19 ديسمبر، 2024 5:15 ص

عجبا ، كيف اغرقتم البصرة ؟

عجبا ، كيف اغرقتم البصرة ؟

تتميز البصرة عن بقية محافظات العراق ان في وثيقة قيد الطابو لمعظم بساتينها تذكر عباره (بستان يسقى سيحا بمياه المد )، هذا التصنيف اسس له العباسيون وقد فرضوا العشر ضريبة على خراج تلك الانواع من البساتين كون زراعها لا يبذلون الجهد او المال للسقاية بالواسطة بل تتولى الطبيعة وظاهرة المد انجاز تلك المهمة، ويذكر ان نهر العشار الشهير هو النهر الذي كانت تسلم على ضفافه العشور الى العشار.يذكر عمي الذي يتعدى عمرة اليوم التسعين عام من العمر  ، انه واهله كانوا يزرعون الرز والحنطة في الاراضي المحيطة بملعب الجمهورية الحالي الواقع في قلب مركز البصرة ، ويذكر ان تلك المزروعات كانت تسقى سيحا بمياه المد القادمة من شط العرب عبر نهر البدران المار بمحلة الجبيلةالحالية . هذا يعني ، ان الماء والتراب قد نسج بعضه بعضا عبر الاف السنين . و قد صممت ونفذت الطبيعة للبصرةوبأناملها الرقيقة  منظومة هيدرولوجيه متقنه لحراك المياه كي تستوعب وبرشاقة كل الكمياتالتي تغدق كل ارض البصرة ولمرتين في اليوم الواحد عند كل مد وكل جزر .المشكلة ان الكثير الذي يرى البصرة المدينه لا يعلم انها لازالت وبأنهارها القائمة بعناد تقول انني كنت ذلك البستان .
هنا يطرح السؤال الكبير نفسه  ، مدينة كالبصرة ، كيف تغرقها الامطار ومهما عظمت ولازالت كل جداولها المرتبطة بشط العرب قائمة حتى اليوم ؟ ولماذا  تصمم شبكات تصريف الامطار لتستعمل كل تلك المكونات من انابيب ونقاط تصريف ومانهولات ومحطات ضخ كي تضخ المياه  في النهاية لأقرب نهر من انهار البصرة وجداولهاحيث لا تبعد اي نقطة تصريف عن النهر اكثر من الف متر!!!، لماذا كل هذه المنظومة المعقدة من التصميم المكلف ؟ ، ان انحدار مقداره 4 سنتيمترات لكل كيلو متر  كفيل بإيصال اي قطرة ماء بيسر الى اقرب جدول !!، اليس من السذاجة ان تنشئ منظومة تصريف امطار كهذه في عمق الاهوار بساتين ابو الخصيبمثلا ؟
انها إخفاقهفلسفة التصميم لا المصمم، وهذا ما تتحمله الجهة المستفيدة من التصميموالتي ربما ادمنت استعارة واستنساخ نظم الغير دون ابداعفي تطويعها لواقع الحال ، نعم ، عندما يكون المصمم جاهلا لطبيعة المدينة فانه يعجز من الاستلهام من الطبيعة المحلية ويهيم في خياله النظري وضوابط العلم فحسب ، رغم انها شكلا تبدوا اخطاء فنيه ، الا ان هذهالاخفاقة الجوهرية في التصاميم هي اخفاقة سياسة وادارة وقد لحقتها اخفاقات اكبر في التنفيذ فالتشغيل فالصيانةوفتحت ابواب المحن والخسائر والفساد.
 في ظل واقع لا يميز فيه المسؤول الفارق بين شبكة المجاري الثقيلة وشبكة مياه المطار ، وعندما يتفقد اعلى مسؤول محطات ضخ المجاري الثقيلة متوسما الحل بها ، تدرك انه قصد عيادة طبيب الاسنان ليبحث عن علاج لآلام المفاصل ، هل يعلم ان كل ملمتر من المطر يسقط على البصره يجمع خمسة الاف متر مكعب من المياه ولكن الرب قد اكرم ومنح المحافظ مجانا منشأ عملاق اسمة شط العرب يستطيع تمرير هذه الكمية خلال تسعون ثانيه!!عندما يظهر لنا مدير البلدية وبغبطة عالية ينبئنا ان شبكة امطاره عاجزه عن الايفاء بوعودها وان جيوش المتعهدين من اصحاب الصهاريج والصاروخيات مستعدون وقد وفرت لعقودهم الاموال السائلة والانفاق الميسر ، تدرك ان ملامح  قطاعا اخر بدا يتبلور ويدمن على حل ازمة جديده قد تتحول الى وسيلة ترزق متطفلة جديده مستديمةوقد تكون بديلا عن جيوش قطاع المولدات اذا ما حلت ازمة الكهرباء  ، وعندما تغرق البلدات و يجلس مليون وستمائة رجل امن يراقبون الاخبار على التلفاز فحسب  ، يصرخ صوت مدويا على سماء البصرة وكل العراق  يقول ( الما يعرف الصقر يشويه ) فتدرك ان المدينة والبلاد مختطفه والخاطفون غرباء حقا .
ان واقع الاخفاق في البصرة يعكس من حيث النتائج والمسببات الى حد ما ، الواقع في معظم المحافظات والضواحي العراقية والتي يتوزع معظمها على مسارات الانهار ومواقع المياه ، ان سعة مقطع اي نهر في العراق هو ملخص حكاية كميات المياه التي تدفقت خلاله عبر مئات او الاف السنينوان الرواسب تحته تقول لنا من اي جاءت تلك المياه وكم دام دفقها ، في النهاية ،قد عبرت  تلك المياه عن كميات الامطار التي هطلت على الاراضي اعلى حوضهومهما بعدت لتطال سلاسل جبالطوروس وزاكروس والبحر الأحمر وهضاب ايران والاناضول وشبه الجزيرة العربية ، السنا السهل الرسوبي ووادي الرافدين اولسنا ملتقى الهضاب الثلاث ، فكيف استطاعت اداراتنا ان تمارس كل ذلك العبث لتعاند الطبيعة وتزور الجغرافيا وتمسخ التاريخ وتربك النظام فتغرق مدننا بذات الزخات المتواضعة الساقطة عليها فحسب،الانهار كانت ولم تزل تحكي حكاية العراق وتاريخه ، فهل هناك من قراء ، احقا ان الامية قد ضربت اطنابها كل ذلك العمق في ثنايا حكومات البلاد .
 مثلما البصرة ، العراق وبتوزع منظومته الاجتماعية والعمرانية عبر الالاف السنين ، ليس الا لوحة طبيعية رسمتها انامل الماء برقه . ترى كم سيستمر هذا التجاهل والعناد مع الطبيعة والانسان وذواتنا ، اي معركة تروم حكوماتنا خوضها ، من ضد من ؟ وكم لأجل كم؟ والسفسطةتكبر و يبدوا ان لا زوال لها الا ان يعلو طوفان الغضب الشعبي مرة اخرى ليزيل كل اولك العوالق الطارئة في مجرى حياة هذا الشعب المنتظر .اسرفتم بجهلكم ايها الحاكمون ، فهل انتم مدركون .
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات