23 ديسمبر، 2024 11:04 ص

عبد الله حبه والادب الروسي

عبد الله حبه والادب الروسي

عبد الله حبه – اسم معروف في دنيا الادب الروسي و مسيرته في عالمنا العربي , اذ ترتبط بهذا الاسم ترجمات نصوص ادبية روسية متميزة من اللغة الروسية الى العربية اولا , وترتبط باسمه ثانيا دراسات نقدية وتحليلية كثيرة ايضا حول الادباء الروس وسماتهم وخصائصهم من وجهة نظر باحث عربي يعرف بعمق  وقائع حياتهم واهمية نتاجاتهم وقيمتها الفنية والابداعية , ويعرف بمهارة كيف يربط تلك النتاجات بالظواهر الاجتماعية والفكرية للحياة الروسية .
ولد عبد الله حبه في بغداد ودرس في معهد الفنون الجميلة / قسم التمثيل, وبعد تخرجه وحصوله عل الشهادة الجامعيةسافر الى موسكو عام 1960 لدراسة المسرح الروسي في معهد الفن المسرحي –  (غيتيس ) الشهير, بعد مساهماته الكثيرة والمتنوعة في عالم المسرح العراقي آنذاك والحركة الفنية العراقية بشكل عام , ومنذ ذلك الحين والى حد الان , اي لمدة اكثر من نصف قرن, بقي عبد الله حبه في موسكو, ورغم انه يعيش في موسكو ضعف سنوات عمره في العراق الا انه كان و لا يزال يحمل العراق في قلبه وعقله طوال هذه الفترة الطويلة من الزمن, مؤكدا صحة  المثل العربي المعروف – (ما الحب الا للحبيب الاول ), وينعكس هذا الحب – قبل كل شئ –في اغناء المكتبة العربية بالمصادر الجديدة حول الادب الروسي في مجال الترجمة من الروسية الى العربية و كذلك في مجال الدراسات العميقة والموضوعية حول هذا الادب , ويؤسفني عدم امتلاكي لقائمة الكتب التي ترجمها عبد الله حبه عن الروسية والتي اخبرني هو نفسه مرةانها تقارب الاربعين, وكم اتمنى ان يضعها ويرتبها هو نفسه وعلى وفق تسلسلها الزمني تسهيلا للباحثين اولا , الذين يتابعون و يدرسون موضوعة الادب الروسي في العراق خصوصا والعالم العربي عموما, وتسجيلا لجهوده الكبيرة في هذا المجال الفكري المهم ثانيا , وبودي هنا ان اتحدث و اتوقف قليلا عند كتابين معروفين ومهمين ليس الا , اذ لا يمكن ان اتناول في اطار هذه المقالة الوجيزة اكثر من ذلك , والكتاب الاول هو– مجموعة اقاصيص لبونين, والثاني – مسرحيات مختارة لاستروفسكي, وكلاهما صدرا في الاتحاد السوفيتي عن دار نشر – رادوغا(قوس قزح) السوفيتية. صدر كتاب (الدروب الظليلة ) عام 1987      , وهو عمل ترجمي رائد لكاتب لا يعرفه القارئ العربي جيدا ولا يفقه اهميته الكبيرة في تاريخ الادب الروسي والعالمي وهو – ايفان بونين ( 1870 – 1953 ), اول اديب روسي حاز على جائزة نوبل للاداب عام 1933 , والذي يعد آخر العنقود في قائمة الادباء الروس الكبار منذ بداية القرن التاسع عشر, وربما يعود سبب عدم معرفة القراء العرب له بعمق هو الموقف الرسمي السوفيتي تجاهه, اذ ان بونين  لم يتقبل ثورة اكتوبر 1917 وهاجر من روسيا السوفيتية احتجاجا وبالتالي كانت نتاجاته الابداعية شبه ممنوعة في الاتحاد السوفيتي, ومن المؤكد ان لجنة جائزة نوبل اخذت ذلك بنظر الاعتبار عندما منحته الجائزة, ومن المؤكد ايضا ان هذا الموقف قد انعكس– بشكل او بآخر – في عدم تقديمه للقراء العرب , على الرغم من ان بونين استمر بعد الهجرة بالكتابة الابداعية بنفس اسلوبه الرقراق والجميل , والدليل واضح في كتابه الذي قدمه لنا عبد الله حبه وحاول ان يحافظ على اسلوب بونين هذا , واذكر انه قال لي مرة بانه بدأ بقراءة الادب الوجداني العربي  ابتداءا من البحتري قبل ان يترجم هذه القصص, ويجب الاشارة فعلا  الى نجاحه في ترجمة روحية النص الروسي الى العربية , ويمكن القول انه حتى عنوان القصص تلك خضع لهذا الاجتهاد , فالترجمة الحرفية لعنوان الكتاب هي– الدروب المعتمة, ولكن عبد الله حبه حولها الى – الدروب الظليلة, وما اجمل هذا العنوان وما اروع هذا الاجتهاد!!
