كنت اتصفح كتاب (تاريخ ومعرفة الاديان) لعلي شريعتي فوجدته يتحدث عن مفهوم الديالكتيك ومفهوم التضاد في الثقافة الطاوية الصينية ويحاول ان يفسر به بعض الظواهر.
فيما كان ليد القدر ان اخرج كتابا قديما اسمه (مدارات صوفية) للكاتب الشيوعي هادي العلوي وهو اخو الكاتب حسن العلوي ، يحاول هادي العلوي في كتابه ان يتحدث عن فجر المشاعية (الشيوعية) كما يسميه في الفكر الصوفي ويتلمس تاريخ تلك الجماعة التي ظهرت وتبلورت بوضوح في القرن السادس الهجري ليصل الى حقيقة ان المشاعية موجودة في فكر هؤلاء .
لا مناص من القول ان فكرة ما حين تطغى يبدأ الجميع بالترويج لها وتعويمها في المجتمع و دعمها هكذا انظر الى علي شريعتي الذي عاش في اوج قوة انتشار الفكر الشيوعي ولم يستطع ان يقاومه بصلابة كمفكر وباحث اسلامي بل طوّع تلك الافكار لقضيته.
ولكن الشيوعية انهارت و ذهبت تضحيات و أعمار فئة كبيرة جدا من شباب المجتمع العالمي الذين أفنوا اعمارهم في سبيل خدمة الشيوعية التي صنعت لهم حلم تسلط البروليتاريا (طبقة العمال).
وكما دفع اسلافنا الثمن سندفعه نحن المروجين للديمقراطية والليبرالية ، سندفعه نحن حين نكتشف انها وهم ايضا وان قصور الانسان هو الذي يدفعه للتمسك بافكار تجعلنا كفئران التجارب ثم يأتي بعدها من يقول ان المفكرين الذين وضعوا تلك النظريات اخطأوا مع ان عدة اجيال دفعت الثمن باهضا من حياتها ونظالها لاجل ان تقوم تلك الفكرة وفي النهاية اتضح انها سراب.
لشدما يضحكني اولئك الحالمين كميشيل فوكوياما الياباني الاصل الامريكي الجنسية الذي يتحدث في كتابه (نهاية التاريخ) عن وصول عربة الجياد الى محطتها الاخيرة ويقصد ان الانسانية وصلت الى محطتها الاخيرة الليبرالية.
انها حماقة تستلب العقل البشري الخلاق وتظن في غمرة النشوة الامريكية وفي ظل انجازاتها ان هذا هو النظام الامثل.
والحقيقة ان الليبرالية ستعيد النظام الاقطاعي الذي انتشر في القرن الثامن عشر وما تلاه و لكن بثوب حديث وجميل سرعان ما سيكتشف بنو الانسان انهم ضحية اقطاعية جديدة تتمثل في سيطرة عدة الاف من الاشخاص على المال والاستثمار والبنوك والاعلام فيما تبقى عدة مليارات من البشرية مديونة لهم ومقترضة من مصارفهم وخاضعة لاعلامهم الذي يشكل عقليات هؤلاء البؤساء ويصيغها وفقا لما يراه هؤلاء الليبراليون.
ولن يتوقف جشع هؤلاء المستعبدين حتى يروا الجميع عبيدا عندهم .
ان المظهر الجميل الذي تتمتع به الليبرالية و التعويم المركز الذي يمارس على مستوى العالم لافكارها يجعل منها فكرة براقة تستهوي الكثيرين حتى انهم يتلمسون الافكار لدعمها والترويج لها ومن المضحك ان تجد من ينظّر ل (الليبرالية الاسلامية) .
ربما اكون ميتاً حين سيسمع العالم دوي سقوط هذه الفكرة الاقطاعية التي تستلب جيوبنا كل يوم وتعمل على افقار المجتمع العالمي وتقليص فرص العمل فيه عبر التركيز والاعتماد على الالة في الصناعة وادخال الروبوتات و منظومات السيطرة عبر الحاسوب وعبر تعويم صادرات مصانعها الضخمة .
يعتقد البعض ان الانسان يحتل المركز في فكرة الليبرالية ولكنها نظرة عابرة فاذا دققنا النظر سنجد الانسان اصبح ألة منتجة ومسيرة عبر اللاوعي و أن مركزية الانسان في الليبرالية تغيرت نتيجةعملية الزحزحة التي عملت عليها فئة التكنوقراط رويدا تلك الفئة التي تبلدت مشاعرها وهي ترى مليارات البشر يأنون ويتضورون جوعا ويعانون تحطما داخليا عظيما في مشاعرهم ونفسياتهم لا يسمعه هؤلاء الليبراليون لأن رنين النقود أصمّ اسماعهم.
ربما سيأتي اليوم الذي سينتفض فيه الفقراء في العالم وستكون النهاية قبيحة لأننا سنكون حينها في فوضى عالمية عارمة ومخيفة صنعها جشع الليبراليين ولا اعدم مثالا اذا اشبهت تلك الفوضى بأجتياح الزومبيات للعالم في الافلام.
وبطبيعة الحال لا يمكن انكار فوائد الليبرالية فتشجيع الاستثمار في مختلف القطاعات واستغلال الموارد وتشجيع البحث العلمي كلها معطيات رائعة لليبرالية ولكن الاستخدام الخاطيء والاستغلال المفرط لتلك الخصائص سيعود بالعواقب السيئة التي اشرت اليها آنفاً.
بقي ان ندرك تماما ان علينا التأني والبحث جيدا وإعمال النقد للافكار التي يتبناها المجتمع لأنها في الغالب يقودها سلوك جمعي خاطيء
مع ان المسير عكس التيار يعني سير في طريق مليء بالاشواك والمصاعب .