23 أبريل، 2024 4:25 ص
Search
Close this search box.

عبد الرحمن بدوي ودوره في إثراء الفكر الفلسفي العربي المعاصر

Facebook
Twitter
LinkedIn

يعدّ عبد الرحمن بدوي المولود في ( 17 فبراير من عام 1917 والمتوفي في 25 يوليو عام 2002م) والذي أطلق على نفسه لقب (فيلسوف مصري)، أحد أعمدة الفكر الفلسفي العربي المعاصر بامتياز، ولا أظن أحداً من الباحثين أو الدارسين اليوم لم يطلع أو يقرأ أو يضم في ثنايا مكتبته الخاصة مؤلفاً من مؤلفات عبد الرحمن بدوي، نظراً لضخامة المنجز المعرفي الذي تركه الرجل لنا. إذ ما كتبه في تاريخ الفكر الفلسفي عبر مراحله وتطوراته من اليونان حتى اليوم وما حققه من تراث فلسفي يوناني وعربي إسلامي وسيطي أو ما ترجمه من نصوص فلسفية لكبار الفلاسفة الغربيين وسطيين ومعاصرين أو ما نقله من ترجمات لنصوص أدبية إبداعية في الأدب الغربي المعاصر، تشكل بمفردها مكتبة متخصصة لا ينفك أي باحث من العودة إليها والإفادة منها. ولو أحصينا ما تركه الرجل من مؤلفات إبداعية ونصوص فلسفية محققة ومترجمة وترجمات لأمات النصوص الأدبية والمسرحية والروائية لكبار الكتاب الغربيين1 لتجاوزت المائتين وأكثر.

لقد كفانا عبد الرحمن بدوي البحث عن سيرته الثرية الناصعة العلمية والفلسفية عندما أرخ لنفسه وترجم لها لغاية عام 1984، وهو عام صدور موسوعته الفلسفية في طبعتها الأولى في جزأين عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. إذ تحدث في هذه الموسوعة عن مراحل سيرة حياته العلمية الفلسفية فحسب، وعن مؤلفاته التي كتبها وترجماته للنصوص الفسلفية والأدبية والروائية على وفق الترتيب الزمني لصدورها.

كما وأشار في حديثه عن سيرته أنه قد اخذ العلم والفلسفة على أيدي كبار المتخصصين بالدراسات الفلسفية من الأوربيين من أمثال الفيلسوف الكسندر كواريه (ت1964م) صاحب المؤلفات الكبيرة في تاريخ العلوم وفي الفلسفة الألمانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ومن أساتذته الآخرين الفيلسوف الفرنسي أندرييه لالاند (ت1963) صاحب الموسوعة الشهيرة باسمه (موسوعة لالاند)، والفيلسوف المصري الشيخ مصطفى عبد الرازق (ت1974م)، العالم بالعلوم الإسلامية والمتعمق في قراءة النصوص الفلسفية الإسلامية مع معرفة طيبة بالفكر الغربي وصاحب كتاب تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تلقى بدوي دروسه الفلسفية ومعرفته بتحقيق النصوص فيها على يد أحد أكبر المستشرقيين الأوربيين ألا وهو المستشرق باول كراوس ( ت1944)، صاحب تحقيقات رسائل جابر بن حيان وأبو بكر الرازي الطبيب وابن المقفع وغيرهم.

· مشروع بدوي الفلسفي: بدأ المشروع الفلسفي لبدوي في التأليف له ونسج خيوطه مع منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين ولم يتوقف إلا وقد غادر بدوي حياتنا الدنيا هذه في عام 2002م. إذ كانت باكورة أعماله الفلسفية رسالته التي تقدم بها لنيل درجة الماجستير تحت إشراف الفيلسوف الفرنسي أندرييه لالاند ومن بعده الكسندر كواريه،

والتي حملت عنوان ( العبقرية والموت)، والتي طبعت بأكثر من طبعة لقيمتها الفلسفية الكبيرة والتي كشفت عن إشكالية الموت وموقف الفلاسفة منه، وبالأخص الوجوديين الغربيين ومنهم الفيلسوف الألماني الشهير هيدجر ( ت1978)، الذين كان بدوي يعدّ العدّه ليكون أحد أبرز ممثليهم في العالم العربي والمدافع عن طروحاتهم الفلسفية. فضلاً عن أن هذه الرسالة كانت بمثابة الخطوة الأولى نحو تأسيس معالم فلسفة عربية معاصرة تمتد جذورها إلى الفلسفة العربية في العصر الوسيط، إذ تعدّ هذه الرسالة بالنسبة لزمانها متميزة في هذا الحقل الفلسفي، والذي ما زال البحث الفسلفي العربي المعاصر في أول طريقه.

