8 أبريل، 2024 6:42 ص
Search
Close this search box.

عبد الكريم قاسم : كما رأيته وجها لوجه

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ العام 1955.. وأنا فتى في الخامسة عشر من عمري.. كنتُ مستمعاً جيداً لخطب الرئيس جمال عبد الناصر من إذاعة القاهرة.. وما أكثرها في تلك الفترة.. كان أخي صبيح يسجلها على مسجله كراوند.. وكنتُ استمع لكل خطاب عدة مرات حتى أحفظه عن ظهر قلب.. بل أشرحها بشكل لا يصدق مقارنة بعمري.. وكان والدي رحمه الله يجيب عن كل استفساراتي عنها.. فترعرعتُ قومياً عربياً متفتحاً.. كأكثرية أبناء جيلي آنذاك.. وهكذا عندما قامت ثورة 14 تموز كنتُ أحد القوميين الناصريين النشطاء فكراً.. وليس بالأسلوب الغوغائي الذي مارسه غالبية قوميو ويساريو تلك الفترة أبداً ..
وفي فجر يوم 14 تموز 1959.. (أي يوم الذكرى الأولى لثورة 14 تموز 1958).. القيً القبض علينا من قبل بعض أفراد الانضباط العسكري.. بالقرب من مدرسة الإعدادية المركزية القريبة من وزارة الدفاع.. عندما كنا نخط بصبغ البويه على السياج الخارجي للمدرسة شعارات ضد الزعيم عبد الكريم قاسم.. والدعوة لإسقاطه.. واقتادنا أفراد الانضباط العسكري إلى وزارة الدفاع.. لكون مقر الانضباط العسكري فيها.. كذلك كان مقر الزعيم عبد الكريم قاسم فيها أيضاً ..
كنا خمسة (أنا.. ونجاد.. ومهدي.. وستار.. وصباح).. وبعد حوالي ثلاث ساعات في نظارة وزارة الدفاع.. حقق معنا العقيد الركن عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري.. وبشكل متشنج.. وفي الساعة العاشرة من صباح نفس اليوم أدخلنا الجدة إلى قاعة كبيرة ومؤثثة.. ولم تمر عشرة دقائق حتى دخل علينا الزعيم عبد الكريم قاسم ترافقه ثلة من كبار الضباط.. أتذكر منهم : الزعيم الركن أحمد صالح ألعبدي: الحاكم العسكري العام.. والعقيد فاضل عباس المهداوي : رئيس محكمة الشعب.. والمقدم وصفي طاهر والنقيب جاسم العزاوي مرافقي الزعيم.. والعقيد الجدة.. واثنين أو ثلاثة آخرين لا نعرفهم ..
سلمً علينا الزعيم عبد الكريم قاسم وصافحنا واحداً واحدً.. وعندما علمً إننا جميعا طلاب في الخامس العلمي.. (لم يكن آنذاك صف سادس آنذاك) تأثر الزعيم كثيراً.. والتفتً إلى العقيد عبد الكريم الجدة.. وقال له : (كريم هؤلاء متآمرون!!.. هؤلاء أبناؤنا.. لا بد أن يكملوا دراستهم.. والعراق بحاجة إليهم).. سكتً الزعيم برهة.. فسألنا العقيد فاضل عباس المهداوي عن الأحزاب التي ننتمي إليها.. قاطعهُ الزعيم قاسم قائلاً له : (أبو العباس : الشباب ضيوف عندنا.. ولا نحقق معهم ).. وابتسمً الزعيم بوجوهنا ..
المهم : قال الزعيم : (بالتأكيد لم تفطروا حتى الآن.. سنجلب لكم ريوك.. ماذا تريدون؟.. كاهي السيد بالقيمر.. لو كباب اربيل).. وهاتان الأكلتان كانتا أفضل الأكلات في بغداد.. آنذاك.. طأطأنا رؤوسنا خجلاً من هذا التعامل.. الذي لم نكن نتصوره حتى في أحلامنا.. ثم تركنا الزعيم ورفاقه في القاعة.. بينما نحن مشدوهين.. وينظر كل واحد منا إلى الآخر دون أن ننطق كلمة واحدةً ..
بعد حوالي نصف ساعة أدخلوا علينا الطعام (من الأكلتين).. وبعد أن فطرنا وشبعنا.. وشربنا الشاي المهيل.. دخلً الزعيم علينا ثانية.. وخاطبنا قائلاً: (أبنائي.. العراق بحاجة إلى كل أبنائه.. خاصة الشباب المتعلم لبنائه.. والبناء سلاحه العلم.. أرجوكم.. ومن أجل بلدكم أولاً ومستقبلكم.. أن تدرسوا وتكملوا دراساتكم وتتخرجوا من الكليات.. وبعد ذلك اشتغلوا بالسياسة.. سواء كنتم مؤيدين للحكومة أم معارضين لها.. فالكل في خدمة العراق) ..
بعدها صافحنا الزعيم ثانية وودعنا.. وخرجنا من وزارة الدفاع.. ونحن لم نتكلم كلمة واحدة حتى مع أنفسنا خجلا ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب