برغم البعد الزمني الذي يفصلنا عن ايام الزعيم عبد الكريم قاسم ، فان بعض السياسيين مازلوا يتحسسون من الرجل كلما ذكُر اسمه ، بل يحاولون قدر الامكان تجاهله بطريقة ما . لماذا يلجأ هؤلاء الى اعتماد هذا السلوك ؟ من خلال تصفح سيرة بعض السياسيين نجدهم يصابون بنوع من الهستريا ودوران الرأس لانهم لم يستطيعوا ان يكونوا بقدر حب الناس للزعيم من الذين عاشوا ايامه القليلة، بل ان انهم اورثوا هذا الحب الى الاجيال اللاحقة التي لم تسمع من الاجداد والاباء سواء كلمات الثناء على رجل احب العراق واحبه العراقيون . اذاً اصبح عبد الكريم مرآة كاشفة كلما نظر اليها بعض السياسيين وجدوا انفسهم من اصحاب الشعارات وعشاق الكراسي . الناقمون على قاسم نوعان : بعضهم من عاصره لم ينكروا وطنيته ولكن شككوا في تصرفات الى قادت البلد الى الحكم الفردي والعسكرة والقضاء على الانفتاح الاقتصادي الذي كان يعيشه العراق في الزمن الملكية . اغلب اصحاب هذه الرؤى ينطلقون من نظرية طبقية للامور التي يشم منها رائحة البرجوازية التي تحكم سيطرتها على الاوضاع وتوزيع الثروات على اساس غير عادل . اما النوع الاخر فهو يملك روح انتقامية لكل ما هو وطني ويحاول ان يسلبه انجازاته التي حققت في ظرف قياسي وهو يقارن بينه وبين قاسم فلا يجد اوجهاً للمقايسة بين الاموال والامتيازات الضخمة ومن لم يملك بيتا وقضى مدة حكمه في غرفة بوزارة الدفاع. وهكذا اصبح عبدالكريم قاسم جهاز كشف عن الوطنية لان جميع الذين يحاولون يشوهون صورته بمجرد تغاضي عن انجازاته التي قدمها للعراق هم من المشكوك في وطنيتهم وعراقيتهم لان قاسم قدم نموذجاً حياً للمقاييس الوطنية المجردة عن بهرجة السلطة لدرجة يحسده الاعداء قبل الاصدقاء عن الصوفية التي كان يعيشها . لم يمارس قاسم الوطنية على نوع من الترف السياسي لاجل تحقيق مكاسب وقتية ولكن الرجل تجرد عن الماديات ليهيم في عراقيته التي وجدها في المواطن الفقير . هناك حقيقة غابت بل يحاول البعض تغييبها انه من السهل ابتكار ادوات الكره وزرعه في نفوس الاخرين ولكن من الصعوبة بالامكان ايهام الغير بالحب لان الاخير لايأتي الا عن قناعة ذاتية يجب ان تتوفر فيها مقدمات هي قد تكون خارجة عن العنصر المادي .وعندما تحب شخصا تفصلك عنه مدة زمنية بعيدا عن رغبة الفائدة والمصلحة الانية التي تسير اغلب العلاقات اليوم ،فان ذلك قمة الانصهار الروحي .