23 ديسمبر، 2024 1:02 ص

عامر السعدي .. ذاكرة وطن

عامر السعدي .. ذاكرة وطن

نحن لا نملك أسلحة التدمير الشامل ، وسيثبت التاريخ صدقي . هذا التصريح الخطير ، الذي أعلن عنه أحد بناة القوة العلمية الهندسية العراقية في مطلع ستينيات وسبعينيات القرن الماضي الفريق عامر السعدي ، في لحظة حرجة من تاريخ العراق السياسي , والتي شكلت لاحقاً مفصلاً خطيراً على مستقبل وطن وأرض وشعب .
في يوم ١٢ نيسان ٢٠٠٣ في بغداد المحتلة سلم نفسه العالم عامر السعدي الى قوات الاحتلال الامريكية بعد ما ظهر أسمه في قائمة أكثر العراقيين المطلوبين ، وترتيبه السابع في الفئة الماسية من شدٌة لعبة الأوراق سيئة الصيت ، أنه الرقم ٣١ . كان عامر السعدي مستهدف من أكثر من جهة مخابراتية لتصفيته بأعتباره من أحد رموز العراق العلمية ، فذهب وسلم نفسه الى قوات الاحتلال ، وطلب من محطة التلفزيون الالمانية ( ZDF ) في مرافقته وتصوير أستسلامه مع زوجته الالمانية الاصل هيلما السعدي ، وأعلن أمام الكاميرا رسالته الواضحة الى العالم كذب وأدعاء الادارة الامريكية في أمتلاك العراق أسلحة دمار شامل لغرض أحتلاله وتدميره ، وأضاف أنه لم يشعر بالندم بأي شكل من الاشكال ، كنت أخدم شعبي ووطني ، وسأبقى طالما بقيت حياً. كتب قبل بدأ الغزو بيومين رسالة الى رئيس المفتشين الدوليين ( رولف إكيوس ) ، السويدي الأصل ، يعلن بها موقفه الرسمي من أحتلال العراق وكذبة أمتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل لغرض أجتياحه وتدميره .

ويعترف البرادعي أحد عرابي الاحتلال وتدمير البلد في مذكراته لاحقاً أن أستنتاجنا الأولي بصدد الأسلحة النووية كان صحيحاً ، لأنه لم يكن لعامر السعدي سبب للكذب . ويضيف معلقاً على رسالة عامر حمودي حسن السعدي كانت أدانة صارخة تجاه كذب أدعاءتنا . والسعدي الذي ينتمي الى أعرق الأسر الشيعية ، ولد يوم ٥ أبريل العام ١٩٣٨ ، ودرس الكيمياء في المانيا ونال شهادة الدكتوراه في لندن ، قاد أصعب المفاوضات السياسية العلمية في تاريخ الأمم المتحدة من أجل أنقاذ بلده من الاحتلال . اليوم يعاني من شلل تام في مدينة ( هامبورغ ) الالمانية ويحظى برعاية خاصة من زوجته الالمانية هيلما السعدي ، تزوجا العام ١٩٦٨ بعد علاقة حب عاصفة ، وطرد من الجندية لزواجه من أجنبية ، وأعيد له الاعتبار في السنوات الاخيرة قبل الاحتلال برتبة فريق في سلك الجيش العراقي ، لحاجة العراق له في البناء والعلم والتطور ، وهو من ساهم بأعادة بناء مشاريع الماء والكهرباء والمجاري والجسور بعد أن دمرتها غارات الطائرات الحربية للعدوان الثلاثيني على سيادة العراق بذريعة نظام دكتاتوري وقائد أرعن والتي بلغت مئة ألف غارة على العاصمة بغداد في مطلع التسعينيات ، وتم أعادتها بوقت قياسي وبكلفة ٢٠٠ مليون دولار مما عجز عن تحقيقة خلال ١٧ عاماً ساسة العراق الجدد . لعبت زوجته دوراً مهماً في أطلاق سراحه من زنزانته الفردية في بناية المطار من خلال اللقاءات والمناشدات الى المؤسسات المدنية ومنظمات المجتمع الدولي . وأنجبت له ثلاثة أبناء ولدان قيس وعدنان وبنت ميريام .

يذكر ذلك جعفر ضياء جعفر، ونعمان النعيمي في كتابهما المشترك ( الاعتراف الأخير ) .

ويعرض الباحثان ( حقيقة البرنامج النووي العراقي ) الذي ساهما فيه مع أكثر من 8 آلاف عالم ومهندس وتقني يمثلون النخبة العلمية والفنية للبلد.