بعد ذلك تقدم عبد الرحمن بدوي لنيل الدكتوراه في الفلسفة من كلية الآداب جامعة فؤاد الأول ( القاهرة حالياً)، عن أطروحته المعروفة الزمان الوجودي تحت إشراف طه حسين وذلك في عام 1942، والذي وصفه هذا الأخير في دفاعه عن أطروحته أنه يقدم فيلسوفا مصريا للعالم العربي، قد كان من الفلاسفة الذين منحوه هذه الدرجة المستشرق باول كراوس. وقد طبعت هذه الأطروحة بعد مناقشتها بأول طبعة في القاهرة عام 1943.

درس بدوي وحلل في هذه الأطروحة والتي ستبقى عنواناً رئيسيا وهوية خاصة له تمثل فلسفته الوجودية التي تنحو نحو الفيلسوف هيدجر، أقول مفهوم الزمان وجودياً عبر التاريخ الفلسفي قديمه والحديث، مع بسط تصوره الفلسفي المحكم لمفهوم وماهية وطبيعة الزمان وعلاقته بالوجود، كما وحاول بدوي وانطلاقاً من هذه الأطروحة الفلسفية أن يجد لها مصاديق في التراث الفلسفي العربي الوسيط، ناهيك الفكر العربي المعاصر. إذ أصدر كتباً أخرى تسير على هدى هذه الفلسفة منها كتابه نحو أخلاق وجودية وكتابه

دراسات في الفلسفة الوجودية، ومنها كتابه الإنسانية والوجودية في الفكر العربي. ولا ننسى في هذا المجال أن نشير إلى مقدمته الوجودية لكتاب الإشارات الإلهية للأديب الفيلسوف أبي حيان التوحيدي. والتي عقد فيها مقارنة ممتازة بين التوحيدي والأديب الأوربي فرانز كافكا ( ت1938)، إذ حاول في هذه مقدمته لكتاب الإشارات الإلهية للتوحيدي استكناه نفس وجودي عميق ومميز عند هذا الفيلسوف الأديب.

وإلى جانب هذا النتاج المتميز والذي أطلق عليه عبد الرحمن بدوي نفسه لفظ المبتكرات، كتب ونشر وحقق في تاريخ الفكر الفلسفي القديم والوسيط والحديث، مع ترجمة لبعض ما كتبه المستشرقون عن التراث الفلسفي الإسلامي ودوره في الحضارة الإنسانية عموماً، إذ أصدر في هذا المجال ثلاثيته المعروفة عن العلاقة بين الفلسفة الإسلامية والتراث الفلسفي اليوناني القديم وهي: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، وشخصيات قلقة في الإسلام ومن تاريخ الإلحاد في الإسلام، إذ إن هذه الكتب هي مجموعة أبحاث لمستشرقين أوربيين نسق بينها وألف بدوي.

فضلاً عن ذلك ألف بدوي وكتب في تاريخ الفلسفة كتباً تعدّ مراجع أساسية للباحثين في هذا المجال، منها: ربيع الفكر اليوناني، وخريف الفكر اليوناني، وأفلاطون، وأرسطو، وفلسفة العصور الوسطى، والفلسفة والفلاسفة في الحضارة العربية بالفرنسية، وموسوعته عن الفيلسوف الألماني كانت في أربعة أجزاء وموسوعته عن الفيلسوف الألماني هيجل، وشوبنهور، ونيتشة، واشبنجلر.

وكما أشرنا في بداية بحثنا هذا، عن المنجز التحقيقي لعبد الرحمن بدوي في التراث الفلسفي الإسلامي، والتراث اليوناني المنقول إلى العربية في بيت الحكمة العباسي، والذي يشكل بنظرنا مكتبة فلسفية كبيرة تعجز عنها مجامع علمية عربية بدوائرها، إذ

حقق بدوي للفيلسوف أرسطو كتبه المنقولة إلى العربية، منها: كتاب المنطق في ثلاثة أجزاء، وكتاب الطبيعة في جزأين، وكتاب النفس، وكتاب فن الخطابة، وكتاب السماء والعالم. فضلاً عن ذلك اهتم بنشر وتحقيق لبعض الفلاسفة اليونانيين من تلامذة أرسطو ممن لهم وشيجة صلة بالفلاسفة العرب المسلمين، إذ حقق كتاب أفلاطون في الإسلام، وكتاب المثل العقلية الأفلاطونية، وكتاب أفلوطين عند العرب، ورسائل الإسكندر الإفروديسي، وكتاب اورسيوس تاريخ العالم، وهو ترجمة عربية عن اللاتينية في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، وكتاب فلوطرخس الآراء الطبيعية التي ترضى بها الفلاسفة.

