تعد روح الثورة والحماسة من السمات المميزة لدى طلبة العلوم الدينية, (الحوزة العلمية) في النجف الاشرف، لاسيما الشخصيات الوطنية التي رافقت تقلبات الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق والمنطقة، طيلة عقود قرن العشرين، حيث شهد العراق تغييراً كبيراً بعد الحرب العالمية الأولى, نتيجة تأثيره ببوادر الأفكار الجديدة التي تغلغلت في المجتمع.
تلك الداعية للانفصالية والتقسيم على أسس التكوينات القومية والعرقية والطائفية، التي نجحت بتقسيم أوربا في القرون الوسطى على أساس الأقوام التي تعيش فيها؛ (الجرمان والفرنسة والروس والإنكليز وغيرهم), وبعد النجاحات التي حققتها هذه النعرة، انعكست على المتأثرين فيها, خاصة الطلبة العرب الذين كانوا يدرسون هناك، أمثال ساطع الحصري وشبلي شميل, الذين نقلوها إلى المجتمع العربي, لإيجاد اتجاهات مشابه موالية لها.
ما ولد تغيرات جديدة طرأت على الأوضاع السياسية والاجتماعية؛ مثل الدعوة إلى الانحلال الخلقي، والتحلل الاجتماعي, وانتشار ظاهرة السفور بين الفتيات, وظهور الحركات والاتجاهات الداعية لبناء مجتمع سياسي, يحمل أيديولوجيات قومية وطائفية وأثينية، أوجد بالضد منها تيار معارض متأثر بالوعي الديني داخل الحوزة العلمية، فكان هناك رفض لتلك الأفكار الموالية للغرب، التي تحاول تطبيق شعاراتها على الساحة العربية والعراقية خاصة.
جوبهت بفتاوى علماء الدين، فكان لرفضهم تشكيل المجلس التأسيسي, وقبول الانتداب أول البراهين، التي تؤكد عدم قبول الشعوب الإسلامية للأفكار الجديدة, ونتيجة لذلك, وكون زمام السلطة بيد حكام يعملون لصالح تطبيق النهج الطائفي، سعى أولئك إلى تطبيق منهج معادي ضد التيار الديني، كان منها نفي علماء الدين ومراجع التقليد في النجف وكربلاء والكاظمية, في محاولة استفزازية لكسر شوكة التيار المعارض.
كما فعلها الغربيين عندما جعلوا التيار الديني (الكنيسة), مجرد إدارة يعين موظفيها بقرار حكومي، ونتيجة لهذا الأجراء استمر حالة عدم تدخل رجال الدين في السياسة العراقية لأكثر من 20 عام, ألا أن الحالة الثورية لم تغب عن أفكار وتطلعات رجال الدين العاملين، فشهدت الساحة السياسية في العراق مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي, تحول كبيراً في مجريات الإحداث لاسيما السياسية.
أصبحت المرجعية الدينية صاحبة القول الفصل في مجمل الإحداث، وصاحبة الثقل الأكبر في موازين القوى، إلا إن مرجعية الإمام محسن الحكيم، باتت أكثر اتساع وانتشار بين أبناء المجتمع العراقي والإسلامي, لاسيما بعد تصديه للأفكار التي تحاول بناء مجتمع على أساس ما تتبناه التيارات, التي استوردت أفكارها من الخارج، أمثال الأحزاب الذي تبنى الأفكار الماركسية الداعية لتجريد الفكر من الروح الدينية.
في هذه الأجواء والتقلبات برزت نخبة سياسية تحمل أفكار إسلامية؛ كان بطليعتهم السيد محمد باقر الحكيم, الذي عاصر عدة عهود حاكمة ابتداءً بالنظام الملكي, والتحول الحكم إلى جمهوري بصيغته الأولى, والجمهوري الثاني بصيغة البعث الأولى, ثم الصيغة الثانية لنظام البعث, والذي كان شهيد المحراب أهم القيادات التي أطاحت بذلك النظام.