أسماؤهم وألقابهم وتخصصاتهم تعكس فسيفساء الأديان والأعراق والمذاهب والطوائف والجامعات والأكاديميات التي أعدت آلاف الكفاءات العراقية. والتقى في (البرنامج الوطني) هدف تحقيق (الكتلة الحرجة) والتي تعني بلوغ (المادة الانشطارية) اللحظة اللازمة لإدامة الــــتفاعل المتسلسل للمفاعل النووي، والتي تغذي نفسها ذاتياً ، علمياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً ، وتنقل العراقيين إلى المكانة التي يستحقونها في مصّاف الدول المتطورة .

أستغرب بأندهاش ساكني الحي الهاديء وجيران العالم العراقي عامر حمودي حسن السعدي أثناء أقتحام بيته من قبل الشرطة السرية الالمانية بعد أحتلال العراق حول مكانة ودور هذا الرجل بما كان يتمتع به بالمقابل من تواضع وعلاقات طيبة مع أهالي حييه وجيرانه ، وهو يشغل هذا المركز المهم والدور الذي يضطلع به كبير المفاوضين العراقيين مع هيئات المجتمع الدولي ( أمريكيا ) ، لانقاذ العراق من محنته ، والتي أدت به في نهاية المطاف بتدميره . في تغريده سابقة للشاعر سعدي يوسف أعتبره ( أسطورة عراقية وطنية ) .

أقتربنا بمرور ١٧ عاماً على أحتلال العراق ، ومازالت هناك أسرار لم تظهر بعد على حجم التأمر والتدمير الذي لحق بالعراق والعراقيين ، والدور المخابراتي القذر الذي لعبته ما يسمى لجنة المفتشين الدوليين في تسويق مشروع الحرب على أدعاءات غير واقعية كذبة أمتلاك العراق أسلحة دمار شامل ، ولم تبادر أي جهة سواء ، كانت عراقية أو عربية رسمية أو أهلية في أستنطاق العالم الفريق السعدي في مطرحه بمدينة ( هامبورغ ) الالمانية حول ما حدث ، كان بمثابة زلزال هز أرض المنطقة برمتها وبأعتباره من كبار المفاوضين العراقيين ومسؤول الملف النووي ومستشار علمي لصدام حسين ، فهو خزين أسرار ومواقف تشكل جزء مهم وفعال من تاريخ العراق السياسي ( العلمي ) .

نشر في جريدة الزمان العراقية في يوم ٧ أيار لسنة ٢٠١٩ مادة بعنوان ( لا تُعجِّل بالرحيل يا عامر السعدي ) لمحمد كامل عارف .

(زوجي الدكتور عامر السعدي مريض جداً ولا يستطيع قراءة مقالاتك، لذلك آسف لأن أسألك رفع اسمه من قائمة بريدك، وشكراً، مع التقدير الكريم، وأطيب التمنيات بالعيد السعيد. هيلما السعدي).

لم أصدق هذه الرسالة المقتضبة بالإنكليزية، رغم أنها مرسلة من العنوان الإلكتروني الشخصي الذي أتراسل عبره مع السعدي منذ غادر العراق…

وكيف أصدق ذلك، وأنا أتوقع منه في كل وقت رسالة عن سير العمل في مذكراته التي تتناول أخطر الصفحات المجهولة في تاريخ العراق الحديث ) .

فكرة الملف النووي العراقي ، ليست جديدة , حيث وضعت اللبنات الأولى لها في زمن النظام الملكي في مطلع الاربعينيات من القرن الماضي ، وفي رحيله يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ , وضع الزعيم قاسم في أولويات أهتماماته , لكون موقع العراق المهم والمحصور بين دولتين من الشرق أيران ( الشاه ) ، وعلاقاته الدوليه وسعي الدائم لبناء منظومة صواريخ متطورة ، ومن الغرب أسرائيل وأمتلاكها الرؤوس النووية وصراعها مع الجيران وأحتلال فلسطين ، لم تكن أمكانيات العراق أنذاك على كافة الأصعدة كافية ولا تسمح له بتطوير تلك الاسلحة بالسرعة حتى البطيئة . في مطلع السبعينيات ومجيء حكومة البعث وتأميم النفط وتدفق عوائده اليومية ، أستفاد منها حكام العراق لبناء مفاعل نووي عراقي بخبرات أوربية وبملاكات محلية وطنية من علماء وخبراء ، الذين بعثوا للدراسات بخصوص هذا الشآن ، لكن حكومة البعث أساءت في أستثماره ، حيث جيٌر سياسيا مما تحول الى شؤوم وأساءة الى البلد وأهله ، ودفع العراقيين ثمناً كبيراً في حياتهم وعيشهم جراء سوء أستخدام هذا الملف … الملف النووي العراقي .