7 أبريل، 2024 9:08 م
Search
Close this search box.

عبد الغني الدلي في مذكراته (عبر السنين)

Facebook
Twitter
LinkedIn

وَداعاً أيتُها السياسة ؟ !
(عبر السنين) ، هو الكتاب المذكراتي للسياسي والاقتصادي العراقي الراحل عبد الغني الدلي . صدر الكتاب هذا العام (2016) عن دار الحكمة / لندن . وعبر (330) صفحة يدون الدلي (سيرته الذاتية) كما هو مؤشر على الغلاف .
في الصفحة الخامسة ، نقرأ (شكر وتقدير) كتبته دوسر الدلي (كريمة الراحل) ، تلاها تفصيل حمل عنوان (عبد الغني الدلي في سطور) . ومنها نستخلص أننا أمام شخصية (ممتلئة).. ، ان صح التعبير ، تأهيلاً وعطاءً .
الاهداء
لكن المؤلف الدلي يطل على قراء الكتاب باهداءٍ معبر ، ومن بعض ما جاء فيه : (الى اولئك الذين آمنوا ، والذين يؤمنون بعراق حُرّ موحد ، يحكمه القانون وتسوده العدالة .. اكتب هذه الصفحات وفاء لذكرى والدي وأسرتي ((بيت الدلي)) وأبناء بلدتي التي نشأتُ فيها ((سوق الشيوخ)) ..) ويمضي الدلي الى القول : (من الينابيع الصغيرة ، ومن البدايات البسيطة ، يكون مجرى الحياة الواسع المتواصل ..) .
لم يكن وصولياً
في تقديم حمل عنوان : (عبد الغني الدلي) ، كتب الاستاذ رميز جمال عمر نظمي : (لا يحتاج عبد الغني الدلي الى أي تقديم . فقد كان رحمه الله ، إسماً على مسمى : غنياً في معرفته ، غنياً في وطنيته ، غنياً في نزاهته ، غنياً في أصدقائه وغنياً في عروبته . العراق هو وطنه الذي تفانى في خدمته من خلال مواقعه كمصرفي وكنائب وكوزير وكسفير ، وهي المسؤليات التي عهدت اليه خلال العهد الملكي . واخلاصه ووفاؤه الدائم لذلك العهد ، لم يكن وصولياً ولم يأت اعتباطاً ..) .
18 فصلاً
وأربعة ملاحق
اشتمل الكتاب على (18) فصلاً وأربعة ملاحق : الفصل الاول حمل عنوان : سوق الشيوخ . وضمنها مختصراً عن ذكرياته في تلك المدينة ، اذ يقول : (ولدتُ في سوق الشيوخ عام 1913 ، وقضيتُ فيها فترة الطفولة حتى بلغت الرابعة عشر من عمري . وقد تركت تلك السنوات أبلغ الأثر في حياتي ولاتزال ذكرياتها وآثارها تلازمني وتؤثر في مسيرتي) .
ويتحدث المؤلف عن عائلته فيقول : لقد انحدرت عائلتنا من قبيلة كعب العربية الشهيرة . وألـ (بُو دلّي) هم من فخذ من أفخاذ تلك العشيرة . وتقع سوق الشيوخ على شاطئ الفرات الايمن على أرض مرتفعة جنوبي الناصرية بنحو خمس وعشرين كيلومتراً وشمالي البصرة بنحو (180) كيلومتراً . وتقع مدينة أور التاريخية عاصمة السومريين الى الشمال الغربي منها بنحو (20) كيلومتراً .
تاريخ سوق الشيوخ
في الفصل الثاني يقترب الدلي أكثر من تاريخ مدينته ، ويبتعد بمسافة عن رومانسية العبارات، فيقول : (كان تأسيس المدينة على يد الشيخ ثويني عام (1762 – 1772) ، وهو ما يجعلها أقدم مدينة قائمة في لواء المنتفك ((محافظة ذي قار)) ويروى ان الشيخ ثويني اختار موقع المدينة لانه تل مرتفع ((إشان)) عن ما جاوره من الاراضي التي تغمرها المياه .. ) .
