22 نوفمبر، 2024 10:44 م
Search
Close this search box.

عامٌ مضى.. وأعمار الطغاة قصار..

عامٌ مضى.. وأعمار الطغاة قصار..

في نهاية عام 2013 وعلى أبواب عام 2014، خارطة العالم العربي تتلون بالدم والعنف والتشرد والقمع، وبالإرهاب الذي أصبح عنواناً يخفي استبداد الحكام وظلمهم ودكتاتوريتهم، حتى إن المضطهدين والمهمّشين والباحثين عن العدالة والمساواة والحرية تحولوا إلى متهمين أو متورطين بالإرهاب تتطلب تصفيتهم جسديا وقصف بيوتهم بالصواريخ والطائرات.
منذ 11 سبتمر 2001 قدمت أميركا هدية مجانية مدبّرة لكل الجبابرة والطغاة والدكتاتوريين على المستوى اللوجستي والسياسي والإعلامي وخاصة في العالم العربي بفتح فوهات الحرب العمياء، بعد أن قدمت للجميع أضحية الدكتاتورية والفردية في العراق نظام صدام 2003 حين قايضت إزاحته بالاحتلال العسكري بكل ما واجهه شعب العراق خلاله من كوارث، معتبرة ذلك الأنموذج خاتمة دعوات إزاحة الأنظمة بالقوة ليس تعبيراً عن صحوة ضمير، وإنما بعد تغلغل القوى المتخاصمة متمثلة في الإيرانيين داخل شرايين العراق وفي المنطقة، وأصبحت لهم كلمتهم المسموعة إلى جانب كلمة الدب المستفيق من نومه في إنقاذ رأس نظام بشار في سوريا، مع إنه لم يختلف في البنية والأيديولوجيا عن نظام صدام.

سجلّ السنوات الأثنتي عشرة لم يؤشر هدوءا أو تصالحا في المنطقة العربية ما بين الحكام وشعوبهم، بل أصبحت المواجهة ذات بعد شعبي ثوري تمثل في ما سمي بالرييع العربي، وظلّ للأنموذج العراقي قساوة لا مثيل لها في التاريخ لكي يتحول وفق برنامج تيار اليمين الأميركي المتشدد المعتمد من البيت الأبيض إلى قاعدة متقدمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الفاشل، والذي يضم في حاضنته وفق السيناريو إضافة إلى العراق كلا من سوريا ومصر ولبنان والأردن، ثم أصبح الأنموذج السوري لوحة دموية لم ولن يتكرر مثيل لها في الرعب والموت المتعدد الأشكال حتى كاد الموت يصرخ في وجه الطغاة: كفى قساوة وبطشاً.

صُنع النموذج العراقي الذي يتمثل في بناء نظام سياسي تُفكّك فيه مكونات المجتمع المنسوجة لكي يصبح مثلثاً طائفياً سياسياً (سني شيعي كردي) ينظم إليهم دستورا مطّرّزا بالمتفجرات الموقوتة، تتدافع من خلال قدسيته الكاذبة المصالح الفئوية والمذهبية لدرجة الصدام المسلح بين فرقاء المصالح، ويظل عنوان “الإرهاب والقاعدة” حاضراً للتمزيق والاحتراب السياسي في العمليات الإجرامية التي تستهدف المدنيين في لعبة قذرة لم توفر لحظة من الأمان للناس وسط جنون الفساد والنهب المالي، لدرجة جعلت العراقيين يترددون في إعلان نسبهم الوطني خارج الحدود.

تقدم شعبا سوريا والعراق على غيرهما في المنطقة في الانتشاء بكؤوس الموت حتى الثمالة، وفي الوقت الذي تدق فيه أجراس كنائس الموت ومآذن صلوات الوداع لأفواج المغدورين في بغداد والبصرة وديالى والموصل والأنبار للسنة الحادية عشرة في العراق، يتلذذ الموت في سوريا بجميع مظاهر الرعب التي تُقدم له مواكب الراحلين من الأطفال والنساء في إدلب وحلب وحمص.

ولن أتحدث عن مثال مصر حيث يراد لها سيناريو مماثل، مع ما تمثله حالتها من خصوصية، وشهادة الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي دافيد وينبرغ قبل أيام بليغة في هذا الشأن “نشكر الرب لدمار العراق وسوريا ومصر، لقد تبخر التهديد العسكري العربي لإسرائيل”. ما يثير الألم والحزن أن عالمنا العربي رغم كل إمكانيات النهضة المادية يغطّ في نوم عميق، فيما شعوب البشرية تبتهج بنهاية عام من أعوام الإبداع والعمل، واستقبال عام جديد من الحياة والاندماج مع المدنية الإنسانية، باستثناء بلد إسمه “الامارات العربية” يشتغل أبناؤه بعقل منفتح وطموح غير محدود للتواصل مع المدنية والحضارة. كانت اللعبة قذرة في تحطيم كل من العراق ومصر سوريا.. خلاصة اللعبة في العراق تنفيذ برنامج التقسيم الإثني والعرقي، والنزاع على المال والسلطة بعد إزالة جميع مقومات النهضة بتدمير العقول المبدعة سواء عن طريق الكواتم أو التغييب أو التهجير.. وهو مسلسل ابتدأ منذ الساعات الأولى للاحتلال حين استهدفت مجموعات القتل علماء التكنولوجيا والنووي. وكانت المرحلة الثانية استبعاد دعاة الفكر السياسي الديمقراطي اللاطائفي من الحياة السياسية.

وفي سوريا باستثناء عملية إزاحة النظام الذي لا يشكل عائقاً أمام تنفيذ المشروع التقسيمي بل مساعداً له، فإن البلد مقبل على انهيارات جديدة في بنيته الوطنية التي تتراجع أمام هيمنة التطرف الديني لتعزيز حرب الطوائف المدعومة إقليمياً ودولياً.

2013 مثّل قمة الطوفان الدموي والقتل الجماعي للأطفال الأبرياء والاغتصاب المتواصل للنساء المعتقلات في كل من العراق وسوريا، وكذلك في انفتاح حرب مخيفة في مصر. ودعنا عام 2013 وقلوبنا تعتصر ألماً على الضحايا الأبرياء.. ولم يكن للكلمة الصادقة الحرة والرأي الجريء سوى بلسم قليل للجراح المفتوحة. هل من منقذ في هذه الدوامة المصنوعة بإتقان من أصحاب المصالح؟ إيماننا بأن شعبي العراق وسوريا- بصورة خاصة- يمتلكان مقومات الصمود في وجه العاصفة الدموية ومدبريها وأدواتها. الثقة في المستقبل وفي إرادة الشعوب أقوى من الجبابرة والطغاة، ولن تكون آمالنا كبيرة على عام 2014، لكننا نأمل أن يكون عاماً يحفظ الأرواح البريئة وأن يسدل ستائر العنف والحقد عن شعوبنا ويعم السلام.

تحية إجلال لكل شهيد من أجل وطنه سقط على سفوح أدلب ودمشق وبغداد والبصرة وكربلاء والأنبار. ونختم بقول الجواهري شاعر العرب:

باقٍ وأعمارُ الطغاةِ قصارُ

مِن سفرِ مجدك ماطرٌ سوّارُ

أحدث المقالات