21 ديسمبر، 2024 2:11 م

خلق الله تعالى الجسد ونفخ فيه من روحه وخلق العقل قبلهما من نوره وقال له اقبل فأقبل وقال له ادبر فأدبر فقال تعالى لعقل انت افضل خلقي وبك احاسب وبك اعاقب وبك اثيب فكان الانسان مخلوقاً متعدد الابعاد: روح من روح الله وجسد من طين من حما مسنون وعقل من النور الالهي وهو مقياس الوعي والمعرفة والفكر والحساب والعقاب والثواب والجزاء فكان لزاماً على الانسان ان يحيط اولاً وقبل كل شيء معرفة نفسه حتى يعرف لم خلق والى اين المصير وما النهج الذي يجب ان ينتهجه في الحياة ليحقق الغاية من خلقه كما ورد في المأثور (من عرف نفسه عرف ربه).
هنا اختلف الناس بين مادي بحت يبحث ما يشبع نهم جسده فقط من طعام وشراب وجنس واموال وسلطة وثروة وغيرها الكثير مبتعداً عن تحكيم العقل واجابة نداء الروح للتخلص من سلطة المادة والجسد والالتحاق بعالم الروح الاعلى والتقليل من اتباع الغرائز الى الحد الادنى. في حين اتبع اخرون طريق العقل المجرد وبلا قيد او شرط وبلا حقائق اولية مبدئية او اي منطق سليم يبرمجون به عقولهم فتاهوا في عوالم الاساطير والخرافات او في عالم يقول اربابه (ان لم اشاهد الله تحت مبضع الجراح فلن اؤمن بوجوده!) فظلوا عن جادة الطريق الذي رسمه الله تعالى لخلقه بما ارسل من رسل وانبياء ورسالات كان الهدف منها خلق التوازن الداخلي في الانسان بين العقل والروح والجسد وتحقيق حالة السلام والانسجام بين المكونات المتعددة للمخلوق الواحد.
صنف اخر من البشر انتهجوا نهجاً صوفياً بحتاً بمحاولة قتل الغرائز وايقاف العقل واتباع النقل والماوراء فقط والرهبنة بتعبير مختصر وبلا انصاف للجسد والعقل وبلا انفتاح على ما يحتاجه المسير الى الله من التوازن الداخلي فشطحت بهم صوفيتهم الى عوالم غريبة عجيبة لم توصلهم الى المراد من الخلق بل ابعدتهم عن رسالتهم في الحياة وعزلتهم في زوايا ضيقة بعيداً عن الخلق والناس فتاهوا عن الهدف وتشبثوا بقشور من هنا وهناك.
اذا ما العمل؟ وكيف السبيل الى الحركة بما يحقق ما اراد الله لنا؟
الجواب ببساطة هو بأتباع المنهج الرسالي الذي بعث الله عليه انبيائه ورسله والذي وازن بين العقل والنقل والروح والجسد بلا بخس لحق اي منها او تسليطه على الاخر ومن هنا جاءت رسل ربنا تترا كلما مات نبي او رسول بعث الله بعده من يكمل رسالته او يعدل بعض تعاليمها بحسب التطور الزمني او التغير الاجتماعي او يقوم الانحراف الذي يحصل في الرسالات بسبب سوء فهم بعض بنودها او تريف تطبيق بعض مبادئها حتى جاءت رسالة الخاتم الامين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله وسلم) مكملة لما قبلها من الرسالات ومتتمة وناسخة لكل ما قبلها وخاتمة لشرائع السماء وبأسلوب تصريح وتلميح في القرآن وفي كلام ترجمانه ومفسره الرسول الاكرم (ص) والذي وضح ما وضح وشرح ما شرح في حياته قولاً وعملاً حتى اذا حان وقت التحاقه بالرفيق الاعلى ترك في الامة ثقلين هما (كتاب الله واهل بيته (ص)) لتقويم الامة ووقايتها من الانحراف وليتها اتبعت ذلك السبيل!
ان معرفة ما سبق تحتم على الاباء بصفتهم المدرسة الاولى للنشيء الجديد ان يسارعوا الى تلقين الابناء نصوص الدين قولاً وفعلاً حتى يحصنوهم ضد الهجمات المادية او الانحرافية المنشرة في كل مكان وزمان وخصوصاً في زمن الملاحم والفتن ولا ننسى ان كل انسان معرض في حياته الى ابتلاءات وامتحانات واختبارات لمعرفة مدى صدق عقيدته وصبره على الشدائد لترقية رتبته الايمانية او لتكفير ذنوبه السابقة او غيرها من الغايات التي لا يعلم حكمتها الا الله تعالى والراسخون في العلم فمن ها المنطلق وجب ان يكون عند المبتلى خزين مسبق من عالم الروح والمعنويات التي تعينه على تجاوز الصعاب وتمنع انحرافه الى الجانب الاخر والكفر والسخط على الوضع الى الحد الذي يحرمه من اجر الصبر ويوصله الى الكفر والقنوط فالله الله في ابنائكم واهليكم يا ارباب الاسر فهم امانة في اعناقكم ما داموا في ظل حكومتكم البيتية وحتى يبلغوا اشدهم فالله تعالى قد امركم بالعمل على وقايتهم النار كما تعملون لتقوا انفسكم كما في قوله تعالى )يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون( التحريم (6).
وللأسف نرى الكثيرين ممن عاثت الدنيا وابتلاءاتها بهم الفساد فأصبحوا وحوشاً كاسرة في جسد ادميين لا لشيء الا لأن القائمين عليهم قصروا في ارضاعهم وزقهم علوم الدين ونهج السماء في الصغر فسقطوا في اول اختبار في الكبر واصبحوا اكثر شراً ومكراً وكفراً من هوام الارض وسباعها واكثر ضراوة على الانسان من ابليس اللعين والنفس الامارة بالسوء وللأسف اعدادهم في تزايد في زمن الفتن والسبب هو بعد الاهل عن الاشراف المباشر على التربية والمتابعة المستمرة والغزو الفكري والثقافي من كل مكان فأصبح الدين في اخر سلم ترتيب اولويات البشر رغم ان الله تعالى قد فتح ابواب الرزق والرحمة والتقرب الى العباد على وسعها وهو القائل (عز وجل من قائل) (قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) وهو تعالى من يتودد الى العباد ويتقرب منهم وهو غني عنهم فقط ليهيئ لهم سبل الرجوع اليه والتقرب منه ويقطع الطريق على الشيطان والنفس الامارة بالسوء من التحكم بالعباد وجرهم الى الهاوية في الدنيا والاخرة.