22 ديسمبر، 2024 8:28 م

عام على النكسة

عام على النكسة

حلت الذكرى السنوية الأولى لسقوط مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بيد تنظيم ارهابي قادم من متاهات الصحراء وهو الحدث الذي تلاه تساقط المدن والبلدات العراقية الواحدة تلو الأخرى الى ان تم ايقاف التمدد المسلح في أطراف بعقوبة 50 كم شمال شرق بغداد وسامراء 125 كم شمال بغداد من قبل قوات الجيش والحشد الشعبي ، رافق ذلك التمدد ارتكاب واحدة من أبشع المجازر الطائفية بحق 1700 طالب في قاعدة سبايكر الجوية في تكريت قبل أن يعلن التنظيم قيام ماسمي بدولة الخلافة والتي تفوق مساحتها اليوم المملكة المتحدة بضمها لثلث العراق ونصف سوريا !! بعد انقضاضه على الفصائل المسلحة المحلية التي شاركته هجومه على الموصل وأمدته بالمعلومات اللازمة لتحقيق مهمته بنجاح ظنا منها بقدرتها على استغلال عقائدية مقاتلي التنظيم وشراستهم في تحقيق هدفها والمتمثل بغزو بغداد واسقاط العملية السياسية وهو ما أدركه التنظيم الذي عمل بالمقابل على اكتساب الشرعية المحلية من خلال هذه الفصائل ومن ثم ازاحته لها للسيطرة التامة على المحافظات السنية .

عام كامل مضى على هذه الأحداث الدامية والأليمة نحي خلاله رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وحل محله الدكتور العبادي وأنضم التحالف الدولي لهذه الحرب ودعمت ايران العراق في مواجهاتها العسكرية الساخنة التي تخللتها مكاسب عديدة في أمرلي وجرف الصخر وديالى وتكريت وظلت في الوقت ذاته أثارها السياسية تتوالى حتى أقيل مؤخرا محافظ نينوى أثيل النجيفي بتصويت برلماني .

عام كامل مضى دون أن نعرف ملابسات ماحصل يوم 10 حزيران 2014 في الموصل تحديدا ، ولماذا أنسحب الجيش ؟ ومن أصدر أمرا بالانسحاب ؟ وكيف سقطت أو سلمت المدن العراقية الأخرى ؟ ومن هو المتسبب بذلك ؟ ومازلنا نجهل كيف ستتم محاسبة القادة السياسيين والعسكريين المتورطين (ان كان هناك

نية فعلا لذلك) ؟ بل من المسئول عن عدم بناء دولة حقيقية ومؤسسات مهنية طوال عقد من الزمان ؟ وسط استمرار تبادل الاتهامات بين مختلف الأطراف المسئولة أصلا عن هذه الكارثة وعجز لجنة التحقيق البرلمانية عن اداء مهامها نتيجة رفض الأطراف المؤثرة التعاون معها وفي ظل أجواء عدم المحاسبة واستمرار سياسة الافلات من العقاب ، سقطت مدينة الرمادي في سيناريو قريب لماحدث قبل عام مع فارق أساسي وهو ان الرمادي قاتلت دفاعا عن نفسها أكثر من عام ونصف ولم تكن تستحق هذه النهاية المخجلة والتي أسهمت نتائجها حتما بتأجيل معركة استعادة الموصل لأجل غير مسمى وهو ماكانت تسعى له داعش .

.

عام مر على النكسة العراقية كان كافيا لاثارة شكوك حقيقية في جدوى الاستراتيجية الأميركية لمحاربة التنظيم والتي قامت على التسليح والتدريب والغارات الجوية وأعترفت واشنطن بقصورها بعد سقوط الرمادي وبدأت مراجعة فعلية لمضمونها عقب مؤتمر باريس والذي طالب العراق بمطالب ثابتة سيكون تنفيذها بمثابة الضامن الرئيسي لأستمرار الدعم الدولي لبغداد في حربها المفتوحة لاستعادة أراضيها دون اغفال حقيقة ان الحل ينبغي أن يكون عراقيا بأمتياز والذي يقتضي توحيد المكونات العراقية من خلال مصالحة وطنية شاملة وحقيقية بالدرجة الأولى.

