ما كنت انوي ان اناقش هذا الموضوع اصلا، ولكن دفعني ثقل الحقيقة ووضوحها في قضية سقوط الموصل وذكرى مرور سنة على ضياع الموصل ووزارة الدفاع والمعنيين بالمؤسسة العسكرية والقضاء العسكري لم يطلعنا على المنجزات التي تحققت في قضية سقوط الموصل ومن هو البريء ومن هو المتهم؟ ومن هو المدان بالخيانة العظمى ومن هو المدان بالتخاذل ؟
ان قضية سقوط الموصل والانبار وجريمة سبايكر والقضايا الأخرى قضايا وطنية وعسكرية وقانونية تستحق التحقيق والبحث عن المتسببين الرئيسيين فيها؛ بعيدا عن التضليل الإعلامي، بعيدا عن التلاعب بمشاعر الشعب وأهالي الضحايا واستغلالها لتمرير أجندات سياسية.
ان قضية سقوط الموصل بيد العصابات الإرهابية، لا تحتاج الى هذا التأخير ولو أردنا ان نقارن ما عملته محكمة التحقيق المركزية في جريمة سبايكر وبالأخص شخص رئيسها في سرعة إتمام اجرات التحقيق وإصدار أوامر القبض للمتورطين في الجريمة، والانتقالات الى مسرح الجريمة؛ وما تحقق في التحقيقات في سقوط الموصل لكانت المقارنة مستحيلة في ظل المنجز والمتحقق والشعور بالمسؤولية بين الواقعتين، وسأتناول ذلك في مقال لاحق انشاء الله.
وكان وزير الدفاع، في 10 من حزيران عام 2014، كشف عن توجيه القضاء تهماً بالخيانة العظمى لضباط كبار لتسببهم بسقوط مدينة الموصل بيد عصابات داعش الارهابية.
وقال في مقابلة خاصة نشرت في 24 من شهر حزيران عام 2014 ان “القيادات العسكرية التي كانت لها علاقة بسقوط الموصل … وكثير منهم احيلوا للمحاكم، وقسم منهم سيحكمون غيابيا واخرون وجهت لهم تهمة الخيانة العظمى وعقوبتها تصل الى الاعدام والحكم المؤبد وهذا يشمل كثيرا من القيادات، …”، لافتا الى ان “جزءاً من هذه القيادات قيد الاعتقال واخرى كلا”، وفي 7 يناير، أكد وزير الدفاع: ان القادة الهاربين من معركة الموصل سيحاسبون وفق المادة 29 من قانون العقوبات بتهمة الخيانة العظمى.
ولا نعرف من هم المعتقلين، بعد ان شاهدنا كبار القادة الميدانيين الذين كانوا متواجدين يصرحون في القنوات الإعلامية، ومن هم الهاربين الذين صدرت بحقهم احكام غيابية؟
ونقل بيان للسلطة القضائية في 08/12/2014عن رئيس الادعاء العام القاضي محمد الجنابي القول إن “التحقيق في موضوع انسحاب الجيش من الموصل وبيع أسلحة وزارة الدفاع في الأنبار وظاهرة ما يسمى بـ[الجنود الفضائيين] هي جرائم عسكرية تخضع إلى قانون العقوبات العسكري رقم 19 لسنة 2007 وقانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم 23 لسنة 1971 وتختص بنظرها المحاكم العسكرية بعد تحريكها من الادعاء العام العسكري”.
ووزير الدفاع في تصريح له يقول ليس لدينا مدعي عام عسكري ولدينا في الوزارة مستشار قانوني فقط.
إن العرف العسكري يقول: القوات المدافعة في دفاعا محصنة تكبد القوات المهاجمة بنسبة 2 -3 أي خسائر لكن المعادلة التكتيكية قد تغيرت تماماً في قواتنا المسلحة التي كانت متواجدة في الموصل حيث أصبح المهاجم هو الذي يدمر أكثر مما هو متعارف عسكرياً والمؤسف ان المهاجم يأتي ببيكبات مدنية ومن كان فيها مدنيين وأصبحوا المسيطرين على ميدان المعركة واستولوا على أسلحة ومعدات لم تخطر على بال أي عسكري، وأصبح أفراد القوات المسلحة يتسابقون في ترك ساحة المعركة بدون أسلحتهم ورغم أن من طبيعة الحرب فيها الخسائر والاسرى إلا أن ما دار وما يدور في إطار قواتنا المسلحة أصبح أمر مشكوك به .
هل القادة تحولوا من قادة عسكريين إلى حزبيين على حساب مهامكم العسكرية أو أن التعيينات والمحاصصة على حساب الكفاءات؟ أم أن القادة ذهبوا على البحث عن الفائدة والبحث عن الأقارب وتعينهم في مواقع الإمداد والمالية وأصبح الأفراد لا يحترمون قادتهم في تنفيذ المهام.
ومن خلال هذه الظاهرة الغريبة والخطيرة والمهينة فإني أتوجه لجهات الاختصاص لإعطاء هذه الحالة ودراستها بموضوعية جادة خاصة ما جرى في سقوط محافظة الأنبار يؤكد ذلك، وكما يعرف الجميع هناك دور فعال للقائد الميداني المتواجد في مقدمة أفراده في المعركة ودور متخاذل للقادة البعيدين عن أفرادهم في السلم والحرب، ويقال القائد الأسد يحول أفراده إلى أسود والقائد الثعلب يحول أفراده إلى ثعالب.
على الدولة أن تعي خطورة الموقف وأن تعتبر أن مصير وطن بأكمله مرتبطاً بالمؤسسة العسكرية التي يجب ان تدافع عن وحدتها ووجودها في صف واحد مع المواطنين الذين استهدفتهم جريمة سقوط الموصل؛ لاسيما ان قضية الموصل اثارت الكثير من الشكوك والاتهامات بين العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين، كان اخرها تصريحات الفريق الركن مهدي الغراوي قائد عمليات نينوى السابق(وقد كتبت عن ذلك بمقال سابق)، أن “الموصل سقطت خلال ساعة واحدة بيد مسلحي داعش، وأنهارت القوات المتواجدة هناك، بفعل مؤامرة حيكت من قبل قائد القوات البرية الفريق الأول علي غيدان، ووزير الدفاع السابق وكالة سعدون الدليمي”.
يتحمل القادة الامنيون مسؤولية كبرى في أحداث الموصل من انسحاب لا يليق بسمعة الجيش والقوات الامنية، والقرارات المحدودة التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة لا تكفي، هناك ذنوب لا تغتفر في العمل العسكري، أبرزها الخطط التي تؤدي إلى هزيمة الجيش وانتكاسته.
ان محاسبة المتورطين في قضية تسليم الموصل كان يجب إنجاز التحقيقات فيها واحالتهم الى المحاكم العسكرية ومحاكماتهم وإصدار الاحكام بحقهم سريعا، لأن الذي حدث في الموصل خطير جداً، وتداعياته ما زالت قائمة حتى الآن، ولا تستوجب هذا التأخير وتهمة الخيانة العظمى تهمة جنائية عسكرية جسيمة وعظيمة الخطر على البلاد وتستوجب اجراءات عاجلة من القضاء العسكري؛ ليطمئن الشعب ان هناك محاسبة ومحاكمة وعقوبة لمن يتهم بتهمة الخيانة العظمى، والتي يشح في تعريفها الدستور العراقي، واكتفى بإشارة عابرة وردت في نص المادة 61 /سادساً/ ب؛ والخيانة العظمى في ابجديات قانون العقوبات العسكري معناه هناك متخاذلين من الضباط القادة، خصوصا عندما اعترف بها الغراوي عندما قال ان (نصف موجود الفرقة 12الف جندي وضابط) فضائي) و(70 بالمئة من اهل الموصل لا يحب الجيش وكان يسميه جيش المالكي..)، وان اغلب عجلات الفرقة عاطلة ولا تصلح، وان الطائرات عاطلة وان السلاح شحيح جدا وغير فعال، وقد فاتح القائد العام…ولم يلب احد منهم له طلب(ويتهمهم بالكذب ويوحي بخيانتهم له..)، اما في ابجديات السياسية تعني العبث بأمن الدولة الخارجي والداخلي والتآمر على حقوق الشعب من خلال التعامل او التعاون مع اية جهة اجنبية او اية دولة معادية ضد مصلحة الشعب والدولة، ويكون مرتكبا لجريمة الخيانة العظمى التي يدينها الشرع والعرف والقانون وتستوجب ايقاع اقصى العقوبة على مرتكبها.
ان سجال الحروب الكلامية، يرافقها عدم وجود رغبة حقيقية من قبل الدولة والسياسيين في محاسبة المقصرين بسقوط الموصل، بسبب التوافق السياسي؛ كان العنوان الأبرز في كل ذلك.
واستغرب كيف اعلنت وزارة الدفاع العراقية، الثلاثاء، (24 ايلول 2014) ان القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي امر بإحالة الفريق الركن عبود كنبر والفريق الركن علي غيدان على التقاعد، والتحقيق لم يكتمل والقضاء العسكري لم يقل كلمته؟ وهم متهمين وقادة كانوا متواجدين وحسب ما افاد قائد عمليات نينوى؛ ولا اعرف كيف استنتجت(مبكرا جدا) القيادة العامة للقوات المسلحة بأنهم أبرياء وهل انجزت التحقيق بحقهم واتخذت قرارها بإحالتهم الى التقاعد بقضية منفصلة عن قضية سقوط الموصل، التي لحد الان لا نعرف ما هي النتائج؟
وبينا في مقال سابق؛ ان تقارير اللجان البرلمانية تعتريها الصبغة السياسية وبعيدة عن الموضوعية وغالبيتها لا تحمل أي إلزام قانوني، لأنها تتضمن توصيات غير ملزمة حالها حال أي لجنة تحقيقية إدارية، وغالبيتها ظاهرة إعلامية لامتصاص غضب الشارع والراي العام، ومن الخطأ ان يتم التحقيق في قضايا منظورة امام القضاء العراقي (عسكريا او مدنيا) ويتولى التحقيق فيها.
ان لجنة تحقيق الموصل البرلمانية، التي شكلت تصوروا بعد مرور سبعة أشهر على سقوط محافظة نينوى بيد تنظيم «داعش» عقدت العزم واتفقوا أعضائها على عدم الإدلاء بأي تصريحات صحافية بشأن عملها، والاكتفاء بإصدار البيانات، من أجل الحفاظ على سرية التحقيق، لكني وجدت عدد التصريحات أكثر من خمسين تصريح تقريبا؛ فاذا لم يكونوا عقدوا العزم؛ فكم هي عدد التصريحات، واخر تصريح ان محافظ الموصل مسؤول عن سقوط الموصل، وهذا التصريح لا ينسجم والعرف العسكري، وهناك فرق بين عمل المحافظ وعمل الجيش، والاتهام له ابعاد سياسية؛ وانا لست مدافعا عن احد؛ لكن هل يستطيع النجيفي اعطاء اوامر للجيش بالانسحاب او عدم القتال؟ ان وزير الدفاع في قواطع عديدة ليس له صلاحية تحريك سرية؛ فكيف بالمحافظ؟
إن أية جريمة لا تقاس فقط بتفاصيلها بل هي تقاس بحجم تفاعلاتها؛ وان عدم إعلان نتائج التحقيق أو محاسبة المسؤولين زادا في إضعاف عامل الثقة، الضعيفة أصلاً، بين المواطنين وبين المؤسسات العسكرية والأمنية، ان إجراءات المؤسسة العسكرية في انجاز قضية الموصل؛ لم تراعي تداعيات الجريمة وبقيت ناراً تحت الرماد، وزاد في اشتعالها تتابع الأحداث، وهذا التأخير ليس له أدنى ما يزكيه او يصدقه من الوجهة العسكرية والسياسية والقانونية، وكان من المفترض ان تكون المحاكم العسكرية قد أنجزت التحقيق واحالة المتورطين الى المحاكم العسكرية لينالوا عقابهم.
ولا أدرى هل الدعاوى العسكرية خارج السقوف الزمنية المحددة قانونا؟
ان تصريحات السيد وزير الدفاع تعد تصريحات صادرة من اعلى المستويات وهناك ضرورة ان تكون لها نتائج واثار فعالة في تصويب عمل المؤسسة العسكرية وتطمين للشعب العراقي بأن العقاب يجب أن يكون على أساس أن الجريمة هي بحجم الخيانة العظمى؛ وعندما تكون التصريحات ليس لها نتائج واثار ولا تجد لها تطبيق بعد أكثر من سنة؛ قد توصف بانها، نوع من الأكاذيب وجرعة مسكنة ضد الحقائق ولكنها لا تستمر، لأن عالم الصدق أوسع منطقاً من الكذب، وأسرع وصولاً الى بناء دولة المؤسسات، وألآثر يدل على المسير، وهذا الخلق يدل على القادر القدير.
وهناك ضرورة ان نطلب من وزارة الدفاع الإسراع بحسم عمل تلك اللجان والمحاكم واعلانها للراي العام، لتحقيق الامن الاجتماعي، وفي نفس الوقت نطلب من القضاء العسكري والادعاء العام العسكري إلى أخذ الدور القضائي والقانوني وانجاز التحقيق بجريمة سقوط الموصل والانبار وغيرها، بعيداً عن اللجان الحكومية أو النيابية التي لم تؤتي أكلها لحد الآن.
ونختم مقالتنا بقول لسيد البلغاء الإمام علي عليه السلام:
(أﻻ وإن من ﻻ ينفعه الحق يضره الباطل، ومن ﻻ يستقيم على الهدى يجره الضلال الى الردى).