التقيته سريعا واردت الاستفسار عن صحته واحواله، صديقي الذي يسكن في البلديات في بغداد، ويعمل مدرسا في اعدادية فيها، كان خائفا ومتوجسا، واراد ان يختصر كلماته معي، فسحبته من يده، وقلت له لنترك المكان، مابك صديقي، فقال: البلديات، سيارتان مفخختان حصدت ارواح الكثيرين، واوقعت الرعب في قلوب الكثيرين ايضا، استرخى قليلا، فقلت له: والآن اشلونك؟ فرد عليّ: اشلوني يمعود، وداعتك عايشين بالصلوات، قلت له وكيف ذلك؟ قال: لايخرج احدنا من البيت حتى يقرأ آلاف الآيات والمفخخات تتبعنا اين نرحل، اردت ان اخرجه من جو التفجيرات والخوف الذي بات في قلبه جراء الانفجار المزدوج الذي جرى امام عينيه، فقلت له وماقصة هؤلاء الذين يعيشون بالصلوات، فقال هؤلاء لايملكون شيئا سوى الصلوات، فقد حكي ان رجلا مرّ بمدينة كبيرة ، فدخل احد اسواقها، فرأى طعاما يباع، وكان الرجل جائعا، فسأل البائع عن ثمن الطعام، فرد عليه: بخمسين، فقال الرجل: خمسين شنو ، دينار ، درهم؟ فقال البائع: خمسين مرة تصلي على النبي!، فردد الرجل الصلوات واخذ الطعام وانطلق.
ثم انه دخل الى المسجد ليصلي، فقام رجل من المصلين، فقال: ايها المسلمون من منكم يزوجني؟ فقال له رجل من الجالسين: انا ازوجك ابنتي فلانة على مهر معلوم… قدره خمسمئة! وكان في المسجد مئة رجل، فصلى كل منهم خمس صلوات على النبي، فتزوجها، ولما عاد الرجل الى مدينته، جلس ليحدث اقاربه عن العجائب التي شاهدها في سفرته، فقص عليهم اخبار تلك المدينة وهو يقول: ماشفت مثل اهل هذه المدينة … عايشين بالصلوات.
ودعت صديقي وعدت اقطع الطريق بمفردي وانا اردد صدك احنه هسه هم عايشين بالصلوات، وقد باتت المفخخات تغزو مناطقنا السكنية، كنا نتحاشاها في الشوارع والاماكن العامة، وصرنا نجلس في بيوتنا خوفا من المفاجآت غير السارة، ولكن حرب الفلوجة جعلت المفخخات تدخل الينا الى البيوت، هل رأى احد من قبل مثل الشعب العراقي، شعبا يعيش بالصدفة، الصدفة فقط هي من تقوم بانقاذ انسان وتزهق روح انسان آخر، انها حياة لايحسد عليها احد قط حتى الاغنياء باتوا يعانون من اموالهم، وحين تسأله لماذا لاتغادر العراق، فيقول وهذه الاملاك لمن اتركها ومن هو الامين الذي استأمنه عليها، مايعني ان الجميع يعاني، حتى ملك الموت صار ملكا لايخبف احدا، فهناك المفخخات التي تخطف الروح بثانية، ومنظر رعب المفخخة يغني عن رؤية ملك الموت بجسده الاسطوري وشكله المخيف، للاسف ياصديقي تقاسمتنا الاهواء، فصارت اخبار الموت هي الاخبار الوحيدة المتوفرة، واوربا تخشى من تسرب الارهاب والطائفية الى مساحتها الخضراء الجميلة، فحاولت هي واميركا وتحاولان دائما تغذية مشروع الطائفة المظلومة والاقلية المسحوقة، فاستبدلت الشيعة بالسنة في مرحلتين مختلفتين، وانطلى الامر على الشيعة والسنة ، فانشأ الشيعة مليشيات واحتمى السنة بالقاعدة وداعش كرد فعل متوازن، وبقي الناس مشغولين بدفن موتاهم منهم من يدفن في مقبرة موحدة، لتصل القبور الى الملايين ولتتسع مقبرة وادي السلام في النجف لترتبط بكربلاء، ومنهم من يدفن في مقابر متفرقة ليكون الحال اهون بكثير، اما الفرح والغناء والمسرح والرقص والسينما فقد اختفت، ولم يعد اي واحد من الشعب متحمسا لحضور مسرحية او لسماع اغنية، حتى المتنبي وشارعه العتيد كان تعويضا عن شوارع ومناطق اقفلت بالكامل واسدلت عليها ستائر النسيان، من يعيد لنا حياتنا بعيدا عن العسكرة والموت والظلام، ربما تعود مع طاغية آخر غير صدام، ولو اني اخذت رأي الشعب لقالوا اهلا باي طاغية يخلصنا من هذا الموت والظلام ، لاننا نعيش بالصلوات.