23 ديسمبر، 2024 12:46 م

عاهة العراق!!

عاهة العراق!!

الواقع العراقي بتسلسل أحداثه وتطورها يشير إلى عاهة جسيمة تتوطن العقل العراقي الجمعي , ولا يمكن للأمور أن تستقيم إن لم تُواجَه هذه العاهة بحزم وإصرار على الشفاء منها.

وأول خطوة هو الإعتراف بالعاهة الجوهرية التي تلد متوالية من المعوقات السلوكية المساهمة في صناعة التداعيات.

ويمكن القول أن النرجسية صفة طاغية في المجتمع العراقي , إلى حد أنها تؤسس لإضطرابات سلوكية مروعة , وتقوم بدورها لإفشال اي حوار , وتحطيم أي منهج أو إنطلاق نحو هدف ما.

العراقيون وخصوصا المدعين بالقوة والسلطة والقرار , يتمتعون بنرجسية فائقة ومدمرة للذات والموضوع.

قد يقول قائل أن هذا تعميم وإتهام , لكن الأحداث السياسية المتوالية تؤكد دور هذا الإضطراب السلوكي في صناعة جحيم البلاد وتداعياتها المريرة.

العاهة النرجسية كامنة في الأعماق الجمعية وتتفاعل لصناعة رمزها وممثلها , الذي تضفي عليه ما فيها من التصورات والأوهام والفنتازيا حتى تتماهى معه.

ولهذا فأن أي حاكم عراقي يكون مصيره غير محمود , لأنه يتناغم مع الرغبات السرابية , والنزعات المنحرفة للطاقة الجمعية الضاغطة , والتي تغذي ما فيه من الكوامن النرجسية , وبهذا التفاعل المتبادل يصنع المجتمع رمزه , الذي يساهم في قتل المجتمع وتعذيبه , ومن ثم يسعى الجميع إلى نحره وتدميره , فتجد الحاكم العراقي ينتهي مقتولا ومهانا وممثلا به بعد موته.

وما تنبه لهذه العاهة جميع الحكام , وما تمكن واحد منهم أن يراها ويضع الأمور في نصابها ويقمع السلوك المعزز لها , لأنهم يسكرون بالمشاعر النرجسية ويتوهمون , ويزدادون إمعانا في وهمهم وتضخم ذاتهم ورؤاهم حتى لينفجروا , كما انفجرت الضفدعة وماتت , عندما توهمت بأنها ستكون بحجم البقرة.

ذلك أن التفاعل المتبادل مع الذات الفردية النرجسية والذات الجمعية النرجسية يحقق حالة غير واقعية , وتفاعلات ورؤى متبادلة غير منطقية لا تمت إلى الواقع بصلة .

فالنرجسية تعني الإنغماس في حب الذات والغرق فيها , حتى ليتحول المصاب بها إلى أعمى بصر وبصيرة , وتتحكم به عواطفه ونوازعه ورغباته , التي تمنحه لذائذ مطلقة ومشاعر طوباوية خارقة.

وعندما يكون في مركز السلطة , يتحول إلى مخلوق منزه معصوم وإله , أو من صنف المخلوقات الضوئية السامية المثالية , التي على الجميع أن يخروا ساجدين تحت أقدامها.

وبما أنه صار الرمز الجمعي النرجسي , فأن النفوس النرجسية ستزيده تعبيرا عما فيها من الأحاسيس والمشاعر المريضة الخائبة , وعندما تستنفذ هذه المشاعر طاقاتها وقدراتها التواصلية ,

تنهال على رمزها رجما بالسيئات , فتتهمه بأنه هو السبب في عدم ترجمة ما فيها من النوازع مناهج حياة.

وفي واقع الحال أن الطرفين قد إنتحروا بأوهامهم وتصوراتهم السرابية!!

وللنرجسية توصيفات معوّقة للسلوك القيادي , وقدرات سُميّة عالية تقضي على ما يرتبط بها من الطاقات والرؤى والعقائد والتصورات , ومعظم الذين قتلوا أحزابهم ومجتمعاتهم من المعوقين نرجسيا أو المعتوهين نرجسيا , ذلك أنهم بسبب هذه العاهة , يعبرون عن حالات التداعي والإندحار لفقدان القدرة على رؤية الواقع , فهم لا يسمعون ولا يرون إلا ما فيهم وما يرضيهم , ويمعنون بالشك وظن السوء والعدوان , والإنتقام والكراهية والبغضاء والقسوة والظلم , وعدم الإحساس بالآخرين وتتبلد ضمائرهم فتحسبهم يعيشون في عالم آخر , ويتنفسون هواء غير الهواء الذي يتنفسه الناس.

والمجتمعات المبتلاة بهذه العاهة الفردية الجماعية , لا يمكنها أن تصلح نفسها وتؤدي دورها الحضاري , لأنها تُحسَب من المجتمعات المعوّقة سلوكيا , والمصابة بعاهة وخيمة لا تسمح لها بالعمل القويم.