هذا الفصل يغطي الصفحات (21 – 38) . ثم يأتي الفصل الثالث ليتحدث فيه الاستاذ عبد الغني الدلي عن (المؤثرات الاجتماعية – الثقافية في سوق الشيوخ) .
ويبدو أن هذه الفصول الثلاثة ، تفصيل عن بيئة نشأ فيها الكاتب / المؤلف ، وهي ممهدات لما يرويه في الفصول البقية .
الأسفار
شب عود الدلي ، ومارس السفر الى البصرة والكوفة والعمارة والكوت . إلأّ أن الأهم هو توجهه للناصرية للدراسة فيها . وهو ما حصل ، حيث افتتحت بها متوسطة لدراسة الطلبة .
إلاّ أن المهم في ما تناوله الفصل السادس ، أن الارهاصات الأدبية والكتابية بدتْ جلية في إهتمامات الطالب في حينها عبد الغني الدلي . ويذكر الدلي انه كتب مقالاً نشرته جريدة الهاتف النجفية لصاحبها جعفر الخليلي ، كما قام مع واحد من أصدقائه بمراسلة بعض الصحف البغدادية وتزويدها بأخبار سوق الشيوخ وما تحتاجه المدينة وسكان الأرياف المجاورة لها من الاصلاحات وخاصة مشاريع الماء والكهرباء وتعبيد الطرق .
اكمل الدلي المتوسطة في الناصرية ، والاعدادية في الثانوية المركزية ببغداد ، حيث دخلها عام 1928 . وفي الفصل التاسع يعرفنا المؤلف على (الحياة في بغداد) كما عاشها . بعدها تقدم للدراسة في كلية الحقوق وقبل فيها . ويصف ذلك بأنه (الخيار الوحيد لخريجي القسم الأدبي من الدراسة الثانوية) . ويذكر من المدرسين في تلك الكلية : رشيد عالي الكيلاني ونصرت الفارسي والشيخ أمجد الزهاوي . وفي السنة الثانية من دراسته ، تولى عمادة الكلية ساطع الحصري .
طالب في بريطانيا
وتخرج الدلي من كلية الحقوق وحصل على بعثه دراسية الى بريطانيا . ودع مدينته التي لم يعد إليها الا بعد عشرة أعوام . وفي سفره الى لندن كان معه : عبد الرحمن البزاز واحسان الناصري . وفي الفصل الثاني عشر تحدث المؤلف عن (الحياة في لندن) ، وأمضى طيلة سنوات الحرب العالمية الثانية في لندن . ويتحدث في الفصل الرابع عشر عن (العودة للوطن) ، وفضّل التدريس الجامعي .
عبد الغني الدلي :
الاداريوالمصرفي والسياسي
في الفصول السابقة ، تعرفنا على الاستاذ عبد الغني الدلي : ولادة ومدينة وطالباً . وقد لا تكون هذه التفصيلات مهمة بشكلٍ كاف للقارئ إلاّ بمقدار ما تعطي تفسيراً ما لدوره اللاحق : الاداري والمصرفي والسياسي .
في طريق عودته الى بغداد ، بدأ الدلي يراجع أفكاره وموقفه من التطورات والظروف التي ستواجهه كما يقول في نهاية ص (156) . وبدا الحوار والتساؤل مع الذات : استرجع كاتب هذه السيرة المشاعر الوطنية التي أعربعنها أساتذته في الابتدائية والثانوية وعلى مناقشاته مع الشيوعيين في الناصرية واصطدامه بذوي العصبيات الضيقة من زملائه في الاعدادية المركزية وكلية الحقوق وما قرأه وسمعه في المحاضرات الجامعية . والأهم من هذه العوامل : ما تلقاهُ من المحيط البريطاني الذي قضى فيه عشر سنوات ، ووجد – كما يقول – ان عليه ان يكون واقعياً .
