قيل سابقا “تمخض الجبل فولد فأراً”، بعد تفاؤل شعبي بحكومة تكنوقراط تنهي المحاصصة وتدق المسمار الاخير بنعش “الفساد السياسي” وخلال جلسة استمرت حتى بعد منتصف الليل، خرج علينا مجلس النواب بحكومة “عرجاء” تضم 14 وزيرا من اصل 22، غالبيتهم لا يحملون مؤهلات المناصب التي حصلوا عليها، سوى درجة القرابة من قادة الكتل السياسية، ليثبت السيد عبد المهدي ان حكومة التكنوقراط والمستقلين التي “صدع رؤوسنا” بها كانت مجرد كذبة لكسب التعاطف وخداع “عُبَّاد الله”.
صحيح ان تحالف الاصلاح لعب دورا كبيرا، وتمكن من “افساد” ليلة فالح الفياض حينما انسحب من الجلسة ليعلن “كسر النصاب” ومنعه من الحصول على منصب وزير الداخلية، لكنه سمح بتمرير شخصية أخرجت من بوابة رئاسة الجمهورية لتعود من شباك وزارة المالية ومنصب نائب رئيس الوزراء، ليكون فؤاد حسين مدير مكتب السيد مسعود البارزاني حاملا لمفاتيح خزائن حكومة عبد المهدي، لا اعلم كيف وثقت القوى السياسية وعلى رأسها تيار الاصلاح والإعمار صاحب “المشروع الاصلاحي” بشخص انفصالي لتأمنه على “بيت المال” رغم جهره ليل نهار بان “حدود العراق غير مقدسة”، في حين كان على النواب الذين رفعوا أيديهم بتأييد فؤاد حسين ان يتذكروا “مصيبتنا” بهوشيار زيباري، قبل التصفيق لخليفته.
مشكلة الكابينة الوزارية “النص ردن” ليست الوحيدة التي سجلت على عبد المهدي، لكنها كانت واحدة من المخالفات التي ارتكبت خلال جلسة منح الثقة، ومنها تراجعه عن تعهد الغاء منصب نواب رئيس الوزراء بعد دقائق على إعلانه ضمن البرنامج الحكومي، وتقديم مرشحين للمناصب الوزارية من دون عرض ملفاتهم على هيئة المساءلة والعدالة وهيئة النزاهة، وهو بذلك يضع نفسه وكابينته امام حرج كبير في حال ظهور قضايا تدين الوزراء الجدد خلال الايام المقبلة، والدليل على ذلك ان هيئة المساءلة والعدالة اعلنت قبل اقل من ساعتين على عقد جلسة منح الثقة، عدم تسلمها اي طلب لتدقيق اسماء المرشحين للمناصب الوزارية ضمن كابينة عبد المهدي.
لكن خطاب رئيس الوزراء الجديد ذكرنا باول كلمات السيد العبادي حينما ابلغنا في العام 2014، من على منصة البرلمان بانه “سيطارد الفاسدين وسيضرب بيد من حديد وسيعمل على نزع السلاح ولن يرتكب اخطاء الحكومات السابقة”، عبد المهدي كرر السيناريو ذاته وبنفس المكان، ليخبرنا بان “نزع السلاح ورفض التدخلات الخارجية ومحاربة سراق المال العام” ستكون من أولويات برنامجه الحكومي، ولَم ينسى ايضا ان يذكرنا “بالدولة العميقة” التي ستهدد المنجزات وتعرقل عمل حكومته، وكانه وضع تبريرات الفشل في المقدمة، صحيح ان عملية الانتقال السلمي للسلطة التي شهدنها في مبنى مجلس الوزراء تحسب نقطة إيجابية في مسيرة العملية السياسية “المتخمة” بالإخفاقات منذ 15 عاما، لكنها لا تحقق التغيير في النهج السياسي الذي اعاد مرة اخرى المحاصصة الحزبية وصفقات الغرف الجانبية.
الخلاصة… ان التفكير بحكومة “ملائكية” وسط شياطين السياسة امر لا يمكن التسليم به، لكن ممارسة “الحيل والتضليل” من اجل إقناع المواطنين بان التغيير سيكون بطريقة النافذة الالكترونية، التي غابت عن تشكيلة الحكومة، لا يمكن تفسيره سوى استمرار كوميديا العملية السياسية بوجود جديدة، ستعيد سيناريو حكومات “تقسيم المناصب”… اخيرا السؤال الذي لابد منه… هل مازالت الاستقالة في جيب “جاكيت” عبد المهدي ام اقتنع بحكومة النص ردن؟.