إذا سطعت شمس الحقيقة، لا تتحمل أوارها سوى الجلود السميكة، وما دون ذلك يحترق أسرع من كدس أكوام القش اليابس!
المياه أحدى تلك الحقائق التي ستحرج عبد المهدي في أول أختبار جدي. فالرجل صاحب مشروع “القناة البحرية”، عندما كان العراق يعاني جفاف خطير أو حرب مياه مفتعلة. رئيس الوزراء الحالي، كان يكتب عن طريقة تدفع الخطر، عبر شق قناة بحرية تصل الى النجف ابتداءً من البصرة، وبذلك تتحول الصحراء الى مساحات خضراء، ويبدو أنها لن تصير خضراء سوى على صفحات جريدة “العدالة” الغرّاء! فها هو الماء جاء إلى الأرض من مصادر مختلفة احدها السماء، وثانيها الجبال والمناطق المرتفعة وثالثها الأنهر. تختلف عن مياه البحر كثيراً، فالبحر يجلب معه الأملاح ليضاعف من تلوث التربية المتملحة اصلاً، بينما ما نواجهه اليوم يغسل التربة من الملوثات بما فيها الأملاح. وكأن الإرادة الإلهية وضعت عبد المهدي على المحك، فهو صاحب تلك النظرية، وهو الذي يطرح نفسه رجل دولة يتعامل مع الواقع بواقعية وبعيداً عن الجمود وقوالبه غير المتحركة. فاليوم، هو رجل التنفيذ الأول، وهو الممكّن والمفوّض من قبل الجميع، وفترته تشهد هدوءاً نسبياً. ولا اعذار يمكن الركون اليها في حال التقاعس او الإخفاق، ولغاية اللحظة لا يبدو رئيس الحكومة متفاعلاً بذات الطريقة التي يكتب بها، فالمياه دخلت شرق العراق وشماله، والمعطيات تظهر أنها ستخرج من جنوبه صوب البحر، ومن الأعلى بواسطة التبخر الذي يصل لمعدلات مرتفعة في الصيف. فلا “اقتناص” لمياه الأمطار، ولا استثمار لما يدخل البلاد من مياه البلدان الأخرى. فالمدن المحاذية لدجلة والأهوار الشرقية، معرّضة لخطر الفيضانات وتلف المحاصيل الزراعية قبيل مواسم الحصاد، بينما ما زالت أهوار (الچبايش) والحمّار قادرة على استيعاب كميات هائلة من المياه، أي أنها تعاني الجفاف، بمعنى أنّ سوء إدارة هي المصيبة الكبرى… ولا قيمة تذكر لتنظيرات الدكتور عادل عبد المهدي، طالما توفرت لها بيئة مؤاتية ولم تحقق؛ فإما أنّها غير رصينة وفاقدة للموضوعية العلمية، أو أنّه لا يمتلك الرؤية السليمة للتنفيذ، والحال مطابق بالنسبة لآرائه في باقي المجالات.
ثمة أمور يجب التذكير بها في ختام هذه السطور: أولها؛ صمت الحكومة المطبق على نكبة ميسان ووقوفها مكتوفة الايدي، يعكس عجزها عن مواجهة الحقائق وانزواءها خلف أسوار المكاتب والأوراق. وثانيها؛ لن يعذر التاريخ عبد المهدي، فجميع الظروف مهيأة للنجاح!