امضيت عمرك بين الطرس والقلم يا شيخ عباس حتى ذبت في الكلم
لله درك من معط بلا كلل رغم العقوق ومن معط بلا ندم
آثرتنا النبع سلسالاً على عطش وانت مغتبط ياشيخنا وظمي
ياترجمان وياخِلّي ليوجعني ان البناء لحد الآن لم يقم
وان عصبة جهل تدعي ورعاً باتت تزايدنا في الدين والرحم
واحكمت طوقها في اي منزلة حتى اعتددنا المَلَا في أسوأ الأمم
ان الغريب وقد ملت اقامته أرض السواد يديف السم بالدسم
حبا العراق احتلالا فابتلي عنتاً من طامع الغرب او من طامع العجم
كأنه وابتداء العهد من صنم يمضي بأوزارٍه الكبرى الى صنم
هل كرم البلد المسبي فارسه يابنَ التَّرِجمْانِ والتكريمُ للقيم
كنت وأنا صبي معجبا بأعمال فنية بهيئة لوحات تشكيلية غريبة !! تتوفر على تشكيلات لونية من رسومات مترسبة في الذاكرة النجفية تتعامل مع الحرف العربي بحساسية جمالية عالية تخلب لبي وتجتذبني بحيث اقف أتأملها ملياً بما يشعر من حولي انني صبي أتنطَّع وإلا فما معنى ان اقف مذهولا امام تظهير آية الكرسي من خلال عدة خطوط عربية ! تارة تكون الحروف دالة على نفسها بنفسها وتارة تكون الحرف مفتقرة الى نظرة تمزجها بصور ورود او عصافير او زخرف وتارة تقترب الحروف منا لكي تدعنا نشهد خلفيات لها حاذقة الدلالة عالية الجمالية من نحو ان يكون البحر خلفية للحروف او الجبل او الاوراق والزهور او النجوم ! او السجاد الريفي البدائي ! كنت مكتفيا باعجابي فالعمل مدهش وهذا كاف لكن الباعث على فضولي لمعرفة الفنان هو مشاهدتي احيانا نسختين لصورة حية واحدة مرة بتوقيع الترجمان او عباس الترجمان ومرة بتوقيع مشكين قلم ! وسألت صديقا يكبرني بالسن والتجربة عن الفرق بين هذين الاسمين ؟ فاجابني مترددا ( اعتقد ان مشكين قلم هو عباس الترجمان نفسه ! ) واردف انتظرني سوف اسأل لك فنانا نجفيا معروفا يخط ويرسم ويبتكر هو المعلم هادي مواشي ! لكن الصديق لم يف بوعده ! ومع ان الاستاذ هادي مواشي كان معلمي في مدرسة الغري المسائية الابتدائية بيد انني لم اسأله عن هذه الاشكالية ! و علمت ان بعض النجفيين مقتنع ان مشكين قلم هو عباس الترجمان نفسه ! ومازلت انتظر حتى يومي هذا من يوضح لي اللبس بين الترجمان ومشكين قلم !! وكان عباس الترجمان قد جعل مكتبه في الطابق الثاني من خان متاخم لخان السيد هاشم الشريفي المشهور بسيد هاشم الرادود وهو والد السيد صاحب والسيد هادي والسيد احمد ! وموقعه في بداية السوق الكبير على الجهة اليسرى من الداخل اليه جهة الميدان متوجها الى الروضة الحيدرية الشريفة ! وقد دفعني الفضول مرة وصعدت الى الطابق الثاني لارى مكتب عباس الترجمان وكان لي ما اردت فدخلت وسلمت عليه وعرفته بانني ابن السيد علي الصائغ واخ السيد جبر الصائغ ابو فاضل والسيد محمد الصائغ ابو حميد والسيد كاظم الصائغ ابو عدنان وكان هؤلاء الثلاثة نجوما نجفية ولكنهم يحتكرون تجارة الذهب والمجوهرات يشرف عليهم الوالد مباشرة فاذا انتهوا من الصياغة ذهبوا الى منطقة البحر للصيد فضلا عن روحهم الاجتماعية اقول هذا لِأُسْكِت نشيجا في نفسي ( !! ) وحقا رحب بي الترجمان الوسيم واوصى لي على قدح لبن من خلال ارسي كبير في مكتبه يطل على السوق الكبير اطلالة موازية كما يطل على سوق الصفافير والكَواني معا ( اكياس الجوت ) اطلالة التقابل !! اشر للبائع بيمناه ففهم اشارته وجيء لي بلبن معتق عبق بعبير النعناع الطازج من المحل المقابل للخان وصدقاً استمتعت باشياء كثيرة منها اللوحات داخل مكتبه ومنها شخصية عباس الترجمان الرجل الوسيم ذو البشرة الذهبية والعينين الصفراوين الكبيرتين النفَّاذتين ! سألني عن اخوتي الثلاثة من السيدة الزرقاء بنت محمد حسين زيارة ال بو اصيبع ؟ فأجبته واطلت في الإجابة ! فابتسم حياء وهو يتابع حملقتي في ملامحه وانبهاري بشخصيته ! وقال لي سيدنا ليش ما تحضر مجالسي انته وربعك حتى لو كانوا بعمرك ! وهتفت غير مصدق ان مثله يكلم مثلي : اي مجالس شيخ عباس ؟ فقال مجالس الحسين تعال بكرة راح اقرأ في خان السيد هاشم الشريفي (الرادود) وانت تعرفه حسب علمي انكم جيران بيت بصف بيت ! وهكذا كنت في اليوم الثاني والساعة الموقوتة جالسا وربعي تحت المنبر ولصقه وحين دخل الشيخ عباس الترجمان خان السيد هاشم مهاباً محبوباً فاستقبلته الناس بالصلوات ! ولم اكن في زيارتي لمكتبه في الطابق الثاني من خان بيت الإسكافي قد قدرت عمره ودققت ملامحه كما تنبغي الدقة لكنه الساعة يبدولي فتى في الثلاثينات من عمره وسيما مشربا بماء الذهب وهاهو يرتقي المنبر بتؤدة وثقة وخشوع واتذكر تماماً ان الترجمان قد أنشد قصيدة بين اللغة الشعبية والفصحى ! نعم واتذكر تماماً ان الشيخ الترجمان قد بهرني بصوته الرخيم ذي التطريب العالي والمساحات النغمية المتراكبة فهو في تأدية نغمة القرار مثله في تأدية نغمة الجواب نعم بهرني هذا الترجمان الجميل كما بهر كل الحضور !! وها انني استرجع في ذاكرتي المطلع بل اتذكر تلك الهنيهة واستخدم خبرتي الموسيقية لأقول ان المطلع بدأ بحرف النداء معنى وهمس الصوت ايقاعا ليتصاعد الصوت من التخفيت الى التصويت وفق تصاعد المعنى فجملة يامعبود في الدلالي المعنوي متماهية مع الجمالي النغمي لتنهي الى المتلقي افتتاحية تمهد لعرض مدوٍ ! جملة يامعبود القصيرة ليست بذات دلالة حين لايلتحق بها ما بعدها والجملة اللاحقة الطويلة تفك التعطيشين النغمي والدلالي ! فعل طلب ومفعول به وعطف ومضاف اليه :
يامعبود …… عَجِّلْ فَرَجْ والينَ ( والينا اي مولانا )
يمته ايعود طالت الغيبة إعلينَ ( يمته تعني متى إعلينَ تعني علينا )
واعود الى المطلع لان محللي النص متفقون على ان المطلع فضلا عن جانبه الإبهاري المستفِّز فهو اشارة نابهة الى مسلسلي المعنى والنغم فالمطلع مثابة التحرير الذي يضع الجمل الموسيقية على المقام الذي ستبني عليه اللواحق من المقطعات النغمية
يا/ مع / بو/ د = مف ( سبب خفيف )/ بو ( سبب خفيف ) / لا ( سبب خفيف ) / ت ( نصف السبب الثاني )
عج/ جل / فرج = مس ( سبب خفيف ) / تف ( سبب خفيف ) / علن ( وتد مجموع )
وا / لي / نَ = مف ( سبب خفيف )/ عو ( سبب خفيف ) / لُ ( نصف السبب الأول )
والحال إياه مع البيت الثاني من المطلع ( يمته ايعود طالت الغيبة عْلينَ ) بفارق التصعيدين العنيفين النغمي والدلالي وقراءة تاء الغيبة المربوطة مخففة بحيث تتماهى مع فتحة الباء حتى يتم التدوير الموضعي هكذا ( غيبَعْ + لينَ ) !
هذا الشغل الجمالي من حيث المعنى والنغم ينظر اليه محللو النص كنظرتنا الى طرفي المقص فلا فعل لطرف دون ثان ! والمواهب الكبيرة تخلق الأعمال الكبيرة دون عناء ! ورحم الله المتنبي الكوفي ( أنام ملْ عيوني عن شواردها ويسهر الخلق جرَاها ويختصم ) ! .
واتذكر ان الترجمان الكبير حين طلب اليه تسمية شاعر القصيدة غب عبارات الاستحسان أجاب بنبرة زهو مع تواضع : انها للمنبر اي لمن يقف امامكم على المنبر يريد لعباس الترجمان !! فشعراء اهل البيت لايقولون للسائل ان القصيدة لي وإنما يكنّون بقولهم للمنبر ! ولاحظت الشيخ الترجمان وهو ينشد يرمقني بنظرة عاتبة ربما لأنني لم الطم مع جمهوره وكنت صغيرا على اللطم وحين كبرت واشتد عودي لم اجد في نفسي ايما تسويغ لهذا الطقس السوداوي ! وإذا نزل الترجمان اتجهت نحوه بكل فرحي وزهوي مصافحا ومستحسنا وهش بوجهي رحمه الله وبش !! ومنذ ذلك اليوم اصبحت معرفة بالنسبة الى علم كبير من اعلام النجف وهو الشيخ عباس الترجمان !
النجف تنشغل دائما بمشاغل خطيرة لها بداية وليس لها نهاية !! مرة بالعدوان الفرنسي الاسرائيلي البريطاني على الشعب المصري الحبيب وخروج المظاهرات الصاخبة وسقوط عدد من الشهداء والجرحى كان ذلك في نهايات سنة 1956 واخرى شغلت بحلف بغداد وشغلت بعده بالاتحاد الهاشمي بين المملكتين العراقية والاردنية وشغلت كثيرا وطويلا بالثورتين الفلسطينية والجزائرية ! تصاعد مد الثورتين وتزايد اعداد الشهداء فمظاهرات تستنكر حلف بغداد وتستهجن الاتحاد الهاشمي ومظاهرات تعزز ثورة الشعب الجزائري والشعب الفلسطيني ! ولم تكد النجف تلتقط انفاسها حتى حدث انقلاب 14 جولاي تموز 1958 وعند هذا اليوم وبعده انقسم المجتمع النجفي للمرة الاولى بين مؤيد للوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة ( مصر وسوريا ) وبين مؤيد للاتحاد الفيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة ! فضلا عن انني غادرت النجف عام 1958 لاداوم في دار المعلمين الابتدائية في الاعظمية ! ولم اكن ازور النجف الا خطفا للوقت ! وفي الستينات من القرن العشرين كنت معلما في مدرسة المراشدة الابتدائية الملاصقة لحدود السعودية والتابعة اداريا للحيرة ومقيما في شارع المدينة بالنجف ! وحين اسسنا ندوة الآداب والفنون المعاصرة ( عبد الاله الصائغ موسى كريدي موفق خضر جاسم الحجاج زهير الجزائري عبد الامير معلة زهير غازي زاهد ) حملت بنفسي دعوة جماعة الندوة الى الشاعر عباس الترجمان موقعة باسم اللجنة التحضيرية وتمنيت عليه رغم مشاغله الكثيرة تلبية دعوتنا لكي يعزز مشروعنا الشبابي الحداثوي فوعدني خيرا وسألني عما اعرفه عن بعض الاسماء غير المعروفة من ندوة الآداب والفنون المعاصرة فاوضحت له ما استغلق ! وحقا وَفّـى الترجمان بوعده لي وزار اول امسية تعقدها ندوتنا في القاعة الكبرى لاعدادية النجف ! وكان عريف الحفل المرحوم حميد فرج الله فبادر من جهته ليعلن وصول الاستاذ الترجمان المهيب الى الامسية ورحب به اجمل ترحيب وافردنا له مكانا في الصف الامامي فاعتذر بابتسامة ذات معنى وجلس في الصف الرابع ! وقال لنا بعد انتهاء الأمسية بارك الله فيكم ياشباب لايفتّ في عضدكم مايقوله المتزمتون عنكم ! جددوا في الادب فالشعر النجفي دعا للتجديد لكنه لم يجدد لغته واساليبه ! ياشباب تذكروا جيدا انكم في مدينة مقدسة اسمها النجف الاشرف وليس من الحداثة في شيء الاساءة الى تراثها ورمزيتها ! .
