( السرد في تداعيات الاعتقاد و اليقين )
في رواية ( الذلول ) للقاص عبد الحليم مهودر تبدو العلااقات السردية بشكل عام ، متآتية بموجب آهلية ذاكراتية مرتبطة ما بين فضاء المشاركة الزمنية الاسترجاعية و بين أفق المحرك الدافعي لمدارات المعلول النفسي ، بيد ان الاقامة التواصلية في التلقي لهذا النص ، تبقى متداخلة على صعيد مدار سياقي متوافق البلوغ و المعاينة الشكلية و المضمونية في حجم الدلالة . ان المادية الانشائية في رواية ( الذلول ) تبدو كأنها مجموعة طرائق ، تتعدى و تتبدى بموجبها ، حالات المجاورة و التماثل في بوتقة العناصر المحيطية في الواقع ، فمثلا لاحظنا بأن خصيصة المحور السردي في الرواية ، تتم على لسان ضمير السارد الشخصية ، الذي هو مقوم و حافظ لترسانة عريضة و طويلة من واقع تأريخ ( الجد ) و حوادث السجن و مستوى الانغمار مع وقائع المدينة التي يحيا فيها و من خلالها ، حيث تتآلف مناحي المكون البؤروي المسرود ، من على فعل السياق الحدثي نفسه .
( قراءة نص الرواية )
ان بناء رواية ( الذلول ) لربما لا تجد لذاتها ذلك الحيز التكويني المتين من ادوات الانشاء و التقانة العالية ، بل ان كل ما وجدناه عبارة عن سلسلة تداعيات سردية ، يقوم من خلالها السارد الشخصية ، بتقديمها و حكيها ، وفق وحدات تكوينية من زمن البناء الروائي . و من جهة أخرى نعاين بأن مستوى ثيمية المحكي ، تحتاج الى مستحدثات ، تعاكس ما عليه الحال في رواية مهودر ، حيث أننا و نحن نقرأ أحداث النص واجهتنا ثمة استهلالات مقدماتية كمثال هذه العتبة :
( على الرغم من سهري الليالي الماضية في السجن أكتشفت في أول ليلة طويلة جبني و خيبة أملي و كما هو شأني لقد أفترضت ذلك وهما .. / جدي و جدي الآخر و عمة أبي و أمي و صفية و زوجتي أماني و أبوها و أختها و أبو الحرباء و علي . / أثارت هواجسي و مزقتني و استغرقت مني بعض الوقت لأفك تشابك الاصوات .. ص5) بهذه الطريقة الاستهلالية التعليمية ، لاحظنا القاص مهودر ، يوزع و يعرف مقصودية مخططه الروائي ، كأنه بهذا الامر ، يذكرنا بطريقة العروض الاعلانية المسرحية ، للشخوص و الادوار والاغراض المحورية في النص ، و على هذا أقول مستغربا .. لماذا لم يتح القاص لشخوصه تقديم ذاتها و ادوارها بموجب أفعال النص التشخيصية ؟ و بدلا من فعل تعريف الاسماء بطرائق بدائية ، كان من المفروض من القاص ان يضع مصنفات و مشخصات و حوافز موضوعية ، قد تبدو في القراءة أدل من تقديمها هكذا و بوسائل فاترة و غير مقنعة ؟ . و من جهة أخرى أيضا ، لاحظنا بأن عملية عرض المحكي في الرواية ، لربما لم يصل الى مرحلة ناضجة و مقبولة ، من ناحية دلائلية و موضوعية ، بل اننا وجدنا مراسيم المروي السردي ، قد حلت بطريقة حيوية فقط في منطقة التذكر و الاسترجاع ، و لكنها لم تتم بحافزية عالية ، فيما يتعلق و منطقة الذروة السردية المستحدثة و الحديثة .
( زمن السارد و زمن القصة )
ما هو جدير بالملاحظة في رواية ( ذلول ) هو بروز تلك التكرارية في صوت ، دليل الاحداث و في فعل موجهات وعي السارد الشخصية ، و تبعا لهذا ، سوف نتابع محكي هذه الوحدات .. ( نسخة الكتاب لم تحترق أذ لم تكن مكتوبة عند أحتراق عمتي / كتبه جدي عند حلول الطاعون لأمر ما / لم تعرف كم عانيت من أجل استعادته لم اسمع خبرا عنه حتى هرعت اليه .. ص45) في موقف فصل سابق ، كان القاص مهودر ، قد قدم بشكل كامل ، ما عليه خصائص و سمات كتاب الجد ، من دلالات و معتقدات و خرافة خارقة ، غير ان يوتوبيا هذا الجد ، لعلها لم تتوقف عند هذه الحدود الوهمية ، بل اننا وجدناها لها يد عظيمة في استحكام دفة و قبضة تصاعدية و نمو حبكة النص ذاته ، فعلى هذا أود مساءلة القاص مهودر بهذا القول : من خلال أحداث رواية ( ذلول ) لاحظنا بأن شخصية الجد كانت مجرد دليل استرجاعي و استذكاري ، و لربما محض وهم سحيق ، فإذن ما وجوبية استمرارية علامة الجد و صفاته اليوتوبية داخل مضاعفات المروي الحضوري في النص ، لاسيما و ان وقائع النص من على صوت السارد ، باتت اشبه بالخطاطة التي تدور حول ذاتها بطريقة شبه تكرارية .
( الشخصية الساردة و ظروف الشخوص )
ان مرحلة تطور الشخوص في فضاء رواية ( الذلول ) بقية متصلة بواقع صوت السارد و ذاكرته ، و دون أدنى تحررية نموذجية في لغة الاشياء ، من بوتقة شخصية السارد ، فالسارد هو من بات ، يحكي قصة الاحداث ، و بشكلها المرجعي و المستقبلي ، حيث عدم ظهور واضح لأفعال الشخوص في الرواية ، و كأن أمر السارد بذلك ، بات هو من يحدد و من يقدم و يؤخر في مسار الرواية . فضلا عن هذا لاحظنا بأن مرحلة السارد ، صارت شبه مشوشة ، و دون فاعلية سردية صانعة و متقدمة . فمثلا و نحن نطالع تصرفات و سلوكيات الشخوص الأخرى في الرواية ، و جدنا بأنها ذات منزلة منقولة و هامشية ، و دون أحساس واضح منا ، بأن هناك أفعال محورية روائية ، في حركات و صراعات الشخوص ، و بعبارة مختصرة فأن القارىء لهذه الرواية ، بات كل ما يشعر به ، هو صوت ذلك السارد ، و فضاءات يوتوبيا ( كتاب الاسماء ) الذي هو عائد الى مملكة الجد المباشرة و العيانية ، حيث ان الجد و من خلال أحداث الرواية ، أضحى هو من يحدد مصائر و قضايا الشخوص و تناقلات الموروثات الشفاهية من أعماق الماضي . و في الختام كم كنت أتمنى ان تكون رواية ( الذلول ) خارج حدود بوتقة موجهات السارد و احكام مؤشرات الماضي لاسيما و ان لهذه الرواية سمات شبه متكاملة في صنع و انشاء المديات الروائية ، الى جانب هذا فأن لهذه الرواية لغة وصفية عالية في الاستكشاف و الكشف عن مواطن تحولات المقصدية و رصد وقائع علاقات الصورة الوصفية في المشهد الروائي . ان رواية القاص عبد الحليم مهودر ، ما هي ألا وجود نسبي من زمن علامات الحالة السردية المتقدمة ، و ذلك لأن الخاصية الزمكانية و الشخوصية في النص ، تبدو شكلا جانبيا من حقيقة العوالم الكلية السائدة في فن الرواية ، كذلك من جهة أخرى ، فأن رواية ( الذلول ) قد جاءتنا مدلولا مقصورا على صوت بلاغية السارد ، و دون التوسع من القاص في انشاء صورية شكلية مستقلة في عاملية صناعة الحدث و افعال الشخوص . و تبعا لهذا فأن رواية القاص راحت تنتج لذاتها مدلولات و قصاصات ذاتية قريبة من ذاكرة الكاتب و بعيدة عن ذاكرة التلقي . و زيادة على كلامي هذا أود توجيه هذا الخطاب مني الى القاص عبد الحليم مهودر : أبن مدينتي البصرة كم كنت اتمنى ان يكون مشروعك الروائي مستكملا لشروطه الانجازية ، و ذلك لأن روايتك ، قد جاءت للقراءة تشاكلا ذاكراتيا قريبا لأسلوب كتابة المذكرات العائلية .. و الى جانب هذا فأن الرواية لديك تبدو كأنها علاقات تكرارية و تقاربات لا تتوزع نحو غاية اكتمالية متوحدة العضوية و السياقية و الاسلوبية ، بل ان كل ما قد قرأناه في روايتك ، قد لا يتعدى أفق استرجاعات الذات لمواقف و احداث و شخوص ، تعاظمت من عليها آهات الزمن و مقاطعات الحياة الحقيقية .. لا شك بأن كل هذا هو صحي و مفيد في الرواية ، بشرط ان لا يكون مخلا و حدود مقومات جمالية خطاب النص الروائي ، كما يؤسفني جدا ان أقول ، بأن موضوعة روايتك لم تعمق و تترك في ذائقتنا ، سوى مخالفات الجمال الفني و اصداء صوت السارد و هو يستعرض أحداث حكاية الاجداد و العائلة و المدينة في كراسة المجهول .