طوال هذا العام الصعب لم تكن الحكومة العراقية بأفضل حالا من التحالف الدولي حيث لم تمتلك هي الأخرى استراتيجية واضحة لمواجهة التنظيم ، فلغاية الآن لم تكلف أي جهة رسمية أو مركز أبحاث باجراء دراسة أكاديمية حول جذور التنظيم وأسباب نشأته وظروف تمدده وكيف وصل لماهو عليه اليوم من القدرة والامكانيات ؟! و توارى عن الأنظار الجانب الفكري في المواجهة والذي يستدعي ايجاد ند سني سياسي وأجتماعي وديني للتطرف وتم التركيز على الطابع العقائدي المذهبي للصراع وهو مايصب بمصلحة التنظيم مباشرة ويسهم بتعزيزه قواعده الشعبية وساد التباطؤ والتسويف تطبيق بنود الاتفاق السياسي الذي تشكلت بموجبه الحكومة والموجب اقرار قانون الحرس الوطني واعادة النظر في قانون المسائلة والعدالة وحل التخوف والمماطلة بتسليح العشائر السنية وجرى اعتماد الحل العسكري كحل وحيد لهذه الأزمة والذي ساده هو الأخر التخبط الميداني ممامنح التنظيم الوقت الكافي لاستعادة قواه واعادة الامساك بزمام المبادرة قبل المعارك المصيرية المنتظرة معه في الرمادي والفلوجة والموصول والحويجة .

ان أهم مايهدد مسار الحرب هو تباين الأهداف ووجود مشاكل حقيقية في الجانب العراقي ففي الوقت الذي يجمع فيه مقاتلوا داعش على القتال “من أجل الدفاع عن أهل السنة ومواصلة فتوحات دولة الخلافة” !!! تتنوع غايات المكونات العراقية بين القتال لرسم حدود دولة مستقبلية على شاكلة قوات البيشمركة الكردية أو الدفاع عن المقدسات والأغلبية الشيعية كماهو شأن فصائل الحشد الشعبي ، أو دفاعا عن النفس

والمكتسبات كماهو حال بعض العشائر السنية ، فيما تبقى الجهة الأساسية المنوط بها حماية الوطن والمواطنين من خطر الارهاب وهو الجيش العراقي ضعيفا ممزقا مع الاقرار ان مقاتلي الحشد الشعبي كانوا ندا عقائديا وحيدا لمقاتلي داعش في ظل ضعف النزعة الوطنية واستشراء الفساد وشراء الذمم في الأجهزة الأمنية.

لقد بات داعش مشكلة اقليمية ذات أبعاد عالمية وطوي صفحته في العراق لن يكون بهذه السهولة وهو بحاجة لمرحلتين على أقل تقدير تبدأ أولها بمحاولة احتواء التنظيم في العراق وذلك ماتستهدفه التغييرات المقترحة في الاستراتيجية الأميريكية والتي ستعتمد على زيادة عدد المستشارين العسكريين للاشراف على تسليح وتدريب الجيش العراقي لاستعادة هيبة الدولة والعشائر لاحداث خرق في المجتمع السني وتحفيزه على مواجهة المتطرفين دون استبعاد امكانية اقامة قواعد عسكرية دائمة لتحقيق هذا الغرض فيما سيتم تأجيل المرحلة الثانية والتي تتعلق بتصفية وجود داعش بشكل نهائي لحين البدء بطرد التنظيم من سوريا أيضا تزامنا مع ايجاد حل سياسي للأزمة السورية المستمرة منذ 5 أعوام والتي أحكم داعش في خضمها سيطرته على نصف أراضي البلاد فيما تتقاسم جبهة النصرة وفصائل المعارضة من جهة والنظام من جهة أخرى باقي الجغرافية السورية وهو ماسيجعل من فرضية التقسيم أحدى الحلول الممكنة (بعد تصفية داعش) ماسينعكس سلبا على العراق الممزق أصلا حيث ستجد حكومة بغداد نفسها مخيرة حينئذ بين القبول بالاقليم السني أو الاستمرار في حرب استنزاف طويلة الأمد لاتعرف عواقبها مع “دولة الخلافة” والتي سيكون العراق ملجأها الوحيد أنذاك !!

الشيعة واهمون اذا ماظنوا ان بامكانهم العودة لماقبل 10 حزيران أو حتى التحول لحكم الأغلبية وفرض الأمر الواقع على باقي المكونات والسنة منقسمون بين من ربط مصيره بداعش وبين من يعتبرها فرصة ذهبية لانتزاع الاقليم والكورد يرون ان الفرصة قد حانت للمضي قدما في مشروع الدولة وفي ظل هذه الأجندات الفئوية والاختلافات الجوهرية سيطول أمد هذا الصراع وتتعدد ضحاياه لحين الوصول لصيغة اتفاق سياسي سيعاد بموجبه اعادة تشكيل خريطة المنطقة لان تحقيق ثنائية القضاء على الارهاب والمحافظة على الأوطان يستلزم حسن النوايا والارادات السياسية الصادقة وتظافر الجهود وتقوية النزعة الوطنية ونبذ الطائفية والتحلي بالحكمة والتزام الاعتدال والاتسام بالمرونة والاتصاف بالحنكة وهو ما لاتمتلكه القوى السياسية العراقية .