الكتاب الثاني الذي نود التوقف عنده قليلا هو – (أستروفسكي – مسرحيات مختارة ) الصادر عام 1989 ويتضمن مجموعة من مسرحيات لم يسبق للقارئ العربي ان اطلع عليها مترجمة عن الروسية , وقد سبق لنا ان تحدثنا قليلا عن ذلك في مقالتنا بعنوان – ( أستروفسكي – شكسبير روسيا ) المنشورة في عد ة صحف ومواقع , واشرنا فيها الى ان طالب الماجستير آنذاك ميثاق محمد(والدكتور التدريسي حاليا في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد) قد انجز اول اطروحة ماجستير في العراق حول مسرح استروفسكي بترجمة عبد الله حبه وكانت باقتراحي و باشرافي العلمي. ومن الواضح ان عبد الله حبه قد اختار هذا الكتاب بالذات لترجمته لانه يرتبط بشكل مباشر باختصاصه وهو المسرح, ويجب الاشارة حتما الى ان هذين الكتابين قد اعيد طبعهما مرة اخرى  في العالم العربي لاهميتهما اولا ولاقبال القراء العرب عليهما ثانيا. وختاما لهذه المقالة الوجيزة عن عبد الله حبه والادب الروسي يجب حتما التوقف عند سلسلة مقالاته حول الادباء الروس,والتي نشرها في الفترة الاخيرة , ومنها مقالة  واسعة عن تولستويحاول فيها ان يرسم صورة متكاملة لخصائص هذا الاديب الروسي العملاق, وهي محاولة شجاعة ولكنها لا يمكن بالطبع ان تكون شاملة كما ارادها عبد الله حبه لهذا الكاتب الذي تقع مؤلفاته الكاملة في تسعين جزءا , وهناك مقالة  رائعة عن غوركي كتبها تحت عنوان –  ( مأساة غوركي .. ايقونة البروليتاريا ) , وانا معجب جدا بعنوانها المبتكر والاصيل فعلا, والذي استطاع فيه ان يلخص ويجسد بشكل فني وصحيح وجميل اهمية غوركي وقيمته الابداعية, فالايقونة هي رمز الارثذوكسية المسيحية التي يعتنقها الروس وهي جزء من حياتهم اليومية , وتوحيدها مع مفردة البروليتاريا في عنوان مقالة عبد الله حبه عن غوركي جاء موفقا جدا للتعبير عن مكانة هذا الكاتب في تاريخ روسيا الادبي والفكري . و نريد الاشارة والاشادة ايضا بمقالتين في غاية الاهمية من وجهة نظرنا وهما –  ( بلاتونوف – كافكا الروسي ومحنة الانتلجينتسيا الثورية الروسية ) و ( لغز بولغاكوف..صراع خفي بين الاديب والسلطان ), وتكمن اهمية المقالتين في كونهما يتناولان موضوعين جديدين بكل معنى الكلمة للقارئ العربي , ويتحدثان عن اسمين كبيرين ومتميزين في عالم الادب الروسي الحديث والمعاصر, ظهرا في القرن العشرين وأثارا ضجة هائلة في مسيرة الادب الروسي الحديث, ولكن القارئ العربي كان بمعزل عن ذلك مع الاسف الشديد , رغم ان رواية بولغاكوف الشهيرة – ( المعلم ومرغريتا ) قد تم ترجمتها من قبل يوسف حلاق وبمراجعة عبد الله حبه وصدرت عن دار نشر ( رادوغا ) في موسكو عام 1990 , وتعد من اواخر اصدارات تلك الدار. لقد وضع عبد الله حبه في مقالتيه المذكورتين عن بلاتونوف وبولغاكوف النقاط على الحروف كما يقولون , واصبحت المقالتان مصدرا مهما جدا لدارسي الادب الروسي ومتابعيه في العالم العربي بلا أدنى شك.
والخلاصة – ان موضوعة عبد الله حبه والادب الروسي تنتظر فارسها العراقي او العربي .