لايوجد شخص في العالم اكثر صفاقة من دونالد ترامب ، والصفاقةعادة غير حميدة ، لكنها ليست مضرة ، بل مفيدة احيانا ، فالصفاقة هي صراحة ، والصراحة حلوة ، تصبح صفاقة حين تقال في غير محلها، وقد تتحول الصفاقة الى شجاعة ، حين تواجه شخصا بعيوبه ، او تكشف عن اتصالات شخصية امام اصحابها تّعرض عليك رشوة ،أو تستدرجك للعمل ضد الصالح العام . ، لكن صفاقة المرشح الجمهوري للرئاسة الامريكية دونالد ترامب غير شكل ، حين اعلن عن فلسفته السياسية قائلا (التغليف أهم من المحتوى ) مستعيرا اسوأمسالك التجار في تسويق بضائعهم وخداع المستهلك مع موجة الاعلانات والدعاية والطباعة الرقمية التي اكتسحت المعمورة في الربع الاخير من القرن الماضي ، التصريح الذي وصفه المراقبون بانه لغة سوقية وغير مهذبة واستخفاف باصول العمل السياسي الغامض الرصين المؤسساتي . ميزة ترامب انه مترهّي على الدنيا، وانه ينظر الى السياسيين مثل طلاب المدارس،والرؤساء والوزراء كالباحثين عن فرص عمل ، يتقاعدون برواتب بسيطة ثابتة،وتسلية في آخر العمر بالصور والذكريات الصاخبة . ولذلك وصفه المتحمسون ضده ، بانه يرى نفسه أكبر من امريكا ، فهذا الاخطبوط الاقتصادي الذي بنى ناطحاتالسحابوالبناياتالكبرىوالفنادقالفخمةوجسور ومشاريع جبارة ضخمة، الذي يرافق اميركا الى عالم العمران والفخامة ويتابع بنفسه طباعة الدولار وحركته في بنوكالعالم، ويراقب سير النفط في الانابيب من منابعه، ويعرف كم يخسر الملوك والرؤساء والاثرياء في صالات القمار التي يملكها، وليس في مباحثات كامب ديفيد ، هذا الملياردير ابن الملياردير لايليق به ان يكون منافسا لرجل او امراة يقرأون الكتب ويحفظون التاريخ ويحيكون المؤامرات ويجيدون الاصغاء والاعمال المكتبية . لذلك فجعوا بصراحته ، وداخوا بلغة الشارع ومنطق السوق واحتقار البروتوكول الرسمي ، بل كان قد خرّب لهم الاعلام حين بنى امبراطورية برامج الترفيه والمسابقات وملكات الجمال والثقافة السطحية التي غزا على حصانها الشرق والغرب .
في اخر استطلاع للراي نظمه مركز”إبسوس”للابحاث الاجتماعية ونشرتنتائجهمنتصف الشهر الجاريتراوحالتأييدلكلينتونبين 41 و44 فيما تراوحت نسبة مؤيدي ترامب بين 33 و39 بالمئة، لكن مشكلة ترامب الان ليست بينه وبين الديمقراطيين مرشحة وحزبا ، بل مع حزبه المنقسم بشان دعمه، بين المغامرين المراهنين على بلدوزر السياسة الجديد، والنادمين القلقين من حماقاته وغروره وتصريحاته الخطرة بشان الاقتصاد والتحالفات والحرب واللاجئين والاقليات والازمات المزمنة في العالم ،بل لم يتوان عن مخاطبة اصدقاء اميركا ومنهم خليجيون وعرب ، (ادفعوا اكثر نحمكم اكثر)، وهو ما عده جمهوريون من داخل حزبه ، بانه اهانة للسياسة واهانة لامريكا ولاصدقائها. ومع ان حديث العربي في السياسة والانتخابات الامريكية مثل الصيد بالطشت ، لكن صفاقة ترامب تسهّل الامر كثيرا ، فاما الذي يحصل هو جديد عالم السياسة الحديثة الذي سينتقل في عصر المعلومات والتواصل الاجتماعي الى سلوك مغاير ولغة مختلفة ، او انه عالم ترامب وحده ، حين يسعى أحد مُلاّك الكرة الارضية لان يكون رئيسا لدولة فيها .