤول الفلاني والسياسي العلاني , وبالطبع انا لا اتكلم على وجه الاطلاق فهناك كتاّب ومثقفون عراقيون يبعثون على الفخر فهم يكتبون عن قضايا مستمدة من عمق المجتمع العراقي ويعاني منها كل فرد يعيش في هذا البلد الجريح ولكن نقرأ بعض الاحيان في بعض الصحف مقالات تشعر إن الذي كتبها يعش في اوربا ولا يبدو عليه اي اهتمام بمجتمعه… نحن لا نملك الا ان نتوجه الى جميع الكتاّب والمثقفين العراقيين الى ضرورة الانتباه لأن الشعور بالمسؤولية في هذا الوقت مهم جداً , حيث ان الوقت العصيب الذي يمر به العراق ومايعيشه العراقيون من محنة , يتطلب من المثقف حضور فاعل وحقيقي تجاه الازمات التي يمر بها البلد , لان المثقف يشكل النقطة الاهم في المجتمع وهو المعيار الرئيسي لمدى تغيير وتطور الشعوب , والمجتمع الان اشد حاجة الى وجود بصيص امل في ظل اليأس الذي يخييم عليه .. فهل ياترى يبقى بعض المثقفين العراقيين منصاعين لتحقيق نزواتهم وعرض عضلاتهم الثقافية؟ ام يصحون من غفلتهم وينتبهون لمتطلبات المرحلة الراهنة؟ .