وحين دشنت حكومة البعث الصدامي مشروع تسفير العراقيين غير الموالين للبعث او غير المرغوب فيهم سفرتهم الى ايران وجلهم عرب اقحاح ومن لم يرغب بإيران يسفر الى الاردن ! وقدخسر العراق وقتها خيرة علمائه ومبدعيه بتهمة باطلة ظالمة وهي التبعية الايرانية ! وكان فيمن ارغموا على مغادرة العراق – كما يبدو لي – الشيخ الخطاط الرسام الرادود الشاعر الملحن عباس الترجمان ! فهل أمضى عباس الترجمان يندب ليالي غربته الطويلة باكياً الاطلال والحظ ! ربما فعلها مرة او لم يفعلها ! ولكنه كمفكر ثاقب النظر قرر استثمار غربته القسرية في اكمال مشواره الاكاديمي فهو سليل اسرة علمية وكان ابوه يتقن قراءة اللغات العربية والفارسية والانجليزية والكوردية والهندية وكتابتها فكانوا يسمون محليا بيت الترجمان ثم شاعت التسمية ! ولم ينس الترجمان المبدع فنه فمارس الخط والرسم في ايران كما انه لم ينس كونه قارئا حسينيا فكانت المواكب والمآتم تتنافس عليه بسبب صفاته التي حببه للناس ! واتخذ لغة الشعر الملحون ( فن غير فصيح اصله اندلسي ) والملحن سبيلا لأدائه ! ولكن دعونا نقبس شيئا من ذُكاء سيرته العبقة الزاخرة بالمجد والتطلع العلمي : هو عباس بن شيخ علي الرادود بن الشيخ حسين المشهور بالترجمان لاشتغال جده وابيه بالترجمة ! اطلق صيحته الاولى وفتح عينيه في مدينة كربلاء وبيت مزدان بالريازة والقاشاني ! كان ذلك ربيع عام 1925 وهو عام البركة كما يسميه مؤرخو الفن ولابداع فمعظم المبدعين العراقيين الرواد شعراء ونحاتين وتشكيليين ومسرحيين وموسيقيين ولدوا هذا العام او قبله بعام او بعده بعام ! بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وجواد سليم وجواد علي وعلي الوردي وحقي الشبلي وبلند الحيدري …..
دخل دورة الكتاتيب التي تدرس الابجدية العربية بطريقة عثمانية وتعلم القراءة والكتابة واختتم القرآن استظهارا رغم يفاعته ! فعمل له احتفالية فرح بالمناسبة ! وشيخه هو موسى الدبستاني وكان أديباً ألمعياً وشاعراً باللغة العربية والفارسية ودخل عباس الإعدادية وتخرج فيها تلميذا متفوقا بيد انه شغل بالحياة ولقمة العيش والمساهمة في جمعيات التجديد النجفية التي قادها بجدارة الشيخ محمد رضا المظفر ! وحين افتتح المظفر نور الله ثراه اول كلية شيعية تتبع المناهج العلمية الحديثة بما يعدل وحدات البكالوريوس في اي جامعة رصينة في العالم هرع عباس الترجمان ليلج الباب الذي فتحه رواد التجديد في الدراسات الدينية وقبل في كلية الفقه بمدينة النجف الاشرف ومع انه نال شهادة البكالوريوس بامتياز عال الا ان الكلية لم تشغله عن الشعر والقراءة في المجالس الدينية افراحا واتراحاً ولم تنسه الموهبة في الخط والرسم ! وحين اضطر الى مغادرة بلده العراق كان يحمل معه شهادة بكالوريوس من كلية الفقه فاشتغل بها مدرسا وموجها وكان يتقن عددا من اللغات مثل الفارسية والتركية والكوردية والاوردية والفرنسية وقد ترجم من هذه اللغات واليها ويكتب الشعر بالفصحى والعامية مرة بالعربية ومرة بالفارسية !ثم انصرف الى الانخراط في الدراسات العليا ليحصل على الماجستير من كلية الدراسات اللاهوتية في طهران العاصمة بتقدير امتياز مع التوصية بطبع اطروحته لينتفع منها وبها الباحثون ! ولم تكن الماجستير لتطفيء الجذوة الاكاديمية في روح عباس الترجمان فشد الرحال الى القاهرة ليسجل موضوعه للدكتوراه في قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الانسانية ! وكان موضع اعجاب حقيقي من لدو اساتذته وقد توسموا فيه نبوغا بلا حدود !! .. كتب العلامة الكبير البروف شوقي ضيف ديباجة اهداء على كتابه العصر العباسي الاول ( صديقي تلميذا وزميلا الاستاذ عباس علي الترجمان ! ليس من طبعي ان اهدي كتبي حتى الى اعز الناس الى نفسي وإذا صادف وان اهديت كتابي فلن يسوغ لي ذلك كتابة اهداء بخط يدي ولكنني خالفت طبعي لأنك خالفت صورة الباحث المألوف في ذهني بفكرك وعلمك ودابك وصبرك ! كم اتمنى ان تتوفر بين يديك السوانح لإغناء المكتبة العربية بالجديد والجاد فبورك لك في همتك وجهدك واجتهادك . شوقي ضيف المنيل القاهرة ) .لكن الحظ الاكاديمي شاكسه حين دب الخلاف بين ايران ومصر فقررت مصر حرمان الطلبة القادمين من ايران حقهم في الدراسة ! فحمل الترجمان اطروحته الكاملة وعاد مقهورا الى ايران وبتوفيق من الله نوقشت الاطروحة في جامعة طهران ونال عباس الترجمان الدكتوراه بتقدير ممتاز وهكذا هي همم الرجال التي تحاكي شموخ الجبال !
