23 ديسمبر، 2024 1:14 ص

لا أعرف السيد نعيم عبعوب شخصيا، وليس لي أي إعتراض على وسامته أو وعيه أو شخصيته أو تصريحاته، رغم عدم إتزانها، لكنني أعترض، مثل أهالي بغداد جميعا، على إدارته للمدينة فاتنة الجمال والتي تحولت الى ثكلى تطغي على ملامحها بقايا الأتربة والأنقاض والنفايات ومتخمة بتماثيل البلاستك القميئة بعد أن كانت تزينها نصب الآجر والمرمر والبرونز.

إدارة السيد عبعوب تتلخص في تسويق حفنة من الأوهام عبر بعض وسائل الاعلام عن كون بغداد أجمل من دبي ونييورك “الزرق ورق”، وعن كفاءته كعمدة للمدينة مقارنة بمعظم مدن العالم. وأجزم ان هذه الحفنة من الاوهام تعتاش على الصراعات السياسية داخل البيت الشيعي الذي تنّقل الرجل عبر غرفه كثيرا، ووفقا لقوة هذا الحزب أو ذاك، وطالما أنه لا يبخل باحالة المشاريع “الوهمية” على بعض المتنفذين من تلك الاحزاب، فانه لا يلتفت الى الاحتجاجات الشعبية ولا الى حركة الاصلاح في حكومة العبادي، ولم يتوان عن الحديث مع منتقديه بلغة “النعال”.

إستوقفني قبل أيام مقترح للزميل أنور الحمداني طرحه بحماسته المعهودة وعلى عجل في برنامجه ستوديو التاسعة، يقضي بان يكون عمدة بغداد عراقي مسيحي. وإذ يعطي الاقتراح بعض الحق للاخوة المسيحيين في المناصب التي تقاسمها أمراء الطوائف الذين أسبغ عليهم السيد بول بريمر بركاته، ويبعث برسالة إطمئنان الى أخوتنا المسيحيين مفادها أنهم شركاء حقيقيين في الوطن وليسوا مجرد لون باهت من الوان الطيف العراقي، وقد يوقف هذا الاجراء نزيف الهجرة الذي يكاد أن يفرغ العراق من مسيحييه وهم ملح تاريخه وحاضره ومستقبله، كما ان عمدة بغداد المسيحي سيكون في حل من ضغط الاحزاب من مختلف الكتل والاتجاهات ويجعله أمام مسؤولية كبيرة تجاه العراق وتجاه بغداد وتجاه أبناء جلدته الذين يبحثون عن فرصة حقيقية للمشاركة في بناء عراق جديد، وهو حق طبيعي وليس منّة من أحد، وعلينا ان نتذكر ان البلدان والمدن تبنى بالكفاءات وليس باحتكار المناصب بهدف النهب المنظم، فهولندا لم تتوقف عند أصل أحمد ابو طالب المغربي حين أصبح عمدة لمدينة روتردام، والنمسا لم تتوقف عند أصل عمر الراوي العراقي الأصل حين أصبح عضوا في بلدية مدينة فيينا، وكذلك المانيا لم تمنع ترشيح مواطنها رائد صالح الفلسطيني الاصل لمنصب عمدة برلين.

وقد لا يعلم السيد عبعوب الذي قذفت به غفلة التاريخ وأخطاء السيد المالكي الكارثية الى موقع أمانة بغداد ان منصبه يمثل أكثر الطرق تمهيدا نحو القصور الرئاسية أو الحكومية كونه على تماس يومي مع الناس، وكون إنجازاته محسوسة أكثر من إنجازات أي منصب آخر، وان إخفاقاته ملحوظة هي الأخرى أكثر من إخفاقات أي منصب آخر. فالرئيس الاندونوسي جوكو ويدودو جاء الى الرئاسة على متن إنجازاته حين كان عمدة لمدينة صولو. “جوكوي” كما يسميه الاندنوسيون تحببا كان يتجول بمفرده في أحياء جاكارتا الفقيرة ليقف على أحوال الناس ومستوى الخدمات المقدمة لهم، وحين أصبح رئيسا رفض استخدام الطائرة الرئاسية حين سافر الى سنغافورة في زيارة عائلية وحجز على الدرجة الاقتصادية الرخيصة هو وزوجته على إحدى طائرات الخطوط الجوية الاندنوسية. وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك الذي كان عمدة لباريس، وللرئيس الفرنسي أيضا نيكولاي ساركوزي الذي جاء الى قصر الأليزيه عن طريق مدينة نيي سيرسين الذي كان عمدة لها، ورئيس الحكومة الفرنسية الحالي مانويل فالس الذي كان عمدة لمدينة افري. وينسحب الأمر ذاته على الدول العظمى أيضا، فقد كان الرئيس الامريكي الاسبق جروفر كليفلاند عمدة لمدينة بوفالو في حين كان الرئيس الروسي بوريس يلتسن أو بلدوزر الكرملين كما يطلق عليه الروس عمدة لمدينة موسكو. أما أكثر التجارب حيوية بالنسبة إلينا فهما تجربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصل الى سدة الحكم في تركيا على صهوة إنجازاته الكبيرة حين كان عمدة لمدينة اسطنبول، وتجربة الرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد الذي إجتاز السباق الرئاسي بامتياز معتمدا على انجازاته الباهرة التي حققها حين كان عمدة لمدينة طهران.

فهل سيجعل السيد عبعوب من مدينة بغداد مدينة “زرق ورق” ليجعل الناس تطالب بتسنمه مقاليد السلطة في العراق ليجعل منه هو الآخر بلدا “زرق ورق” أم سيمتطي حفنة أوهامه وينزوي، بعد تزايد المطالبات الشعبية باقالته، في بار مقفل مظلم ويغني كما فعل عبود العربنجي في التمثيلية التلفزيونية الشهيرة “عبود يغني”.