الكثير من المعجبين والمتأثرين بالزعيم الراحل عبد الكريم قاسم يبررّون او يسوّغون اعجابهم بشخصيته بأنه كان نزيهاً , ودون ان يسمعوا او يعثروا على مَن شكّك بنزاهته اصلاً , لكنّ امثال اولئك السادة الفاضلين لم يتأمّلوا ” ولو للحظات ” أنّ الرؤساء او القادة الذين حكموا العراق قبل وبعد نظام قاسم كانوا نزيهين جميعاً . ثُمّ أنّ العهد الجمهوري فتح الباب ” ومهّد الطريق ” ليغدوا كلّ الرؤساء اللاحقين من العسكر , لكنّ تأريخ الجيش العراقي السابق لم يشهد أيّ قائدٍ عسكريٍّ غير نزيه اطلاقاً . ثمّ ايضاً فأنّ المتأثرين بالرئيس قاسم عاطفياً او سيكولوجياً يبررون ذلك بأن كانت له العديد من المنجزات , وهذه لم ينكرها عليه حتى اشدّ معارضيه , لكنّ انشاء وتأسيس ثقافة العنف والدم , واشاعة الفوضى السياسية والتنكّر والوقوف بالضد من التوجّه القومي الذي ساد المنطقة العربية بزعامة الراحل جمال عبد الناصر , أهمّ كثيراً من تلكم المنجزات , ولا أدلّ على ذلك في مثالٍ خاص : هو تخلّي معظم قادة الضباط الأحرار الذين خططوا للأطاحة بالنظام الملكي عن قاسم , وابرزهم العقيد عبد السلام عارف الذي نفّذ الإطاحة بالنظام الملكي بمفرده , ثم وصل قاسم بعد عدة ساعات من جلولاء ليجد الأمور محسومةٌ له .! وكذلك العميد الركن ناجي طالب الذي قدم استقالته بعد بضعة شهور من استيزاره , أما الآخرين من الضباط الأحرار فقد كانوا يستغلون الظرف المناسب للتخلص من الزعيم بسبب سوء توجهاته الخارجية والداخلية , وبسبب انفراده بالسلطة واعتناقه للدكتاتورية , ولابدّ من الإشارةِ هنا أنّ قاسم هو الذي تخلّى اولاً عن تنظيم الضباط الأحرار بعد الحركة ولم يشكّل منهم مجلساً لقيادة الثورة او ما شابه ذلك .
لم يكن مقبولاً إن لم نقل مرفوضاً ليضفي عبد الكريم قاسم الصبغة العسكرية على حكمه , حيث اصراره على ارتداء البزّة العسكرية لا يعني بالضرورة مظهراً من مظاهر البساطة , فهو استحدث منصب الحاكم العسكري الذي تولاّه اللواء احمد صالح العبدي , وهو تجاوز على القضاء بالكامل عبر تشكيله ” محكمة الشعب ! التي تسمى محكمة المهداوي , والتي هي محكمة عسكرية برئيسها واعضائها من الضباط ” والتي كانت مسخرة العهد الجمهوري .!
من جانبٍ آخرٍ , فخلال العهد الملكي كان هنالك برلمان او مجلس نواب ” حتى لو لم يكن فعالاً او صورياً ” , انما لماذا الغى قاسم معادلة التمثيل البرلماني ! وصار هوبمثابة النائب العمومي عن المعارضين والمستقلين والمؤيدين له .!
من غير المفهوم ولا المهضوم تسويغ مقتل العائلة الملكية التي معظمها من النساء بأنه تصرّفٌ فردي , ومن الصعب أن يتقبله العقل , فأذا لم نقل الأقتداء بقادة الثورة المصرية في تغييرها للنظام الملكي السابق , عبر ارسالها الملك فاروق الى المنفى واجراء مراسم توديعٍ عسكريةٍ رسمية , واطلاق المدفعية لِ 21 اطلاقة مدفع في توديعه على اليخت البحري المسمى ” المحروسه ” , فأنه من الأسرار التي يصعب كشفها ولا يستحيل .! عمّا جرى بين عبد السلام عارف وقاسم بشأن مصير الملك والوصي ونوري السعيد .!
وتقتضي الضرورة القصوى هنا , الى انه ليس صحيحاً بأنفراد النقيب عبد الستار العبوسي بأعدام افراد العائلة الملكية التي اغلبيتها من النساء , فالعبوسي صعد الى الطابق الثاني من قصر الرحاب وقام بأنزال الأسرة الملكية الى حديقة القصر وصفّهم على شكلِ قوس .! ووقف خلفهم , وكان بينهم وبين ضباط الأنقلاب الأخرين حديقةٌ صغيرة لا يتجاوز عمقها بضعة امتارٍ قلائل , حيث من الجانب المقابل كانوا يقفون 6 ضباط برتبة نقيب ومعهم جنودهم ” ولا استذكر هنا اسماء اولئك النقباء لكني سأذكرهم بوقتٍ لاحق ” , وفي لحظةٍ قدريّةٍ كأنها مختارة ومحددة ” وفق اشارةٍ ما مفترضة جداً ” اطلقَ العبوسي والنقباء الستّة والجنود على افراد العائلة الملكية , وكان من ضمنهم الطباخ التركي الأشقر والسائق الهندي الأسود , فهل هذه اخلاق العسكرية العراقية .! ولا سيّما لماذا لم يتم عزل النساء عن الرجال المعدودين .!؟ , فمن يتحمّل مسؤولية ذلك .! ولماذا لم يجرِ اتخاذ اجراءاتٍ عسكرية مسبقة بين قاسم وعارف بشأن ذلك .! ؟
وعدا عن ذلك , واطلاقاً لا نقصد التهجّم على الزعيم الراحل وهو في قبرٍ بلا قبر ! ويؤسفنا ذلك كثيراً , فرئيس العراق السابق المرحوم قاسم , لم يكن يكن سياسياً ولم يمتلك برنامجاً سياسياً محدداً , وكان يعتمد الإجتهاد الوطني الفوضوي .. وما نعانيه الآن فبسببه اللامباشر اطلاقاً .!