تميزت هذه البقعة الطيبة من الارض والتي كانت (ناحية) بحسب التصنيف الاداري الى فترة قريبة، ثم تحولت الى قضاء عن جدارة واستحقاق واضحين لايمكن ان يماري فيهما الا مبغض .
قرى متعددة لم يكن يلبس ثوب المدنية بينها الا مدينة واحدة مصطنعة وصغيرة ، زرعها النظام الحكومي السابق في وسط الصحراء لتكون سكنا للكوادر الهندسية والامنية والعمال الذين يديرون منشآت عملاقة أُنشئت لاغراض عسكرية تنفيذا لخطط تسليحية طموحة كان يعمل عليها العراق ايام كان يتمتع بقوة اقليمية (شئنا ام ابينا).!
مايعنينا ان اهالي القرى من حول هذه المدينة الحديثة(في ثمانينيات القرن الماضي) والذين يشكلون ماكان يعرف بناحية عامرية الفلوجة ومنذ ذلك الحين تميزوا بميزات لم تُتَح لغيرهم ،فقد ساندوا تلك المدينة بوحداتها السكنية ال(500) كما اظن والتي مازالوا يسمونها (المجمع) .وكانوا يعدونه عراقا مصغرا يجمع كل القوميات والاديان والطوائف من كل المحافظات الى وقت زوال النظام وبتعايش سلمي واخوي قل نظيره ولا زالت آثاره بائنة .
وقد أثّرت تلك المدينة المولودة على حولها حضاريا وتأثرت بمن حولها تقاليديا واخلاقيا ، فاكتسبت الى ميزتها ميزات جديدة من اخلاق العشائر المحيطة وكرمها ونخوتها وعاداتها واعرافها الدينية والاجتماعية الاصيلة،بينما تقبل ابناء العشائر تلك ثوب التحضر الذي قدم اليهم وولد بينهم ، واقتبسوا منه وخالطوه وتمازجوا معه وارسلوا ابناءهم للتعلم في مدارس تلك المدينة المتحضرة، ببناياتها المتفردة واساتذتها المميزين ، وتعالجوا في مستشفياتها المتطورة وتسوقوا من محالها المتماشية مع كل جديد.
فحصل تمازج فريد اثر في الجانبن الذين يعيشون بمسافات يُقطع بعضها سيرا على الاقدام ،واقصاها لايتعدى بضع دقائق بوسيلة نقل.فتخرج من ابناء الارياف المحيطة مهندسون متقنون واساتذة مخلصون واطباء بارعون وحقوقيون محترفون ..بل وظهر بينهم كتاب وشعراء وفنانون.
ثم ظهرت قوى التطرف واجتاحت قرى ومدن العراق دون رادع الا هذه البقعة العامرة ، فقد تسلح رجال العشائر المحيطة ليقاتلوا ويفدوا ارواحهم من اجل مدينتهم الوليدة والتي اصبحت بتقادم السنين ابنتهم ورمزهم ،والتي كانت هي الهدف الاول للمهاجمين المتوحشين ،ودافعوا ومعهم من تطوع من رجال المدينة نفسها ..فصدوا الهجمة وصمدوا في كل مرة ، وانتصروا في كل جولة ،فاكتسبت من هذا اسمها الجديد (عامرية الصمود)الذي استحقته عن جدارة هو الاخر. واستقبلت النازحين واكرمتهم ،فكانت سباقة في كل شيء.
وها هي اليوم تسجل سبقا جديدا وغريبا عجزت عنه امريكا وايطاليا وتركيا والصين،وظل لشهور طويلة نقطة تندر واستنكار وشك عبر انحاء كل العالم ..فما كان يجرؤ احد ان يكون واضحا بقول الحقيقة وماكان يسلمُ احد بتصديقها لضبابيتها،!
فخرج الرئيس الاداري للمدينة على شاشات التلفزيون ومن حوله كوادر مختصة وقرأ رسميا على الناس قائمة باسماء المصابين بفايروس كورونا وعين مناطق سكناهم بصوت مطمئن وبشكل لايقبل اللبس ولايحتمل الطعن والتردد، وبطريقة حضارية شفافة ملؤها المصداقية ، لم يفلح في أدائها اكبر اداريي مدن العالم .
فكان سبقا عالميا لها وكان صمودا آخر ،،لعامرية الصمود.