وجميل ان اقتطف ( بتصرف ضئيل ) حديث الاستاذ عباس الترجمان الذي ادلى به في طهران للاستاذ أحمد الكعبي الطويرجاوي ضمن لقاء نادر ومهم معا في مجلة المفكر العدد ( 18 ) ص 107 جمادى الأولى جمادى الثانية 1428 هـ واقول للاستاذ احمد الكعبي الطويرجاوي جزيت خيرا عن العلم والعلماء بهذه المقابلة النادرة التي لاتقدر بثمن (( .. ولدت في مدينة كربلاء المقدسة يوم الخميس الثالث من جمادي الأولى في عام ١٣٤٤ هـ الموافق للعام ١٩٢٥ م وبعد أربعين يوماً من ولادتي عاد والدي إلى النجف الأشرف، المدينة المحببة إلى نفس والدي ونشأت في شعر وأدب وفي مدينة علم وثقافة وقد كان والدي شاعراً عارفاً له موسوعة شعرية ودواوين كبيرة في أهل البيت باللغات العربية والفارسية والتركية والهندية تربو على خمسمائة ألف بيت،وكما كان يجيد اللغة الكردية والفرنسية وجاءت شهرتنا نحن أبناؤه بلقب الترجمان كما أن أخي عبد الأمير كان أديباً وشاعراً وفناناً ! بدأت دراستي الأولى منذ نعومة أظفاري عند الشيخ موسى الدبستاني وكان أديباً ألمعياً وشاعراً باللغة العربية والفارسية وختمت القرآن على يده وأقيم احتفال بمناسبة ختم القرآن وختاني كما هي العادة المتبعة في مدينة النجف الأشرف، وبعد أن أغلقت الحكومة العراقية المكاتب الأهلية للتعليم دخلت المدرسة الابتدائية وتخرجت منها بنجاح وتفوق ثم بعد سنتين دخلت ثانوية الشرافة في بغداد ولصعوبة الحالة الاقتصادية وخشية والدي علي من الانحراف في بغداد عدت إلى النجف وتركت الدراسة،فأدخلني والدي الدراسة الحوزوية، كنت قد اكملت البكالوريوس في النجف والماجستير في طهران وكان مقدرا لي ان انهي الدكتوراه في مصر الا ان العلاقات المصرية الإيرانية ساءت جداً، وعلى كل حال عدت إلى طهران بخفي حنين.وقدمت شكايتي إلى وزارة الثقافة والتعليم العالي آنذاك، وبعد المعاناة طوال سنتين وافقت الوزارة بتصريح خاص وحولت إضبارتي إلى جامعة طهران لمناقشة الرسالة وحزت على شهادة الدكتوراه في النحو والصرف والعروض والحمد لله.بعدها مارست التدريس في جامعات طهران.
مؤلفاتي على ثلاثة أقسام: الاول وهو التأليف باللغتين العربية والفارسية، نثراً.
الثاني وهو الترجمة: باللغتين العربية والفارسية، نثراً وشعراً.
الثالث وهو الشعر باللغة العربية ويكون على ضربين اللغة الفصحى واللهجة العراقية الدارجة ثم الشعر باللغة الفارسية.وهي تربو على خمسين كتاباً وهذا من فضل ربي وله الحمد.كما إني أرى نفسي بفخر وشرف أقل وكل أمنياتي أن خدام أهل البيت وان أجاور سيدي ومولاي أمير المؤمنين وما ذلك على الله بعزيز.إ . هــ )) !!
ثمة كرامة للشيخ عباس الترجمان تحدث عنها مدير مستشفى الفرات الاوسط في الكوفة ! نوردها على هذا النحو : قطعت الفحوصات على جسد عباس الترجمان انه مصاب بالسرطان منذ فترة دون ان يدري مما جعل هذا المرض الفتاك ينتشر في جسمه ! واعتبرت حالته من الحالات الميؤوس منها طبيا ! وقد طلب اليه المقربون ان يكتب وصيته وان يرضى بقضاء الله وقدره ففعل بهدوء عجيب ! وكان يصلي صلوات الاستغفار واستقبال الموت ! فضلا عن ان النحول جعله صورة لهيكل عظمي مكسو بالجلد لكن ابتسامة الثقة والرضا لم تفارق وجهه الكريم ! وفي ذات ليل شاهدا حلما واضحا حيث شاهد نفسه يطير بجناحين ليزور الحسين وقد عاتب الحسين قائلا : يا ابا عبد الله الحسين تعلم انني خادمكم انتم اهل البيت وقد وقفت علمي وجهدي للمنبر الحسيني ! فلماذا تتركني وحيدا مع السرطان ؟ ثم شاهد الحسين بهيئة شبح ضوئي وقال له لاتثريب عليك ياعباس فالشفاء من الله وانه شافيك بعزته وجلاله ! فاستيقظ عباس الترجمان واستغفر ربه وصلى لله صلاة الشكر ونادى على الطبيب فجاءه للتو وابتسم في وجه الطبيب قائلا لقد شفاني الله من السرطان ببركات سيدنا الحسين ! فاشفق عليه الطبيب معتبرا كلامه شيئا من الهلوسة التي تعتري المريض حين يعرف انه ميت لامحالة ! لكن الفحوصات اللاحقة اثبتت انه بريء من اي مرض وان لاوجود البتة للسرطان ! فجاء مدير المستشفى الدكتور الشهرستاني وهو غير مصدق وقد طلب الشهرستاني من الشيخ الترجمان ان يمسح على شعره تبركا ! وهكذا خرج الشيخ عباس من مشفى الفرات الاوسط في يوم كوفي مشهود حيث الهوسات والزغاريد والتكبير وحمل عباس الترجمان على الاكتاف ! كان الترجمان يروي هذه الكرامة باعتزاز كبير !! . وإذا كنت قد امضيت ثماني سنوات استاذا في جامعة الفاتح طرابلس ليبيا فقد شاءت الصروف ان يفحم المشرف الدكتور المهدي امبيرش وترد رسالة تلميذه الطاهر محمد الطاهر من مصراتة مع ان المشرف اكاديمي رصين والطالب عقلية ممتازةوكان المشرف يشغل منصب ( سفير ليبيا في ايران وقتها ووزير التعليم العالي بعدها ) والطالب عقلية فذة وهو في الاصل مهندس وكان موضوعه في بدر شاكر السياب ! وحين اشتجر الجدل بين المشرف وخصومه وكان في اغلبه حساسيات شخصية او سياسية قدم المشرف والطالب طلبا الى رئيس الجامعة مؤداه الاحتكام الى طرف ثالث غير ليبي ذي اهلية ومروءة ترتضيها الجامعة ! فزارني العلامة الصديق البروف محمد مصطفى بلحاج عضو مجلس الجامعة في سكني بالبراكات الجامعية وعرض عليَّ ان اكون حكما اكاديميا بين المهدي امبيرش وخصومه ولسوف يكون رايي قاطعا غير قابل للطعن او الاستئناف اما لصالح المشرف والاطروحة واما لغير صالحهما وحين وافقت على التكليف الرسمي سلمني الاطروحة ومضى الى حال سبيله !وكان واضحا ان حوارا دار في مجلس الجامعة وربما عرض ابن الحاج فكرة اختياري حكما مع انني مازلت طريا في عملي الذي ابتدأته منذ شهرين ! وحكمت بما يرضي الله ومروءتي الاكاديمية وتشكلت لجنة مناقشة برياستي وعضوية الدكتور نوفل نيوف (من سوريا الشقيقة اعلامي وشاعر معروف ) وعضوية المشرف الدكتور المهدي امبيرش وقد ابلى الطالب الطاهر محمد الطاهر بلاء حسنا في الدفاع عن اطروحته واختلت اللجنة لتمنح الطالب درجة الماجستير بتقدير ممتاز ! عندها صارت لي دالة على الدكتور المهدي امبيرش وبتنا امبيرش وابن الحاج والطاهر والصائغ اصدقاء نجتمع كلما عاد امبيرش من طهران ! وذات مرة قال لي امبيرش دكتوراتفضل اي انا مستعد لتقديم اية مساعدة لك ! فقلت له جاء عرضك الكريم في وقته ارجوك سجل هذه الاسماء لديك واريد منك عناوينها في ايران ومازحته بمقطع من مسرحية شاهد ماشافش حاجة مع شيء من التحوير ( هو آني اعرف عناوين اصدقائي اكثر من اللجان الثورية الليبية ) فتبسم لكنه استثقل مزاحي فهو من ابرز اصدقاء معمر القذافي رئيس ليبيا الهالك وقال لي ستكون العناوين معك قريبا ان شاء الله ارسلها لك بالبريد الدبلوماسي على صندوق بريدك وحقا وصلني بريد الدكتور امبيرش من طهران فيه عناوين المحبين من اقرباء واصدقاء بالتفاصيل : اتذكر منهم الشيخ عباس الترجمان واولاد الصديق البروف زهير زاهد وهما المحروسان فرزدق وفراس والسيد مسلم الجابري والشيخ محمد رضا ال صادق والسيد مسلم الحسيني الصائغ وينبغي هنا ايضا ان اقر بفضل الزميل الدكتور صبيح التميمي فقد اوصل إليَّ عناوين الاحباء الشيخ محمد رضا آل صادق والسيد مسلم السيد طاهر الحسيني فتراسلت مع الجميع وفق عنواناتهم وعلى عمود هذه السيرة العبقة الدكتور المفخرة العراقية عباس الترجمان وقد كانت رسائله لي على قلتها واختصارها لوحات فنية وتوقيعات بلاغية وقد باح لي مواجع شخصية سببها حسد الفاشلين وصغائر العاطلين وطلب لهم المغفرة كما طلب مني الاكتفاء بالمعلومة دون نشرها فهو لايريد ان يشهر بخصومه الذين نغصوا حياته في العراق حين كتبوا التقارير ضده وشككوا بعراقيته ! وتابعوه وهو في ايران !1 ولاحقوه وهو في القاهرة ! حاربوه ايضا في رزقه وولائه ومع ذلك غفر لهم ولم يشأ ان ينشر شيء ضدهم وحين قلت له اذا كنت لاترغب في ان انشر ما اقترفوه بحقك فلماذا تكتب ذلك لي وتصارحني به ؟ فأجابني انها نجوى بين صديقين وفضفضة ما في الصدر !! فليرحمك الله ياعباس الترجمان سفيرا لمدينتك النجف وليرقق الله قلوب اللجان الوفيرة الرسمية وشبه الرسمية والشعبية وهي تتهيأ لتعصيم النجف ثقافيا عام 2012 حتى يتذكروك ابنا بارا للنجف من جهة وللعراق من جهات ! وللفن البارع المبتكر !
وبلغني من بعض العراقيين المعنيين بالترجمان الكبير ان الشيخ الترجمان سجل بصوته تسجيلات كثيرة بينها التجويد او التلاوة او التضرع في الدعاء او الأذان للاوقات كافة او الغناء التقليدي او المقامات او الفن الغرناطي والمالوف ! وكان في كل ذلك مبتكرا ولا ندري مصير هذه التسجيلات! مع ان اصدقاء ومحبي الترجمان قد جمعوا ما تهيأ بأيديهم من قراءات الترجمان واودعوها مروءة المحرك كَوكَل وتقنية اليوتوب ووضعوا جهودهم بين يدي المتصفح والباحث كما سمعت ان الشيخ الترجمان كان يغني في مجالسه مع خاصة خلانه وكان مجيدا الى درجة السلطنة وتفرد بمقام الدشت وهذا القول كنا نسمعه عن الشيخ كاظم القابجي وعبد الحسين حس الذهب وفاضل الرادود وليس ثمة ما ينفي هذه الاخبار او يعززها ! وكان الترجمان معجبا بالحالة الروحانية للقاريء عبد المحمد ( انظر ترجمتنا لنجومية عبد المحمد ) وكم مرة اجهش بالبكاء وهو يصغي بكليته للقاريء عبد المحمد ! وقد ربطت بينهما حميمية هي خلاصة الانتساب لقراء اهل البيت وصلة التلميذ بالمعلم ! وحين مات عبد المحمد جزع الترجمان جزعا شديدا وكتب فيه ثلاث مراث مؤلمة وقد كتب مقدمة للمرثية التي سنوردها يدفع فيها الترجمان تهمة المغالاة في عشق شيخه الفقيد عبد المحمد فالترجمان يقول ( … ربما من قرأ تقريضي هذا يراني مغالياً في هذه الشخصية الفذة في الولاء لأهل بيت النبي (صلوات الله عليه وعليهم) وأنا بعيد كل البعد عن الغلوّ ، ولكن ما قلته هو الحقيقة التي أشعرها وأراها جليّة في واقع المرحوم شيخنا (عبد المحمد الرادود) الذي كرّس حياته تكريساً في خدمة سادته وشفعائه حشره الله معهم في مستقر رحمته ورضوانه ورزقنا شفاعتهم بمنّه وغفرانه) إ . هــ
ما مات شيخي عبد المحمد
شعر عباس الترجمان
ما مات من يُرثى ويُحمد في الناس يا عبد المحمّد
فالذكرُ باق لا يزالُ على المدى والشخصُ يُفقَد
هذي أكاليلُ الشعور على مزار الشعر تُعقَد
هذي خمائل فكرك الوقّاد للروّاد مقصد
هذي لئالئُك اليتيمةُ أصبحت للفكر مشهد
في الجوهر المنظوم إذ جيد الزمان بها يُقلَّد
في خيمكَاه وغصة الـ شعر الذي جلَّى وقيَّد
قضيت عمرك مخلصاً متفانياً لبني محمّد
ما ضاع ما كرّستَهُ بولائهم والخير يُرصد
يهنيك إذ جاورتهم في الخُلد والعيش المؤبد
وسَعُدتَ يا عبد المحمّد بجوارهم في اليوم والغد
حصل الشيخ عباس الترجمان على الدكتوراه ادب عربي من جامعة طهران كلية الآداب وكان يتقن عددا من اللغات مثل الفارسية والتركية والكوردية والاوردية والفرنسية وقد ترجم من هذه اللغات واليها ويكتب الشعر بالفصحى والعامية مرة بالعربية ومرة بالفارسية !
انتج عددا من المؤلفات القيمة وقيل ان المطبوع منها بلغ 65 كتابا والمخطوط بلغ 30 كتابا ! فمن كتبه المطبوعة : اللحن في اللغة العربية / معاني حروف المعاني / دمعة الخليل / الشعلة الحسينية / الفتنة الكبرى / موالات الترجمان وابو ذياته / ديوان عباس الترجمان / معارف اسلامية / أحاسيسي في تخاميسي …
. جاء في أقباس الرحمن في الفية عباس الترجمان نظم الدكتور عباس الترجمان في النجف الأشرف :
بسم اللطيف أبدأ الألفية ففيه حسبي وإليه النية
الفية نظمتها في النجف لعلها تحسب لي في التلف
مصليا على نبي العُرْب والعُجْم في شرق الدنى والغرب
وآله المنتجبين النجبا رُقْيَتِنا التي تُدِيلُ الكُرَبَا
النجف الاشرف أمي وابي أكرم به عند احتدام النسب
موقعه في وسط العراق غرب الفرات مشرِقَ الرقراق
في ارض غربي جنوب الكوفة باسم الغري سابقا معروفة
في نجفةٍ شيد فوق الهضبة فالجو صاف والرياح طيبة
وأرضه الرملية المشرفة بالدُّر من رب السماء مُتْحفة
ينقلب الحصى بوادي النجف درَّاً شهيراً باسم درِّ النجف
جانبه فيه دلالة على زوالِ بحرٍ زاخرٍ فيما مضى
لأنه ينحدر انحدارا بعامل النحت الذي توارى
تصلُّب الطين على جوانبه دلالة النحت على رواسبه
معروفة هناك بالطارات كهوفها تعرف بالغارات .
عباس الترجمان
اما جانبه العائلي فلم نعرف سوى والده الحجة وجده الامام واخيه عبد الامير واولاده المحروسين عامر وجعفر ومحمد وصفاء ! اما عن السيدة زوجه فلاشيء البتة لكن اشارة ندت من الفنان الكبير صاحب شاكر على هذا النحو ( وداعا ياخال ) قد تجعلنا نطالب الصديق الفنان ان يتم فضله فيضيء جانبا مما يمكن نشره من حياة الترجمان الكبير العائلية !!
بسم الله الرحمن الرحيم
ياايتها النفس المطئمنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي
صدق الله العلي العظيم
بمزيد من الاسى واللوعة تنعى اسرة ال الترجمان فقيدها الراحل الاستاذ الاديب الدكتور عباس الترجمان الذي وافاه الاجل في دار هجرته في طهران صباح يوم 10/ 1/2008 م بعد معاناة طويلة مع المرض وسيوارى الفقيد الثرى في مقبرة وادي السلام في النجف الاشرف حسب وصيته
ابناء المرحوم خالص عبد الامير الترجمان
عامر.جعفر .محمد .صفاء
الدنمرك
[email protected]
كتب الشيخ الدكتور عباس الترجمان في رثاء الشيخ الرائد عبد المحمد وقد استبد بالترجمان الحزن على استاذه وشيخه فقال :
عبد المحمد بن الشيخ عبد علي الخطيب النجفي كان قلباً كبيراً نابضاً بالحبّ والولاء من أشهر مشاهير خدام سيد الشهداء أوفى بعهده حتى أُقعد فخدم سيده محمولاً على عربة ولم يهن ولم يضعف روحه الوثّاب إلى سماء الحسين (عليه السلام)حتى يوم الرحيل والالتحاق بركب الشهداء والصديقين من أصحاب ريحانة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في دار الكرامة عام 1389هـ .
