واحدة من مفارقات الصحافة والاعلام ان يتصدى عبد الباري عطوان ويخوض فيها حتى هزلت ..لعله الزمن التافه ان لايحجر عن هذا الشخص لواقع السفاهة والتفاهة..فهو ينط في كل موقعة جمل ليصول ويزبد ناثرا لعابه المتطاير من خلال الفضائيات…ولانه من سلالة الديناصورات اعتقدت انه انقرض ، ليطل علينا بماكتبه في جريدته بعنوان ( هذا ليس العراق الذي نعرفه) .. ولعل السفاهة قادته ان يختار قصة مفبركة عن شاب عراقي يلتقيه في شوارع لندن الصيف الماضي وفي يوم لندني استثنائي مشمس(حيث كان عبد الحليم حافظ يصور فيلمه ـ ابي فوق الشجرة ـ بصحبة سندريلا الشاشة حسنة ملص وهو تغني له الدنيا ربيع والجو بديع وهو يجاوبها بموال من اغنية دقوا الشماسي ) .. ثم يعدد لنا وبذات الطريقة السفيهة وذات الفكر الذي دفن في كهوف تورا بورا وفي تابوت مومياء (بلاد العرب اوطاني) (مع حذف الكليشات مثل عاصمة الخلافة الاسلامية وعاصمة الرشيد) .. ساناقش ماطرحه عبد الباري عطوان عسى ان يصحو من متاهة الغمان التي يعيش فيها جيل طويل عريض من الذين لوثوا حياتنا بتأليه الطغاة امثال صدام والقذافي انطلاقا من مبدأ ( الدولار الاخضر من ديكتاتور منقرض ينفع في يوم الافلاس) .. وعلى حد قول شعبان شعبلة عبد الرحيم ( كنت فين ياخشب لما كنا مسامير.. كنت فين يالحم لما كنا جزارين)..
1 ـ يقول عبد الباري عطوان (من حق العراقيين ان يتظاهروا وان يطالبوا بإسقاط النظام، فهذا ليس العراق الذي بشرنا به جورج بوش الإبن وتابعه توني بلير، ورهط من المحسوبين على العراق زورا وبهتانا، هذا ليس العراق الذي قالوا لنا انه سيكون نموذجا للتعايش والعدالة والقضاء العادل..العراق الذي سيعوض العراقيين عن سنوات المعاناة والظلم، وسيمثل نقطة اشعاع ثقافي وديمقراطي في المنطقة بأسرها. العراق الجديد تختلط فيه المجاري بمياه الشرب، وتنقطع فيه الكهرباء عشرين ساعة في اليوم، والبطالة في اعلى مستوياتها، والمتسولون يتراكمون في كل زاوية من زوايا العاصمة، كما قال صديقي الصحافي البريطاني باتريك كوبورن الكاتب في صحيفة ‘الاندبندنت’ البريطانية اليومية. ثلاثة ملايين برميل من النفط يصدر العراق يوميا ومع ذلك لا يجد المواطن العراقي رغيف الخبز الذي يسد رمق اطفاله، ولا يجد الأمان، ولا يعرف متى ستنفجر فيه قنبلة،او سيارة مفخخة، يسير في الشوارع حاملا روحه على كفه ومسلما أمره الى العلي القدير.)..ونحن نسألك بطريقة ( بهجت الابصيري) من يفجرنا في الاسواق ياعبد الباري سوى اتباع شيخك اسامة بن لادن الذي تعشقه وتترحم عليه وكذلك ادخلهم جماعة ( رغودة بنت صديم ) …(كنت فين ياعبد الباري..!!) لما شبكة المجاري في العاصمة بغداد تعود الى منتصف السبعينات دون تحديث وصرفت الملايين على حروب صدام وغزواته حد افلاس الخزينة العراقية بسبب حروبه المجنونة وخرجنا بملايين الارامل والايتام والمعوقين وجيش أبيد في الصحراء وعلى بوابة سفوان والزبير والاف المقابر الجماعية وملايين الاسرى والمشردين والهاربين في المغتربات والمنافي ..اما الكهرباء فالمحطات تعود الى الستينات والسبعينات وتحتاج الى الملايين لاعادة تحديثها مع وجود السراق امثال عفتان الفلوجي وكريم وحيد ….اليست هي ذاتها مشكلة مصر والاردن ولبنان على الرغم من انها لم تخوض حروب دفاعا عن البوابة الشرقية…. كنت فين ياعبدوله ياباري …….كنت فين لما كنت انت تمنح الملايين من الطغاة ومنهم صدام، ونحن كنا نأكل الطحين الاسود والحليب الفاسد والاف الايتام في الشوارع يشحذون ونسبة الامية حد التخمة لان راتب المعلم الشهري اصبح يساوي طبقة بيض واحدة فقط..الرشوة قتلتنا..الشرطي مرتشي والقاضي مرتشي والمدرس مرتشي ومنحت الدكتوراه بالجملة والمفرد وصدام المجنون يصرخ ( واليخسأ الخاسئون ) بينما مفتشي الاسلحة يبحثون تحت ملابسه الداخلية عن يورانيوم عفته المفقودة في مقاهي باب الشيخ والحيدرخانة.. السجون اتخمت بالحرامية والقتلة مثلما اتخمت بالمعارضين لطاغوت صدام.. من كان يقطع السن المعارضين؟.. من كان يقطع ايدي التجار ؟من كان يوشم جبين العراقي بعلامة الصليب اذا هرب من حروب المجنون صدام بن صبحة..هل تعرف ياحبيبنا عبدو.. ياعطوان، ان العراق تصحر واصبح الغبار يهل كالطوفان بعد ان قطع العرقيون كل الاشجار واستخدموها للطبخ ولتنانير الخبز ليبقوا على قيد الحياة الكسيحة، بينما صدام واولاده يهربون النفط ويودعون الاموال في البنوك ولايزال العراق يبحث عن الاموال تلك التي ضاعت وضاعت وضاعت.. وياولدي ياعبدله لاتحزن.. واقرأ الشاهد المقرب من البعث وكاتبهم وهو على فراش الموت لاصابته بالسرطان.. اقرأ ماذا يقول عبد الجبار محسن ( وكان هناك اجتماع مسائي في كل وحدة بلدية لتقاسم مغانم اليوم السعيد… أما شرطة النجدة فهي تلقي القبض على كلّ منْ معه فتاة، فإن دفع المقسوم فيذهب إلى حال سبيله… وإلا فإنه يُقاد إلى المخفر مع فتاته حتى لو كانت زوجته. وفي زمن الحصار أيضا، تبرع كبار الضباط بدعوة جميع المواليد حسب جداول معدة لخدمة الاحتياط، مع أن الجميع قد خدموا أضعاف الخدمة الإلزامية والاحتياط. وكان الأغنياء يدفعون فيتكفل الضابط المعني بتسجيل التحاقهم وأدائهم الخدمة وتسريحهم منها. أما الفقراء، فيظلون سارحين في ساحات عرضات مراكز التدريب ومن دون طعام أو لباس عسكري. وقد خُصصت لكل فصيل (40 جندياً) صابونة واحدة، لكن اللواء عبدالرحيم مدير المشاة قد أبلغ الرئيس من دون حياء بأن لكل جندي صابونة في الأسبوع. أما مخصصات إطعام الجنود، فكانت تخرج من الخزينة إلى الجيوب. وكانت بعض الرشاوى عينية، مثل شراء ثلاجة للضابط أو زوج إطارات لسيارته أو قطعة ذهب لزوجته أو جهاز تلفاز وكل ما استطاع. وبعد أن فاحت الرائحة، شُكلت لجان تفتيش، ومضت اللجان تزور مراكز التدريب، لكنها اشترطت على آمري هذه المراكز حصة من الدخل ليكتبوا تقارير براءة. وهكذا كان، وبقي العراقي عسكرياً من المهد إلى اللحد. فما إن يتسرح من الجيش، حتى يتلقفه الجيش الشعبي عنوة، ثم وراءه جيش القدس، ثم فدائيو صدام، وحتى الأطفال حرموا من العطلة الصيفية وشحنوا إلى مراكز التدريب. وكان الرئيس الذي صار ذات يوم يعلم بكل هذا، يرضى عنه. كان على العراقيين وهم في ظل الحصار، أن يخدموا الأمة العربية وهي منشغلة بالسياحة والغناء وبيع وشراء أسهم الشركات. هكذا احترم حزب البعث العربي الاشتراكي شعب العراق، وإني أتحدى أي واحد أن ينكر علناً أياً من الحقائق التي سردتها).
2 ـ ونستمر عبودتي ونرد على قولك (ثلاثة ملايين برميل من النفط يصدر العراق يوميا ومع ذلك لا يجد المواطن العراقي رغيف الخبز الذي يسد رمق اطفاله، ولا يجد الأمان، ولا يعرف متى ستنفجر فيه قنبلة، او سيارة مفخخة، يسير في الشوارع حاملا روحه على كفه ومسلما أمره الى العلي القدير.هذا العراق العظيم الذي كان مرهوب الجانب من جميع دول الجوار، ورقما صعبا في جميع معادلات القوة في المنطقة، اصبح كما مهملا، ومرتعا لتدخلات الصغير قبل الكبير، يتحدث لغات هجينة غير مفهومة، وكيانا رخويا هلاميا بلا عمود فقري، يتوزع بين هويات طائفية وعرقية متناحرة، ويرفع اعلاما شتى). ونحن سننعم بذكريات معطرة من مآثر بطل المقاومة الجرذية صدام العوجة يرتلها لنا شاهدهم الذي شاهد وشاهد وشاهد ( عبد الجبار محسن ) وهو يقول [وكان يضيق ذرعاً، وإلى حدّ الانفعال الجهنمي بكل مطلب يخفف عن العراقيين أعباءهم، حتى أنه سمع من وزير الصحة ذات يوم رأياً مفاده أن سبب بيع السلع المستوردة من قبل الدولة في السوق السوداء هو رخص ثمنها بالمقارنة مع استيرادات القطاع الخاص، واقترح الوزير أن ترفع أسعار السلع التي تبيعها الدولة إلى مستوى أسعار السوق الحرة، فتهلل وجه صدام فرحاً، ونادى بأعلى صوته: (هذا هو الحل الصحيح)، لأن الحلّ الصحيح يُثقل كاهل العراقيين أكثر. وعندما طُرح في مجلس الوزراء موضوع عطش سكان البصرة، فإن وزير الريّ قال، إن الماء كافٍ لسكان البصرة… ولم يلبثْ صدام أن قال فوراً: إن الماء متوفر في البصرة. .(خلص)، مع أن سكان البصرة كانوا يتجمعون بالمئات حول كل سيارة حوضية تبيع الماء. لقد أصبح أبغض الأشياء عنده أن يرى العراقيين مرفهين، أو أن حملهم قد خفّ. بالمقابل، كان حريصاً على أن يتبرع لكلّ عائلة شهيد فلسطيني بأضعاف ما تحصل عليه عائلة الشهيد العراقي… وقد تبرع أيضاً وفي زمن الحصار، بالمال لزنوج أميركا (المساكين)، وأنشأ مدينة باسمه في تركيا مكان القرية التي دمرها الزلزال، وبنى مدينة مماثلة في سوريا مكان القرية التي أغرقها الفيضان. .وكانت التبرعات لفلسطين تتم عن طريق قادة الجبهة العربية الميامين…. وهي جبهة أقامها البعثيون لتنافس (فتح) وبقية الجبهات ليس غير، وليكون لهم إصبع في القرار الفلسطيني. ولم يحدث أن رمت هذه الجبهة قنبلة أو أطلقت رصاصة، في حين كانت الملايين من الدولارات تنفق على أقطابها من أموال الشعب العراقي لمواصلة (النضال)… وصار الرفاق، قادة ( الجبهة العربية)، من أثرياء الحرب الذين يتاجرون بنضال شعبهم الفلسطيني، وكانت زوجة أحدهم تحتسي قنينة ويسكي كاملة من الشيفاز ريغال في كل ليلة، وحلّت محلّ الأموال النقد كوبونات النفط، وكانت حصة الأسد لبشير بو معزة وهو من أقطاب ثورة المليون شهيد… وكان يغرف من كرم الرئيس في كل زيارة للعراق.. أما إياد سعيد ثابت المناضل البعثي القديم والبرجوازي الأعظمي النبيل، فله قصة جديرة بالتسجيل. فلقد كان يُشرف على زمرة تنفيذ عملية اغتيال عبد الكريم قاسم، أي إن صدام حسين كان تحت إمرته الحزبية ذات يوم، واختفى عن ساحة النضال ليمارس كتابة الروايات، وهي مهنة جذابة للرجال (النازكين) وللنساء الباحثات عن الشهرة والمجد المعفر بالتنازلات لأصحاب دور النشر والنقاد. لكن إياد سعيد ثابت ذهب أبعد. فلقد كان العراقي الوحيد الذي جمع عدداً من العراقيين واستأجر لهم طائرة (جارتر) أقلتهم إلى طهران، وهناك وضعوا أنفسهم تحت إمرة الحرس الإيراني ليقاتلوا معهم جيش العراق… لكنّ حراس الثورة ما لبثوا أن طردوا هذا المتطفل فماذا يفعل؟..لكن إياد سعيد ثابت لم يستحي، بعد كل هذا،من أن يعود للعراق، وأن يقابل صدام حسين عدة مرات، وأن يلتمس منه العون في تمويل مشاريعه الإعلانية، حتى أنه طلب منه ذات مرة مئة ألف دولار لتمويل أحد إصداراته، وكان جواب صدام، وعن صدق، أن البنك المركزي ليس فيه مئة ألف دولار]……ها عبدله عبودتي …التكملة غدا..انتظرنا….
[email protected]