لم تك اصبوحة توقيع كتاب حارات الزمان للباحث والكاتب عبد الله اللامي بالتقليدية ولم تلبس لبوس النمطية الكلاسيكية وهذا التفرد ليس تقييم نقدي بقدر ما هو قراءة في السباق المؤلم الذي فضح تفاوت الوعي بين اجيال الثقافة والسياسة العراقية ، فالحفل ضم رفاق اللامي وتلاميذه والذي بتقديري كانوا جيلين او اكثر بقليل فهم وحدهم عاشوا تلك السعادة التي تنثرها المعرفة وهم وحدهم من سرب كما هائلا من النقد الحزين الذي لف قاعة نادي العلوية بل لف العراق باجمعه على حال الشباب الذي لم ينخرط حتى اللحظة بركب الوعي ،ليصبحوا مجرد ارقام تتخذهم العقول الجمعية كوسائل قطيعية عدا من قفز منهم وخرج عنهم ، ومن لم يرى كل هذا الحزن الذي شربنا اياه اللامي فنحن قد لمسناه ورأيناه ، اللامي وكعادته ترقرقت عيناه بالدمع فرحا ساعة وحزنا ساعة اخرى تحدث كمن ملك خيوط التاريخ الوردي المليء بالمواقف الوطنية والقراءات الواقعية المنطلقة من فهم وادراك كبيرين بما كان خلف سواتر العتمة ، حارات الزمان توثيق مهم واعادة بلورة لخط واعي حاول ان يربك من اعاد تعريف المبدئية ، فاللامي اعاد نشر مقالاته التي طرزت صحيفة الزمان بارتباط وخط واحد تطورت فيه المواقف ولم تتبدل ، وما كان قبلها من بصمات عراقية بنظري هي تبلور لهذه الرؤى الثابتة في قراءة المواقف والشخوص .
نحن اليوم نعيش عصر الانفصال عن الامتداد والعمق التاريخي بل ويجتهد البعض في قطع الجذور المعرفية لأي ايقونة عراقية ،الا ان القامات العراقية الحقة هم وحدهم من تصدوا واجتهدوا لاعادة توصيل وربط الماضي بالحاضر وتبيان كل مساحات الضوء الفعلية وفضح العتمة وايادي من يعمل على ديمومتها ، فالعراق وان تنوعت رؤى ابنائه الا انهم لوحة فنية حاول اللامي وعمل من خلال مقالاته التي وزعها بحيادية فطرية على توصيل غاياته الانسانية والوطنية والمهنية كأي كاتب وطني يعيش هموم بلده ، فهو جمع مختلف العناوين الوطنية وعكس رؤاها واوصل حكمتهما ونواياها لكل من غيبته العنصرية وعطلت حياديته .
حارات الزمان لها وجه اخر مبتسم كوجه اللامي ، وجه ادبي رفيع اعطى للكلمة حقها فكان بحق كما وصفه القانوني طارق حرب بأنه احد العبادلة الست بعد ان زاد الخمسة واحدا وهو اللامي ، وقبل الخروج من جو الاصبوحة اترككم معه وهو يعبد للقاريء طريق الحارات حيث يفتتح كتابه ويقول : لقد شغلتني الكتابة سنوات العمر وانا اجمع المحار ..آه فارغ المحار من شواطئ العروض ..ينبت في طين حياتي شجر الغموض وما اقتطفته من شجرة اعوامي هذا بعض جناه وانا الان استريح تحت الشجرة التي غرستها في حديقة العمر الجميل واوراقها التي تتساقط او تتناثرمع كل هبة ريح تبعث في نفسي ارتياحاً لايعدله شيء فالكتابة جزيرة نائيه تطلعت اليها منذ ان بدأ غصن العمر بالتفتح والاخضلال ولم انتظر او اتلبث طويلاً فقد كانت تستحثني حكمة هندية هي ( الحياة قطار يستحث الناس بصفيره) وتراءت لي خطواتي وانا ادفعها نحو تلك المحطة قبل ان يفوتني القطار وذلك يعني انه ليس هناك قطار اخر في قابل الايام يأتي ليحملني وحدي وربما معي من فاتهم القطار مثلي الى تلك الجزيرة النائية “.