ولم يقف المنجز المعرفي والفلسفي لبدوي عند ذلك، بل قام بنشر نصوص التراث الفلسفي لفلاسفتنا العرب المسلمين، إذ حقق وقدم لبعض هؤلاء الفلاسفة، من ذلك نشر رسالة الحيلة في دفع الأحزان للفيلسوف الكندي، ورسائل للفلاسفة الفارابي وللفيلسوف يحي بن عدي وابن باجة ضمنها في كتابه رسائل فلسفية، كما ونشر للفيلسوف ابن سينا كتب، منها: كتاب البرهان، وكتاب فن الشعر في موسوعته الشفاء، وكتاب التعليقات، وحقق وقدم لكتاب الفيلسوف مسكويه الحكمة الخالدة، وفعل مثل ذلك لكتاب الفيلسوف أبي سليمان المنطقي صيوان الحكمة، ونشر تحقيقا مميزا لكتاب الغزالي فضائح الباطنية، واهتم بنشر جزء كبير من تراث ابن رشد، من ذلك كتاب شرح البرهان، وكتاب تلخيص البرهان، وكتاب تلخيص الخطابة، وكتاب تلخيص الشعر.

واستمرار مع هذا النهج في نشر التراث الفلسفي الإسلامي، نحا بدوي هذه المرة نحو نشر التراث الروحي والصوفي والكلامي العقيدي في الإسلام، إذ قام في التصوف بتأليف كتاب رابعة العدوية شهيدة العشق الإلهي، وكتاب شطحات صوفية وهو مجموعة

نصوص صوفية لكبار متصوفة الإسلام في القرون الثلاثة الأولى منه، وكتاب تاريخ التصوف الإسلامي، وكتاب روح الحضارة العربية، وكتاب الإنسان الكامل في الإسلام. أما في مجال علم الكلام والفرقيات الإسلامية فقد ألف كتاب مذاهب الإسلامين في جزأين وهو من أدق الكتب التي ألفت في هذا المجال في الفكر الفلسفي العربي اليوم.

ولأن بدوي كان مهموما جداً بإثبات أحقية التفلسف العربي الإسلامي ودوره في بناء وتكوين الحضارة الأوربية الحديثة من خلال إسهامات الفلاسفة والمؤرخين والمفكرين والجغرافيين العرب فيها، نجده قد ألف في هذا الجانب عدة كتب منها كتاب دور العرب في تكوين الفكر الأوربي، وكتاب تاريخ الفلسفة الإسلامية في جزائين كتبه باللغة الفرنسية للباحثين عن أهميتها ودورها في تاريخ الفلسفة.

فضلاً عن ذلك كله، قام عبد الرحمن بدوي بنقل بعض النصوص الفلسفية الغربية إلى العربية، إذ نقل كتاب الوجود والعدم للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، وكتاب بنروبي مصادر وتيارات الفلسفة الفرنسية المعاصرة اليوم. وقيل أنه قد نقل كتاب الوجود والزمان لهيدجر لكني لم أطلع عليه، بل وجدت آثار هذا الكتاب متحكمة في أطروحته الزمان الوجودي، إذ عول عليه كثيرا في بناء فلسفته الوجودية العربية المعاصرة والتي يعدّ أكبر أعمدتها في تاريخ الفلسفة العربية المعاصرة اليوم.

ولكن ونحن نختم بحثنا هذا، لابد من التنويه هنا إلا أن عبد الرحمن بدوي الفيلسوف الوجودي العربي قد نحا في أواخر أيامه نحو تأليف كتابين في الفكر الديني الإسلامي باللغة الفرنسية للوسط الثقافي الفرنسي بعامة والدوائر الاستشراقية فيه بخاصة، دافع فيهما عن القرآن الكريم وعن نبوة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، إذ حمل الأول عنوان دفاع عن القرآن ضد منتقديه، والثاني حمل عنوان دفاع عن محمد

ضد منتقديه، وكلا الكتابين تم نقلهما إلى العربية من قبل كمال جاد الله، وصدرا في بيروت في نهاية القرن العشرين، ؟أي قبل وفاة بدوي ببضع سنين.

مما تقدم يظهر مدى الإسهام الفلسفي والفكري الكبير الذي قدمه عبد الرحمن بدوي للفكر الفسلفي العربي المعاصر اليوم، إذ يمكن القول وبثقة أن بدوي قد ترك لنا مكتبة متخصصة في هذا الفكر لا يمكن لأي متخصص ناهيك عن المثقف أن يستغني عنها.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب