7 أبريل، 2024 3:44 م
Search
Close this search box.

عبد اللطيف

Facebook
Twitter
LinkedIn

عبد اللطيف يسكن محلتنا وهو شخص محبوب من قبل الجميع. يبلغ من العمر 51 عام وله من الاطفال 3 بنات. يعمل سائقاً لسيارة أجرة (تكسي). يحبه الناس لجديته بالعمل وإلتزامه بالمواعيد وعمله الدؤوب ليل نهار ليؤمن قوت بناته ويلبي إحتياجات بيته.
يسكن في الطابق العلوي لبيت والده، وفي أية ساعة تتصل به تجده أمام الباب بسيارته. في حالة مرض أحدهم أو الحاجة لسيارة أجرة بإمكانك الاتصال به في أية ساعة متأخرة من ساعات الليل. ذات مرة اتصل به أبو محمود الساعة الثالثة صباحاً ولم يتوانى عن الحضور لنقل زوجته الحامل إلى المستشفى.
تكريماً لخدماته ومساعدة له ورأفة ببناته فإن أهل المنطقة دائماً ما يدفعون له أكثر مما يطلب. فإذا طلب 3 الاف يدفعون له 5 الاف، وإذا طلب 5 الاف يدفعون له 7 الاف وهكذا. أنا كثيراً ما استعين به واتصل به لنقلي من مكان إلى آخر. حيث سيارتي القديمة الكثيرة العوارض وعدم تمكني من تصليحها أو الاستغناء عنها وهي تجبرني دائماً على اللجوء إلى تأجير وصعود سيارة تكسي. ومن لي في هذه المواقف غير عبد اللطيف الذي يسارع لنجدتي في الحال أينما تعطلت سيارتي. أنا أيضاً أحرص على أن أدفع له أكثر من حقه فهو شخص محتاج وله ثلاثة بنات يدرسن في المدارس ومصرفهن ثقيل جداً على عبد اللطيف. الجميع يستغل خدمات عبد اللطيف ليدفع له المال ومساعدته بهذه الحجة.
أمس شاهدت عبد اللطيف في دائرة التسجيل العقاري، حيث كنت هناك لترجمة وثيقة طابو بالعثمانية. عبد اللطيف يحمل بيده ملفاً ويتنقل بين الشبابيك. سلمت عليه وكنت على عجالة من أمري ولم أستطع الوقوف معه أكثر. دخلت غرفة الوثائق وانشغلت بالترجمة قرابة الساعة وخرجت لأشاهد عبد اللطيف من جديد. سألته هذه المرة عن سبب تواجده في هذه الدائرة ليخبرني بأنه يكمل معاملة البيت الركن الذي اشتراه حديثاً. البيت الركن هذا الذي يتحدث عنه عبد اللطيف ثمنه مئات الملايين وكيف له أن يشتري كل هذا وهو سائق تكسي ياترى؟!.
على أية حال طلبت منه أن يوصلني بسارته إلى البيت بعد أن أتممت الترجمة. قال لي تأمر عمي وخرجنا متوجهين إلى موقف السيارات لنستقل سيارة الأجرة الخاصة بعبد اللطيف. دخلت مرآب السيارات ولم أجد سيارة تكسي في الموقف.
– عبد اللطيف أين سيارتك؟
– عمي ما جبتها وجبت سيارتي الثانية.
وإذا به يشير لي إلى سيارة (كرايسلر) سوداء اللون والتي تعرف لدينا بـ (اوباما). صعدت بها وفي الطريق سألته:
– ما شاء الله عبد اللطيف سيارتك حلوة وما بيها صوت من تمشي. مو مثل سيارتي!
– عمي هاي 2020 وما ماشية اشتريها قبل شهرين أطلعها من أطلع العائلة للنزهة.
– ما شاء الله سعرها اشكد؟
– عمي سعرها دفترين ونص. (أي خمسة وعشرون ألف دولار أمريكي فقط لا غير).
المشهد كان عجيباً بالنسبة لي، لم أكن اتوقعه. عبد اللطيف الذي نشفق عليه، قبل قليل كان يتمم معاملة شراء بيت ركن شبه تجاري في منطقة راقية. والأن يأخذني بسيارته الحديثة أم الدفترين والنص إلى البيت، لابد أن في الأمر شيئا لا أفهمه أنا.
في الطريق ونحن نتبادل أطراف الحديث قلت له:
– إذا أمكن أنزلني هنا لأشتري باكيت جكاير من الاسواق القريبة واتمشى للبيت.
طيبة عبد اللطيف لا تسمح أن أنزل من سيارته وأذهب إلى البيت راجلاً. قال لي:
– عمي أني أخذك للأسواق وأنزل وياك نأخذ الجكاير ونروح للبيت.
أوقفني عبد اللطيف أمام محل كان قد أخرج من حديقة بيت. دخلنا المحل واذا بصاحب المحل يرحب بعبد اللطيف ترحيباً حاراً. أخذت الباكيب، وما أن أخرجت محفظتي حتى تدخل عبد اللطيف:
– ما يصير عمي والله ما تدفع.
حاولت مراراً وتكراراً ولكنه منعني من دفع ثمن السكائر. قبلت بالأمر وخرجنا إلى السيارة. قلت له:
– ليش كلفت نفسك عبد اللطيف مو أنت هم صاحب عائلة.
– عمي أنت ضيفنا شلون نأخذ منك فلوس.
– ضيفك اشلون قابل المحل مالك؟
– نعم عمي هذا البيت اشتريته قبل 5 سنوات وهذا المحل والبيت لي وهذا الشاب يشتغل عندي. شنسوي كلها لخاطر البنات حتى نأمن مستقبلهم.
استرسل عبد اللطيف في الحديث وأعرب عن تمنياته في أن يتمكن من شراء بيت والده والذي يبلغ 600 متر مربع. وقال:
– عمي بيت الأب ما يتعوض.
وصلنا إلى البيت أخرجت محفظتي من جديد لأدفع أجرة التوصيل بسيارة الاوباما 2020. ولكوني أجهل أسعار الصعود بهذه السيارات الفخمة اضطررت أن أساله:
– شكد احسابك عبد اللطيف؟
– خليها علينا عمي..
– لا شلون يصير انت هم على باب الله وصاحب بنات.
– انطيني خمس تالاف.
فكرت لبرهة من الزمن.. هل أدفع له 2-3 الف زيادة مثل كل مرة أم أكتفي بدفع 5 الاف فقط كما يطلب؟
قررت أن يكون الأمر وسطاً ودفعت له 6 الاف دينار فقط لا غير فهو صاحب عائلة وله ثلاث بنات. نزلت من السيارة وذهب عبد اللطيف بسيارته موديل 2020. وأنا أخرج المفاتيح لأفتح الباب وإذا بصاحب البيت الذي أسكنه يتصل:
– السلام عليكم.. شلونك استاذ؟ اليوم 3 بالشهر وبعدك ما جبت الايجار حبيت أذكرك.
الحقيقة ضحكت وبقيت ضحاكاً للغاية. لا أدري إن كنت أضحك على بلادتي وسذاجتي وأنا أدفع لعبد اللطيف هذه المبالغ طوال كل تلك الأعوام وهو يملك كل هذا؟ أم أضحك على حالي وأنا لا أتمكن من دفع الايجار؟! والمشكلة ان القارئ الكريم سيتصور في نهاية المطاف ان الحكاية من نسج خيالي.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب