8 أبريل، 2024 11:16 م
Search
Close this search box.

عتاريس العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

اعتاد الرئيس جمال عبد الناصر وعائلته ان يشاهد فلماً سينمائياً في حدائق القصر مساءً كل يوم خميس وكانت اغلب الافلام ممن لم تعرض بعد في دور العرض السينمائي، الفلم تلك الليلة (شيء من الخوف ) والممثل محمود مرسي بدور (عتريس ) الذي عكس مرارة وحقيقة الواقع العربي وما فيه من ظلم وجور واستبداد والممثلة هي المطربة شادية (فؤادة ) تمثل الشعب العربي المقهور والمظلوم بكل شرائحه ومعتقداته، عتريس الشخصية التي تنمو وتتطور بالشرق بصيغ وادوات مختلفة وفي اماكن وازمنة مختلفة لا تنتهي الا بقوة غاشمة تتفوق على قوة عتريس، وعتريس الذي استفز الرئيس الراحل في فلم شيء من الخوف وجعله يتعاطف مع فؤادة ليسأل وزير الاعلام الكاتب والصحفي الشهير محمد حسنيين هيكل، يقصد بمين عتريس ؟
هيكل وبدون تردد وبسبب العلاقة التاريخية والميانة والامانة يقصد حضرتك يفندم .
صعق الرئيس من صورة عتريس التي اصبحت هاجسة الذي عجل بوفاته بعمر قارب الخمسين، رغم ان الزعماء في العالم الثالث لايموتون إلا بالرصاص او بداء الخرف او حبل المشنقة، عتريس هذا حتمية تاريخية لاتصنعها المؤهلات بل هو نتاج موروث بيئي لازم الامة لقرون، وعتريس كما اي عتريس عبر التاريخ يستغل الجهل المتوارث والامية والفقر ليحيط نفسة بقوة غاشمة لاتفرق بين الناقة والجمل، والجهلة هؤلاء كما الطغاة تصنعهم ذات الظروف بمؤثرات النزعة الدينية والقبلية فاكثر الناس دعماً للجهل والتسطيح والفقر وصناعته هم رجل الدين وزعماء القبائل، فالجهل والفقر يصنع عتريس وعتريس يديم ذلك الجهل والفقر ويصنعه بصيغ والوان مختلفة، فجدلية صناعة عتريس من الجهل وصناعة الجهل من عتريس صفة ملازمة للأمة منذ قرون . لانريد الغوض في جهل دام لقرون مضت وانما لعقود عاصرها اباءنا واجدادنا واصبحت موروث في كتب الكذب المعاصر كما الكذب القديم .
اعظم فرصة انسانية واخلاقية للشرق هي عندما بادر الغرب بجعل الشعوب المتخلفة والغير قادرة على ادارة نفسها بادارة الدول المتقدمة ( الانتداب ) بريطانيا المحررة (المستعمرة) حررت العراق من اسوء استعمار مارس شتى انواع القتل والتنكيل والفساد والسرقة وجعل اراضي تلك الدول ضيعة من ضياعه وشعوبها عبيد وادوات لفتوحاته وكان لهذا المستعمر العثماني تاريخ سيء لايختلف عن الاستعمار القرشي و الاموي والعباسي . ومع اطلالة الست بيل والفاتح ( مود ) انتقل العراق كما بقية الشرق للحضارة لاول مرة بعد قرون الجهل والظلم والتعسف، بريطانيا جعلت العراق دولة وأسست لنظام ديموقراطي لم يكن بمثله عبر التاريخ وكاد العراق ان يكون بمثلها او كما نيوزلندا او هونغ كونغ او استراليا او جنوب افريقيا او اي مستعمرة طلت عليها العقول النيرة وجعلتها واحة خضراء وسكانها سعداء ينعمون بالعزة والكرامة تحت ظل التاج الذي لاتغيب عنه الشمس وانتهاء حقبة قرون الاستعباد والظلم والجور والسبي والنهب والذبح بالسكين.
بريطانيا استطاعت ان تنقل الحضارة في زمن قياسي فتطورت الصحة واصبحت الاوبئه الفتاكة نادرة وطورت المواصلات والتعليم والزراعة واصبح العراقي لدية اكتفاء ذاتي ويصدر الفائض .. ويبحث عن الرفاهية ويتطبب ويلبس نعال ويتعلم ويعمل، بريطانيا العظمى استطاعت ان تكافح الجهل والفقر والظلم ولكنها لم تستطع مكافحة من سبب الجهل والفقر والظلم وكانت اولى بدايات الصراع بين الحضارة وموروث التخلف والهمجية والظلم عندما اصطف زعماء القبائل ورجال الدين مع الاستعمار العثماني الجائرالمتخلف الظالم ضد المحرر البريطاني الذي نقل لنا الحضارة بحجة المعتقد الديني والجهاد والحفاظ على بيضة الاسلام التي لم تفقس لنا سوى عتاريس تاكل شعوبها .
