في مثل هذا اليوم من العام الماضي كان مجلس النوّاب العراقي على موعد مع رئيس الوزراء حيدر العبادي في جلسة استثنائية , أريد لها أن تكون جلسة تاريخية في حياة هذا البلد والعملية السياسية والديمقراطية الجارية فيه , جلسة ترسم الخطوط العامة للإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي الذي تطالب به جماهير الشعب الغاضبة والثائرة على الفساد , خصوصا أنّ هذه الجلسة جاءت بعد يومين فقط من النداء الذي وجّهته المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف لرئيس الوزراء بأن يكون أكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية وأن يضرب بيد من حديد كل من يعبث بأموال الشعب , وأن يضع القوى السياسية أمام مسؤولياتها ويشير إلى من يعرقل مسيرة الإصلاح أي كان موقعه , وتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية وعدم الترّدد في إزاحة المسؤول غير المناسب حتى وإن كان مدعوما من بعض القوى السياسية , وأن لا يخشى رفضهم واعتراضهم معتمدا على الله الذي أمر بالعدالة وعلى الشعب الكريم الذي يريد منه الإصلاح .
وكانت أمام رئيس الوزراء حيدر العبادي فرصة تاريخية لم تتوّفر لأي رئيس وزراء في الدولة العراقية من قبله , وكان بإمكانه أن يصبح بطلا وطنيا ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه لو أنّه أحسن استغلال هذه الفرصة التي توّفرت له على طبق من ذهب , ويوّجه ضربة إلى نظام المحاصصات الحزبية والطائفية , مستغلا دعم المرجعية الدينية العليا اللا محدود وثورة الشعب الغاضب على الفساد , لكنّ رئيس الوزراء أبى إلا أن يكون ضعيفا ومترددا وحائرا , فكانت هذه الحزمة من الترقيعات الفوقية التي لم تمسّ جوهر نظام المحاصصات ولم تقترب من مافيات الكتل السياسية الفاسدة , وبالرغم من تعهده أمام مجلس النوّاب بموجب هذه الحزمة من ( الإصلاحات ) بالبدء بالإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية ومحاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة , إلا أنّ هذه ( الإصلاحات ) لم تتعدّى بعض الإجراءات التقشفية وبعض التخفيضات في النفقات العامة , ولو كانت هذه الحزمة والحزمة التي تلتها قد عالجت جوهر الإصلاح السياسي ولإداري والاقتصادي المنشود , لما احتاج رئيس الوزراء بعد ستة أشهر أن يخرج للشعب ببيان ليلة العاشر من شباط الذي دعا فيه للتغيير الجذري الشامل وتشكيل حكومة مهنية من الكفاءات والتكنوقراط .
والحقيقة أنّ حزمة ( إصلاحات ) إصلاحات العبادي الأولى التي تمرّ اليوم ذكراها اليوم , لم يكن الهدف الحقيقي منها سوى إلغاء منصب نوري كامل المالكي كنائب لرئيس الجمهورية , وهذا ما أكدّه أسامة النجيفي في لقاء تلفزيوني معه , حيث قال بالحرف الواحد أنّ رئيس الوزراء العبادي قد أخبره باتصال تلفوني معه أنّ المقصود بهذا الإجراء هو صاحبنا , وها هو الشعب العراقي بعد مرور عام على دعوة المرجعية الدينية العليا وثورة الشعب المطالب بالإصلاح والتغيير , يعيش حالة الخيبة والخذلان واليأس في الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي ومحاربة الفساد الذي تكشّفت خطوطه العريضة أمام الراي العام العراقي , ومن يعتقد أنّ الإصلاح الحقيقي الجذري والشامل ممكن بدون إصلاح النظام السياسي القائم وإعادة بنائه من جديد على أسس غير الأسس التي بني عليها النظام القائم , سيبقى يعيش حالة الوهم ولن يرى غير الوعود والسراب , وهذه المهمة التاريخية الكبرى أكبر كثيرا من حجم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي .