تأملت وجهه وهو يتحدث عن بدايات حياته الاعلامية والادبية في بغداد قبل نحو 60 عاما … كانت الكلمات تخرج من فمه، وكأن تلك السنين، مجرد حلم، مر في خياله منذ لحظات … عقله الباطن كان يروي بانسياب جميل، لم تؤثر فيه غربة العقود الثلاثة المنصرمة عن الوطن .. إنه المبدع الروائي العراقي العربي عبد الرحمن مجيد الربيعي، الذي يحل بيننا حاليا من مغتربة في تونس ..
في حديثه بقاعة جواد سليم في متنبي الجمعة 2017/4/77، أعطي صورة، مفرحة، للشجاعة الإنسانية، فهو كتاب مفتوح، ليس في قلبه ركن مظلم يخفي فيه شيئا، ولم يحاول إن يخفف من غلوائه في الحب والوداد والعناد والكبرياء والالتصاق بالوطن… غير ان الغربة تبقى غربةً، والهجرُ هجراً، ويبقى ترابُ الوطن خيراً من الغربة وذهبها، ووجدتُ في ثنايا وجدانه، صوتا ينادي اسم وطنه بأنين مشتاق لكل سواد وبياض، لكل طيبة وقسوة… للنور والعتمة لكل بسمة ودمعة.. وحين ادليت بشهادتي عنه : صديقا ، وزميلاً واخاً ومبدعاً.. مسك بيدي متأثرا، هامساً : شكرا رفيق البدايات !
لاشك أن الاغتراب اخذ الشيء الكثير من كينونة ومشاعر ونفسيه المبدع الربيعي، لكنه أعطي له الشيئ الكثير أيضا .. أعطاه الصدمة لكي يبحث عن مجالات إبداع ذات مديات شمولية أوسع.. انه قدره الذي عليه مواجهته بالصبر والارادة وبعطاء ثر لا يعرف الحدود.. ومثلما لا يعرف العافية إلا من فقدها، فأن قيمه الأوطان لا يعرفها إلا من ابتعد عنها .. كان الربيعي من المبدعين العراقيين الذين اكدوا في غربتهم، أنهم نوابغ من طراز خاص، والنوابغ يمّقتون الضعف ويكرهون الدموع، وتأسيسا علي ذلك كان شعارهم: ليس هناك أعظم شيء في الدنيا من بناة قلاع الحرية والمبدعون العراقيون هم هؤلاء البناة.. وجدته في حديثه، أنسانا متفائلاً برغم قسوة الاغتراب، تفكيره يسبق ألمه، وخطاه أوسع بكثير من خطى السائرين علي رمال الحياة، وأحلامه بلا حدود .. فهو ينتج بغزارة رصينة، ولم يغب الوطن عن اي من رواياته وقصصه واحلامه..
يمكنني القول، ان الربيعي لم يصرف أيامه بلا حب، لأن ذلك يعني له العيش في حياة بلا رونق، وهرق العمر بلا مسرة… اعتداده بنفسه واضح عند محبيه، لكنه لم يصل إلى حد الغرور. والرواية عنده ليست سلعة تباع، ولا سوقاً للحظوة، بل هي قبل كل شيء عاطفة تلبس الحروف وشعور يروي حديث الهاجس البعيد.
اهلا بأبي حيدر.. عبد الرحمن مجيد الربيعي، الصديق، الانسان، المبدع الكبير.