النضال السياسي اليوم يفرض نفسه بدلاً من حمل السلاح الذي لاينتج عنه إلا الدمار والقتل وتهديم الاقتصاد وفقدان عناصر الثورة والارتباك في الاقتصاد والسياسة وتفتيت المجتمع كما لاننسى الجانب الانساني في القضية .ان مناهضة الارهاب وتفكيكها من المطالب المشروعة لاتخضع للمساومة والابتزاز او الاستثمار السياسي والانتخابي على حساب سلامة الوطن ومصالحه العليا.هناك ما يشبه التواطؤ الغريب بين البعض من ألاجهزة الحكومية وجماعات إرهابية سهّلت وتسهّل العديد من عمليات القتل المجاني للعراقيين تحت أنظار وأسماع مسؤولين كبار، في المقابل تنشغل النخب السياسية عن هذا الملف الخطير بمناقشة قضايا واستحقاقات لاتعني شيئ وكأننا ننعم بالأمن في كل ربوع البلاد، . لا أفهم كيف نتحدث عن أي قضية والأمن غائب أو مغيّب، والمفترض أن تكون هذه القضية هي الأولى على رأس كل المناقشات، لا أفهم كيف ينهمك الساسة في أحاديث جانبية لاتنفع وقد تم تطمين الشارع الى ان مجلس النواب هو صمام الامان لحل القضايا كلها ،
اليوم ونحن نشاهد عمليات إرهابية تتوالى على مناطق عديدة والشهداء يتساقطون ونمر عليها مر الكرام ، وننفعل بها، نسكب أنهارا من الحبر حولها، وفجأة تعرض علينا من جديد، فيتعامل البعض معها وكأنها تحدث للمرة الأولى.ان المواطنين كانوا يأملون بناء مجتمع يتسع للجميع، لكن الواقع يقول ان البلاد لم تعد تتسع إلا لأصحاب الصوت العالي وللسراق وللانتهازيين، ولمن ينالون الحظوة عند البعض من القيادات وهذا ما جعل منطق الإقصاء أو الإلغاء يسري في الحياة السياسية التي لم تعد تحمل من حياتها سوى اسمها فقط. ما دام الحال على ما هو عليه الآن، فليس من أملٍ في إصلاح الوضع، وانتشال الدولة من براثن الفساد والفشل، ومعافاة الحياة السياسية، والارتقاء بها الى مشارف العدالة واستعادة إرادة العراقيين وصيانة حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم التي اصبحت مرهونة بيد العصابات الارهابية والبعض من القيادات الذين ” إختزلوا الشعب العراقي بالمكونات والمكون بالأحزاب والحزب بالمقربين، المقربين بالبطانة.” . ثم إن إشغال الوظيفة استحقاق شرعي لكل المواطنين يشغلها من تتوافر فيه شروطها، وعلى أساس المنافسة المتكافئة النظيفة .
الفساد ينخر في القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، وعلى اساسه تباع المناصب الرسمية وتشترى وهدفاً ذهبياً للمنتفعين . كما ويؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية وبالتالي القيم الديمقراطية للمجتمع كالثقة والتسامح . ولا يوجد للبرلمان أي فعل رقابي فعال وجاد باتجاه المعالجة الحقيقية لأنه عاد كما كان خاضعاً لأجندات ومصالح الكتل السياسية المسيطرة عادو يتقاسمون الجسد العراقي بكل ما فيه دون إبقاء شيء للشعب المسكين، في حين تراهم على شاشات التلفزة وعلى المنابر يتحدثون عن القيم والمبادئ! في حين نرى ان ابناء الشعب ينطبق عليهم المثل الشعبي ((عددت العدادة، وكلمن على ضيمها بجت )) ومع الاسف ان الحال الذي عليه العراق الآن “يشبه بيتا يأكل العِث أساساته،. وجدرانه تزداد تشققاً وتصدعاً، تنخرها الرطوبة، وتعشش في فراغاتها الغربان ” .
إن أسس البناء للدولة تتعلق ابتداء بتوجه الدولة العام نحو العمل لصالح المواطن وليس العكس، إذ إن الشعور العام بذلك هو ما يوجد حالة الانصياع الكامل لدى مواطنيها، وليس الإحساس بالخوف كما يذهب البعض، ولا ما يذهب البعض إلى تسميته بـ”هيبة الدولة” إذ ليس من المقبول أن تكون تلك الهيبة هي نتيجة إفراطي الدولة في استخدام العنف تجاه مواطنيها باعتبارها المحتكرة لتلك الممارسة، كما يذهب ماكس فيبر، الذي يرى أن “الدولة باعتبارها تجمعًا سياسيًا غير قابلة للتعريف إلا من خلال العنف المشروع والمحتكر من جانبها، وإلا آلت الأمور إلى الفوضى”. كما إن الدولة التي تقوم على إرغام مواطنيها على الوفاء بالتزاماتهم نحوها دون أن تكون مشغولة بمنحهم حقوقهم أو تحسين ظروفهم المعيشية، أو إتاحة وسائل التعبير عن الراي، والمقدرة الفعلية على إحداث التغيير السلمي للسلطة؛ وكذلك إتاحة الوسائل لهم ليكونوا مؤهلين لتولي المناصب العليا فيها وعلى قدم المساواة، هي في الحقيقة ليست سوى مؤسسة شكلية مبنية على اسس غير صحيحة تعتمد على الترقيع بين فترة واخرى ، من أجل التكريس لا ادمة السلطة التي تفتقر إلى أدني الشروط المؤسساتية . ان انجرارها نحو الانحياز لفئة أو توجه بعينه يجردها من أمضى أسلحتها، ويجعلها عرضة للضعف ومن ثم السقوط، وهذا بالطبع لا ينفي أن يكون للدولة توجهاتها العامة، التي هي في الأصل تنبع من رؤية شاملة لما يحقق لمواطنيها أقصى درجات النفع والأمن والطمأنينة.