منذ أن تطلّعت إلى المجتمع النجفي ـ الذي يمتاز عن سائر المجتمعات بمميّزات تخصّه دون غيره ـ منذ طفولتي ، حينما كنت أرتقي الأعواد منشداً مراثي أهل البيت (عليهم السلام) كان يطرق سمعي ذكر الشيخ «عبد المحمّد الرادود» ، بشيء من الاحترام والتعظيم ، ثمّ أخذت أتابع مواقفه في الصحن العلويّ الشريف ـ مهما أمكنني ـ معجباً بجرأته الأدبيّة ، وصوته الجهوريّ ، وشدّته في ذات الله ، وشعره في نصرة النبيّ وآله المظلومين (عليهم السلام) ، وثباته ودأبه في هذا المجال ، في موارد الأفراح والأتراح ، وكان لا يترك مناسبة إسلاميّة إلاّ واحتفل بها ، أو تظاهر بموكبه «موكب الشوشتريّة» في النجف الأشرف ، كلّ ذلك تعظيماً لشعائر الله تعالى ، وكان بعيداً عن الرياء والسمعة والتشريفات ، والمنافسات التي لا ترضي الله ، ولا يهتمّ بكثرة ا لناس أو قلّتهم في مجلسه ، فكان يؤدّي ما يراه لازماً من الإحتفال بمواليد المعصومين ووفيّاتهم وكراماتهم (عليهم السلام) ، وكذلك كان يكرّم العلماء ويجلّهم بمسيرة موكبه في رحلتهم إلى دار البقاء .
وكنت أوّل ما حضرت مجلسه ، وسمعت قراءته طفلاً صغيراً كان قد جلبني معه أخي الأكبر الشاعر الأديب «عبد الأمير ترجمان» إلى حسينيّة المرحوم الحاج خليل خادم الحسين (عليه السلام) ، المشهور «خليل كور» الذي كان أعمى ، لكنّه كان مولعاً بخدمة أهل البيت (عليهم السلام) وذلك بمناسبة كرامة ظهرت آنذاك للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا أتذكّر ماهيّتها الآن بالضبط ، واحتفل النجفيّون بهذه الكرامة الباهرة ، وزيّنت الأسواق ، وتليت القصائد والأناشيد في مدحه (عليه السلام) وذكر هذه الكرامة ، فارتقى المرحوم الشيخ عبد المحمد المنبر وأنشد قصيدته التي أحفظ مطلعها منذ ذلك الوقت ، وهو :
«يا حيّ أبو حسين السطع برهانه***أمست الشيعه بمعجزة فرحانه»
وكنت أتشوّق إلى إنشاده ; لأنّه كان يشدّ من يسمعه إليه ليتابعه ، وما ذلك إلاّ بسبب إخلاصه في عمله ، وبعده عن السمعة والرياء ، فكان خادماً واقعيّاً للإسلام وقادته ، وبعد أن تعرّفت عليه وتعرّف عليّ كان يوجّه إليّ نصائحه وإرشاداته بين الفينة والفينة .
وكان هذا دأبه في كلّ المناسبات ، لا يترك مناسبة دينيّة إلاّ واحتفل بها سواء في الأفراح أو الأتراح ، ولم ينقطع طيلة حياته ، حتّى مرض مرضه الأخير الذي توفّي فيه ، وعجز عن المشي ، وكان ملازماً لموكب الشوشتريّة ـ ولم يكن هو شوشتريّاً ـ ولقد رأيته آخره مرّة ، وهو محمول في عربة خشبيّة صغيرة ، يدفعونها في الصحن الشريف ، حتّى أصعدوه وأجلسوه على المنبر ، فأنشد مراثيه الشجيّة .
ولما كنت بعيداً الآن عن المحيط النجفيّ الفيّاض بالعلم والأدب لم أطّلع على شيء من نسبه ودراسته ونشأته الأُولى ، غير أنّه عبد المحمّد بن المرحوم الشيخ عبد علي الخطيب النجفيّ ، وأنه كان يقول لي ـ أحياناً ـ إنّ أباك أُستاذي ، وأنّه كان يمتهن الكتابة في بعض المحالّ التجاريّة ، ويقرّض الشعر .
ولقد كرّس المغفور له حياته في نصرة آل الله وآل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنشاءً وإنشاداً وخدمة ، وكان ملتزماً متبرّعاً بادارة حسينية الشوشتريّة الواقعة في زقاق «السلام» بمحلّة العمارة في النجفالأشرف ويقوم بتنظيمها وتنظيفها بنفسه ، وتضمّ هذه الحسينيّة مكتبة ضخمة عامّة تحتوي على كثير من المخطوطات ، فكان مخلصاً بخدمته لأهل البيت (عليهم السلام) ، وقد شاهد منهم (عليهم السلام)كثيراً من الكرامات ، منها ما نقلها السيّد عبد الحسين المعروف بالسيّد عبّود ابن المرحوم السيد علي الحسيني المعروف بـ «أرزون فروش» النجفي الساكن حاليًّا في مدينة قم المقدّسة قال : إنّ الملاّ عبد المحمّد قال لي ذات يوم : كنت مسافراً إلى مدينة الديوانيّة لقضاء بعض الأشغال ، وكان اليوم يوم الثلاثاء ـ وهو اليوم الذي كان يعقد فيه مجلساً في مسجد سهيل «السهلة» غربيّ مسجدالكوفة بما يقرب من خمسة كيلومترات ـ ولمّا أردت الرجوع إلى النجف ; لأذهب إلى مسجد السهلة ; لكي أُقيم المجلس الأُسبوعي هناك ، لم أحصل على واسطة نقل تنقلني من الديوانيّة إلى السهلة ، وقد قارب الوقت الغروب ، فبقيت مفكّراً في أمري ، وأنا واقف على قارعة الطريق ، وإذا بسيّارة وقفت إلى جنبي ، وقال سائقها : إركب يا ملاّ ، وقد فتح باب السيّارة ، فقلت له : أُريد الذهاب إلى النجف ثمّ إلى مسجد السهلة ، فقال : أدري .. ; إركب ، فركبت ، وسارت السيّارة ، وبعد قليل وصلنا إلى السهلة ، وأوقف السائق السيّارة عند باب المسجد ، فلمّا نزلت من السيارة ونظرت إلى داخل المسجد وإذا بالمؤذّن يؤذّن لصلاة المغرب ، وكنت أفكّر بما أعطي من أجر للسائق ، فالتفتّ فلم أرَ السائق ولا السيّارة .
ونقل الأخ طالب ـ جامع الديوان ـ بن المرحوم الحاج رجب التنكچي عن الشيخ صالح المجلسي أنّ الملاّ عبد المحمّد مرض مرضاً شديداً ، عجز عنه الأطبّاء ، فأخذ شيئاً من تربة الإمام الحسين (عليه السلام) وتوجّه نحو الحسين (عليه السلام)وطلب من الله الشفاء بواسطة هذه التربة الشريفة ، فشافاه الله تعالى ، وبرئ من مرضه ، ونظم قصيدته الموجودة في الديوان ، والتي مطلعها :
«تربتك يبن الزچيّه تربتك***أعظم دوه وبيها الشفه»
عباس الترجمان
وكتب صديقنا الفنان المبدع المعروف الاستاذ صاحب شاكر مرثية مؤثرة في الرابع من فبروري 2008 جاء فيها : عباس الترجمان وداعا يا خال بقلم صاحب شاكر
رحل عنا في المهجر القسري شاعر واديب المعي لوذعي له الكثير من الصفات والمؤلفات له في الشعر الشعبي والابوذيات والمواويل ودواوين ستخلد.. وفي القريض من الشعر ماكثر وتعدد..مؤرخ .. كاتب .. شاعر..و مترجم محقق في الكثير من الاسفار المنشوره وهو من جيل شاعر العرب وصديقه محمد مهدي الجواهري… عراقي ابعد قسرا في السبعينات من القرن الماضي لانه لم يرق لنظام ولى وانهار اختار بلاد فارس كملجأ أمن
عباس الترجمان عراقي اب لجد ولد في النجف الاشرف وابوه من ابناء الهنديه احد اقضية محافظة كربلاء المقدسه درويشا يحمل هم الفقراء علم ابناءه وبناته حب اهل البيت رسول الله الكرام ليكونوا خداما كل على طريقته وابوه عمل ايضا مترجما في خمسينات القرن المنصرم لبعض اللغات وزق العلم لابناءه في الشعر والترجمه ليصبحوا من بعده يعرفون بال الترجمان في النجف الاشرف وكربلاء …( عباس او الدكتور عباس الترجمان نال الدكتوراه من جامعة عين شمس المصرية وتخصص في علم الصرف والنحو في اللغة العربيه وكل الادبيات الشعريهة له مؤلفات متوزعة بين مصر والشام وتركيا وايران الا العراق فهو ممنوع عليه وعلى ما يكتب؟؟؟ قام بشرح وتحقيق كتاب المقتصد للجرجاني وترجم رباعيات الخيام من الفارسية الى العربيه وله كتاب حروف المعاني عند ابن هشام والرماني . وعمل استاذا في اختصاصه في جامعة طهران كاستاذ للغة العربيه …
واخيرا نظم قصيدة بخمسة الاف بيت من الشعر مادحا فيها ال بيت النبوه . غادرنا بالامس القريب في الثاني من شهر محرم الحرام الجاري … فحري بنا ان لاننسى ادبائنا ولتكن لنا في حقه كلمه عبر عراق الكلمه موقعنا الذي نتنفس من خلاله ولادبائنا وزملاءنا ننعى ابا علي عباس الترجمان وانا لله وانا اليه راجعون.
صاحب شاكر
اصدر عددا من الدواوين بالشعر العامي أو باللهجة العراقية الدارجة منها: ديوان الترجمان 1376هـ ـ الفاطميات العشر 1406 هـ, وملحمة شعرية بعنوان: الشعلة الحسينية 1392 هـ.
مؤلفاته: منها: معاني حروف الزوائد ـ المقتصد في شرح التكملة ـ دروس في فن الترجمة ـ القضاء في إيران.
عواطـــف إنـســــــان شعر عباس الترجمان
أقلِّب ليلي وهو فيما أرى العمرُ
وأسكب دمعي وهو فيما جرى شعرُ
على قَسَماتٍ جسَّمتها هواجسي
بشفرة آلام يكابدها الغير
أرى ما بعين الناس عنه تعامياً
وأسمع ما في سمع غيري له وَقْر
وهل يستريح المرء وهو معذّب
بإحساسه? كلاّ.. أفي ذلكم نُكر
تؤرّقُني منها الهموم تأثّراً
وليليَ هذا العمرُ والأجلُ الفجر
بلى أنا إنسانٌ أحبُّ لإخوتي
كحبّي لنفسي أن يكللها النصر
وأكره طبعاً ما لنفسي كرهته
لهم خشية من أن ينالهم الشرّ
بلى أنا إنسان بكل جوارحي
أشاطر إخواني إذا مسَّهم ضر
ولا أرتضي قطعاً مقولة قائلٍ
إذا متّ ظمآناً فلا نزل القطر
http://shia-torath.com/media/files/video/tarjoman-046.jpg
رحم الله شيخنا الدكتور الفنان الشامل الدكتور عباس الترجمان ذا المواهب الكثيرة وجزاه عن تعب الحياة والعصامية والغربة والطموح بل والاقتداء بأهل البيت خير الجزاء فقد كان فقده خسارة كبيرة للعراق والثقافة فما احوجنا في هذا الزمن الرديء الى امثال الترجمان يجمعون بين حكمة الشيوخ وحماسة الشباب في وطنية عراقية حضارية . .