ويبدو أن هذه العوامل ، كانت التربة التي زُرعتْ فيها بذرة التوجه السياسي للاستاذ الدلي . كانت وَمضات في خيال شاب عاد من الدراسة في الخارج . وتبلورت في نقاط محددة كما ذكرها الدلي (صفحة 157) :
( أولاً : ان الدين عامل ايجابي في حياة الامم والافراد .
ثانياً : اننا عرب مسلمون ، ولكن قبل ان نفكر في نهضة البلاد العربية والاسلامية ، فان واجبنا الأول ان ننهض ببلدنا العراق .
ثالثاً : انه لا توجد عصا سحرية يمكن ان تنقذ بلدنا من الاحوال المتأخرة التي ورثتها من عصور تاريخية قاسية .
رابعاً : ان الدعوات الدينية والنظريات السياسية أو العقائدية والافكار الطوبائية لا تحل المشاكل العملية ، مع قناعتي ان العامل الاقتصادي ليس هو العامل الوحيد
في حياة الانسان والمجتمع ، وأن النهوض ببلادنا يتطلب بناء الهياكل الاقتصادية) .
تلك ، إذن ، المنطلقات التي تبلورت في ذهن الاقتصادي عبد الغني الدلي ، وأشرت مساهماته الادارية والسياسية .
في الديوان الملكي
والمصرف الصناعي
عامي 1946 ، 1947 ، شغل عبد الغني الدلي وظيفة (مساعد رئيس التشريفات في البلاط الملكي ، ومدرساً للملك فيصل الثاني) ، وعامي (1947 – 1952) مديراً عاماً للمصرف الصناعي وفي الاعوام (1952 – 1953) عُيّنَ معاوناً لمدير المالية العام . وفي عام 1953 أصبح عضواً في مجلس النواب عن (لواء المنتفك) وعامي (1953 – 1954) وزيراً للزراعة في وزارتي الدكتور محمد فاضل الجمالي ، وعام 1954 وزيراً للزراعة في وزارة أرشد العمري وتتعدد المسؤوليات المالية والدبلوماسية ليحال على التقاعد بعد 14/تموز/1958.
تقييم العهد الملكي
حمل الفصل الثامن عشر هذا التقييم ، ولمن يعرف توجهات الاستاذ عبد الغني الدلي ، لا يفاجأ بما ورد فيه . فهو ملكي الهوى والتوجهات . إذ يرى (أن النظام الملكي في العراق ، أقيم على أسس دستورية ديمقراطية بعد ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني) ص 195 .
يضيف الدلي : (صحيح انه كانت هناك مخالفات وتدخلات في الانتخابات النيابية ، وانتهاك لبعض الحريات وقمع لبعض الحركات المضادة لسياسة الحكم ، أو التي اعتبرها مخلة بالامن والنظام . ولكن – والكلام لازال للاستاذ الدلي – تلك الامور كانت كلها عرضة للمناقشة ، وكان من المقرر ان تخف أو تزول بحكم التطور وانتشار الوعي ونمو الطبقة الوسطى ..) ص 197 .
دون شك ، هناك الكثيرون ممن يشاطرون الدلي رأيه هذا ، وبالمقابل هناك الأكثر الذين يخالفونه بهذا الاستنتاج . ولكن ما يسجل لكاتب المذكرات أنه ثابت على رأيه منحازٌ لقناعاته . وفي ختام لقاء الدلي مع أرشد العمري في آيار 1954 ، قال الدلي : (هذه الخواطر هي التي دفعتني الى الابتعاد عن حلبة السياسة ، ما أمكنني الابتعاد عنها) . فهل ودّع السياسة ؟ .
اشتمل الكتاب على عدة ملاحق . منها : ذكريات عن الامير عبد الاله ، وقصة فيضان 1954 ، وملحق صور .
وأخيراً : الكتاب يلقي ضوءاً ، مهما كانت مساحته ، على حقبة مهمة من تاريخ العراق المعاصر (العهد الملكي) . انها شهادة حرية بالاستماع اليها .
عبد الغني الدلي ، أقام في المغرب مع ابنته علياء الى يوم وفاته (7/11/2010) . ودفن في الرباط / المغرب . رحمه الله .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب