تصدرت صور الشهيد صفاء السراي ورفاقه الشهداء والعلم العراقي تظاهرات الشباب الذي وصل هادرا بنفس زخم وعنفوان العام الماضي وبأعداد ضخمة لساحة التحرير في الذكرى الأولى لثورة تشرين ليمتلئ مركز بغداد وشوارعه الكبيرة المتفرعة الى مناطق بغداد المختلفة تصدح هتافاتهم باسم العراق٬ وبحبه٬ وبإصرار لا تراجع فيه عن الأهداف التي خرجوا من اجلها: “ها ردينا ثوار احنا ٬ ها ردينا “٬ بصوت واحد تردد هذا الهتاف مدويا في جميع جهات ساحة التحرير ٬ فيما دخل الطلاب للساحة من نفق التحرير قادمين من الجامعة التكنولوجيا والمناطق المحيطة بها وهم يرددون نشيد موطني ومنصور يا دجلة على نغمة “منصورة يا بغداد” الشهيرة و”الثورة ما انتهت الثورة الان بدت “رافعين الاعلام العراقية . وقبلها ٬ في ليلة الأول من تشرين قام مئات من الشباب بالتحضير لهذا اليوم الاحتفالي الممهد ليوم العودة في الخامس والعشرين من الشهر الحالي ٬ وذلك بتنظيم ما سموه بفوج طوارئ التكتك الذي تصدر مشهد مسيرة كبيرة طافت بكل احياء بغداد تتنادى للتواجد في وسط العاصمة بهذه الذكرى للاحتفال والاحتفاء بالشهداء الذين سقطوا فيها ٬ لينشروا الفرح من جديد لدى العراقيين في مواصلة الثورة واسترجاع العراق من طغمة الفساد ; عادت دولة التحرير المصغرة تعمل مثل خلية نحل منها من يعيد تنظيف الساحة وصبغها ومنهم من يعيد تأهيل نفق التحرير وتزينه بالرسومات والانوار وآخرين يعودون بنصب خيام خدمية والبعض الاخر ينظم مهرجان شعري للمواهب الشابة التي تزخر بها التظاهرات٬ عادت صفحات التواصل الاجتماعي بإدارة شباب وشابات في العشرينيات من أعمارهم لتكون صدى لما يحدث في التحرير والبصرة والناصرية والنجف والسماوة ٬ ولتكون صحف ومواقع حقيقية أمينة في نقل اخبار التظاهرات وليس كما تفعله قنوات مثل العراقية الحكومية التي طردها الشباب من التحرير ونددوا بتغطيتها المنحازة وبما تلفقه ضد التظاهرات من اخبار كاذبة .
يوم الاحتفاء بالثورة وبشهدائها كان فعلا يوما مشهودا في تاريخ ثورات وانتفاضات وتظاهرات العراق السياسية الحديثة فقد غطت التظاهرات بهتافاتها المعبرة بقوة عن أوضاع العراق بشكل شامل وبرفض الشعب العراقي وفي مقدمته شبابه وشاباته لوضع يستمر بالاهتراء سنة بعد أخرى دون ان تقوم الحكومات المتعاقبة باتخاذ أي اجراء يتناسب مع حجم الكوارث التي يعيشها الشعب العراقي منذ سبعة عشر عاما لا بل ان الشعب وعلى رأسه فئة الشباب والطلاب والمعطلين عن العمل قسرا بسبب الفساد والمحسوبيات والمنسوبية وايادي الأحزاب المتسلطة على كل ميدان من ميادين العمل والقطاعات الحكومية هي من تبيع وتشتري بالوظائف ولها اليد الطولى اكثر من الدولة ٬ ففي مقدمة الهتافات التي صدحت بها الحناجر هي الشعارات المناوئة للأحزاب السياسية التي مزق المتظاهرون صورتها ومصداقيتها مرة بعد أخرى وهم يهتفون :هاي الثورة المليونية ٬ تشرينية ٬ تشرينية ٬ ضد الأحزاب السياسية ٬ ضد الأحزاب القمعية ٬ هذولة ـ هؤولاءـ الأحزاب العلاسة . والملعب للثوار وليس للبرلمان الفاشل. بعدها ردد المتظاهرين هتافات ضد الخونه والمندسين والعملاء ممن باع الثوار لحساب الأحزاب والرئاسات التي استعملتهم لاحتواء المطالب والتظاهرات لكن دون نتيجة: هذي الثورة ضد الخانوا وضد البايعنا بسرفيسات ٬ موش ويانا . كما حضرت المرأة بقوة وبكثير من الاهتمام والمحبة والاحترام التي تلقتها في العام الماضي٬ شباب التظاهرات يكرمون العراقية ويعطوها مكانتها الأساسية في كل موقع مع عودة التظاهرات ٬ فقد صوب القناصون من القوات الحكومية والمليشيات التابعة للحرس الإيراني في العام الماضي على النساء بعد تصويبهم على أهم قادة الثورة من الشخصيات الكاريزمية الاصيلة فقتلوا أكثر من طبيبة وتسع من المسعفات واختطفوا طالبة طب من بين المسعفات ولم يكتف المجرمون بقتلها بل تم تعذيبها بشكل بشع لترمى جثتها امام بيتها وهددت وما تزال الشابة التي ساعدت أصحاب التكتك بالمال لكي يستمروا في نقل الجرحى للمستشفيات والتي رفضت حكومة عادل عبد المهدي اسعافهم ولاحقتهم حتى في المستشفيات ٬ من أجل هذه المساهمات وغيرها كثر وقف الشباب اليوم موقف الاجلال والاحترام وفسحوا للنساء المتظاهرات المكانة الأولى تعبيرا عن دورهن الأساسي في الثورة . ليس ذلك فحسب بل ان الشباب قد خلدوا بفديوات واغاني ورسومات وبوسترات بعض الشخصيات الكاريزمية التي نالت محبة واحترام وتوافق الشعب عليها مثل الشهيد صفاء السراي الذي كان مهندسا مبرمجا وشاعرا وعازفا للعود ورساما وهو صاحب مقولة : “محد يحب العراق بكدي = لا احد يحب العراق كما احبه ” الذي أظهرت التظاهرات حب الناس الكبير له كما اظهرته الكمية الهائلة من الصور المنشورة عنه في كل الصفحات والبوسترات حتى اصبح اول واهم ايقونه من ايقونات الثورة بل ربما جيفارا العراق . تأتي بعده رهام يعقوب الناشطة البصراوية التي اغتالتها أسلحة المليشيات الولائية لما تمثله من شخصية قوية وذكية وقيادية هتف خلفها الاف الشباب ٬ بسرعة انتشرت هتافات رهام التي تبدأ: آنا الولائي للوطن انت منو؟ آنا الشهيد ابن الشهيد انت منو؟ واحنا مو ولد السفارة ٬ احنا ولد البيهه شارة ٬ كافي يا ابن إيران كافي. هتافات الشهيدة رهام يعقوب أصبحت اليوم اغنية جميلة يرددها المتظاهرون من بغداد الى البصرة. وبقوة أيضا اكد المتظاهرون على الوطنية واللحمة العراقية وعلى اصالة الثورة من ما نعوف الوطن احنا حراسه ٬ آنا العراقي الوطني ٫ آنا الابد ما ينحني ٬ آنا الشهم ابن الشهم ٬ واللي يسأل عنا قولوا له احرار وما صرنا ذيول واخوان سنة وشيعة وهذا البلد ما نبيعه.
هذا الزخم المفعم بالإصرار والشجاعة ومواجهة الموت من اجل العراق وتخليصه من الطغمة الفاسدة والاحتلال هو المشهد الذي ساد في ساحة التحرير في بغداد كما في البصرة وديالى والناصرية وذي قار والنجف بمناسبة مرور عام على الثورة ٬ والمدهش رغم كل الشهداء الذين سقطوا واعداد الجرحى الذي ناهز على ثلاثين الف جريح جاء التشديد والتأكيد على موضوع السلمية وشرعية التظاهرات والاستمرار بها حتى اسقاط العملية السياسية المهترئة برمتها: ثورتنا ثورة سلمية ٬ ثورتنا ثورة غيرة وطنية وللموت ما نعوف الشرعية.
شباب وشابات على مستوى عال من الوطنية والوعي والثقافة والكفاءة والعطاء والشجاعة والتنظيم ومعهم غالبية الشعب العراقي هم من يقارع العملية السياسية وعلى رأسها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يحاول تسويق نفسه على انه متجاوب مع مطالب المتظاهرين وبأنه سيحقق مطالبهم متحججا تارة بالوقت وأخرى بثقل المهمة وأخيرا اخذ يتكلم عن الازمة الاقتصادية التي يمر بها العراق لكنه في نفس الوقت يناقض نفسه بالقول ان العراق بلد غني وانه رغم وعوده بالاهتمام بملف الفساد لم يقترب منه الا ظاهريا وبسيط جدا ولم يتمكن من البت فيه او مجرد لمسه ليبدو ان كلامه ليس الا جعجعه بدون طحين وانه لا يسمع ابدا لمطالب الشعب بل يحاول خداعه والضغط عليه وهذا ما لم يفت على المتظاهرين ولا على الشعب العراقي فما كان من المتظاهرين الا الهتاف : مرت سنة ونفس الحياة الكشرة ٬ للناس راتب ما كدرت توفره ٬وسط السلاح المنفلت والفوضى٬ كم شاب راح وما كدرت تعوضه ٬سهرانه امه وعينك انت مغمضة وبدمه لازم ها لوضع يتغير٬ ثابت نهجنا وما يهزنه الباطل٬ الثورة مهرة تريد خيالة ٬ ما تريد واحد يخاف من خياله .