ليس مستغرباً موقف رجل الدين ورجل العشيرة من البريطانيين ولكن المستغرب موقف العامة ذلك الموقف الذي لازم الناس لقرون واصبح سلوكاً مضطرباً ومزدوجاً ويدل على انفصام بالشخصية العراقية، والا كيف يرتضى ان ينساق لفتوى الجهاد ضد البريطانيين ويصطف مع العثمانيين وكيف يرتضي ان يقاتل ويقتل من اجل نفوذ وقوة الاقطاع الظالم الذي يستنفذ كل جهدة وطاقته، هذة الازمة اصبحت مستديمة وشائعة في المجتمع واخذ علماء الاجتماع والنفس بتحليلها دون وضع الحلول لها وهذا ما فشلت به بريطانيا في الكثير من الدول ومنها مصر و العراق بينما نجحت في دول ليس فيها تلك الازمة الثقافية والاخلاقية، العراقيين وبعد ان يصبح الحاضر ماضي يستذكرون ذلك بشغف وحسرة حتى اصبح سلووك الحنين للماضي ملازم للشخص العراقي ،العراقين يترحمون على مسزز بيل ويعدونها طاهرة واشرف من كل سلاطين بني عثمان كما الجنرال مود طيب الله ثراه الذي لم يقتل اسيراً ولم يسبي حرة ولم يستعبد غلاماً وعندما يقارن العراقين مود بخالد بن الوليد(عتريس قريش فاتح العراق) والذي ذبح ٧٥ الف عراقي اسير او بالخليفة المتوكل (عتريس العباسين) او سليمان او مراد العثمانيين او اي من همج التاريخ فيجر العراقي حسرة تلو الاخرى، هذا التاريخ وغيرة هو سبب الازدواج وسبب الخنوع وسبب صناعة الظلم . العراق ماركة مسجلة في صناعة العتاريس، العتاريس المعاصرين من جاء بقطار امريكي او على دبابة هم اقل حياء من كل عتاريس التاريخ، فصدام يشتم امريكا ويهدد اساطيلها ويضرب اسرائيل بصواريخ الحجارة الغبية وينسى انه صناعة امريكية، وما يميز عتاريسنا انهم يتمردون على الداعم الرئيسي لهم ويرجع ذلك ليس لتأنيب الضمير وانما لذات الازمة في السلوك التي لايختلف فيها اي عراقي بمزاجه الذي يتغير حسب المناخ، صدام ومن قبله كما كل الزعماء الذين جاؤوا بمظلة الانقلابات العسكرية هم عتاريس امريكية اختارت الدكتاتورية عنوان ووفق خطوط لايجتازها اي عتريس، ولكن عتاريس الشرق كما عبد الناصر وصدام توهمت بالعواطف والشعارات فرسمت لنفسها ما تستحق من هزيمة نكراء ولتستبدل امريكا عتاريس العسكر بعتاريس اسلامية كما الدجاج الاسلامي والبيرة الاسلامية تحت ظل الديمقراطية، عتريس القطار غادر السلطة من جحر فار لياتي عتريس الدبابة ويذهب لذات الجحر وينتظر ذات النتيجة لانه اتخذ من موت امريكا وزوال اسرائيل كذبة المجد الزئبقي ولينتهي عتريس ونستخلف عتريس ويبقى الوجع والفقر والظلم والفساد ونعود لنتمنى لو ان بربارة حكمت العراق بدلاً من غلطة بوش ببريمر ومجلس الحكم ولو ان مسزز بيل حكمت العراق بدلاً من فيصل الاول وابو التمن .العراقيين تواقين لتحقيق مقولة افضلية الكافر العادل على المسلم الجائر والى اليوم لم تتحقق امنيتهم التاريخية . العراقيين كلما يقارنون أهلية الحاكم وأهلية العادل ومن هو المصلح ومن هو الفاسد ومن هو المحتل ومن هو المحرر يرجعون لذات الازدواجية ويصبحون امام صور من فجر المساجد ومن نحر العراقيين ومن صكهم ومن خطفهم ومن سلب اموالهم ومن استفز الدولة وفرض الاتاوات وروع الناس وابتز الحكومات وقتلنا وقتل انفسنا واضاع هيبة الدولة بنزق الهمج الرعاع الذين يتوارثون الجهل ويصبحون عمود كل عتريس في العراق. العراقيون يطالبون بالديمقراطية والحريات وعندما تهيأت لهم . يخرج لهم عتريس صغير اسمه جلال الدين يقول لهم انتم غير مؤهلين ان تختاروا من يمثلكم وانا من يختار لكم والا تبوئتم موقعكم من النار .. للان وبعد ١٧ سنة هنالك من يقولون نحن غير مؤهلين ان نختار وعتريسنا الروحي هو من يختار فهو الارجح عقلاً وعلماً وان كان لايفقة ما يقول ويعيش ذات الازمة في الازدواج والمزاج بل انه يرقص كما الزئبق على الجراحات ويعطرها باسم الله والاصلاح كما بقية العتاريس التي تسرق وتفسد وتقتل باسماء لازالت رائجة بصناعة دينية وقبلية وان كانت عتاريس القبيلة اهون من عتاريس الدين وعتاريس الغربية اهون من عتاريس الشمال والجنوب الذين صنعوا الشيوعية بظلمهم في كل قرية عراقية ، عتاريس القبيلة لاتحتاج مغفرة وتوبة فهم يرثون السلطة رغم انف الدكتاتورية والديمقراطية كما عائلة برزان ستان وطلبان ستان و البو ستان وال ستان في كل العراق وبسبب موروث التخلف والفقر والحاجة للمغفرة يبقى العوام اسرى زعيم القبيلة ورجل الدين عبر الزمن وسهل ان نودع عتريس علماني وليبرالي وملحد لاننا نريد وطن، ولكن صعب ان نودع عتريس اسلامي او قبلي لانه يريد الله والوطن والا يعجل بنا للمجهول، عتريس سيبقى موروث وستبقى صناعته ارث، وزواله بزوال سطوة شيخ الدين والقبيلة ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب