شَكلَ عالمُ الجنِ لغزاً محيراً للإنسان ؛ حاولَ فكَ بعض رموزهِ وطلاسمهِ ،والولوجُ إليه بشتى السبلِ ،باحثاً عنْ مَنْ يحققُ لهُ الرغباتِ الحياتيةِ . وتعودُ حكايات الجنِ والعفاريتِ والصراعُ معها إلى بدايةِ نشوءِ الحضارةِ ، حتى نُسبتْ بعض الأعمالِ الضخمةِ إلى مخلوقاتٍ هذا العالم الغريب ، من قبل أن بناء الأهرامات كان بمساعدة الجن ،وهكذا من المبالغات القصصية التي مَلئتْ الكتب حتى اليوم . جاء الإسلام ليؤكد حقيقة عالم الجن في آيات عديدة ،وأنه عالم غير مرئي إلا لأصحاب الكرامات من الأنبياء والصديقين. وقسم القرآن الكريم الجن إلى نوعين : مسلم وكافر ، ولكن هؤلاء لا يملكون ضراً ولا نفعاً للإنسان إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى .
السينما والتلفزيون حاولت استثمار هذا الموضوع لبث المرح والسعادة في نفس الإنسان ، وأبعاده قليلاً عن المشاكل الحقيقية. ولعل سلسلة مغامرات علاء الدين والمصباح السحري من أكثر الموضوعات تناولاً في تاريخ السينما والدراما العالمية والعربية . وتأتي مسلسل ” عفاريت عدلي علام ” أنتاج 2017 ليكمل الرغبة البشرية في الحصول مساعدة من عالم الجن للخلاص من المشاكل المعقدة التي تعترض الحياة المعاصرة . وجاء هذا العمل عبر سلسلة من نجاحات التي حققها تعاون النجم عادل إمام مع الكاتب والروائي يوسف معاطي عبر مسلسلات ” فرقة ناجي عطا الله ” و” صاحب السعادة ” و” العراف ” و” أستاذ ورئيس قسم” و” مأمون وشركاؤه ” مع سيطرة إخراجية لابنه رامي إمام . لم يستطع الكاتب معاطي أن يستوعب الخيال البشري في عالم الجن والعفاريت بشكل جيد ،حيث تبعثرت أفكاره ،وضاع مغزى العمل ، وانشغل بجزئيات دون الموضوع الرئيسي . ربما كان هَم الكاتب الإتيان بموضوع مختلف عن ذي قبل لأجل المغايرة والتجديد ،وأثارت هذه الموضوع نحن في زمن تتحكم في التكنولوجيا في أدق تفاصليه .
المسلسل يكاد يقترب من فيلم “عروس النيل ” أنتاج 1963 ومن أخراج فطين عبد الوهاب وتأليف كامل يوسف وبطولة لبنى عبد العزيز ورشيدي أباظة . هناك تشابه بين العملين يصل إلى حد الاقتباس .ففي فيلم ” عروس النيل ” نجد عروس النيل ” هاميس” ابنة أله الشمس آتون التي تؤدي دورها لبنى عبد العزيز تظهر للباحث الجيلوجي” سامي ” رشيدي أباظة وتطارده وتسبب له مشاكل بقالب رومانسي كوميدي . في الجهة المقابلة نجد الجنية ” سلا ” ابنة ملك الجان غادة عادل تقع في غرام الأديب والباحث المدفون بين طيات الكتب ” عدلي علام ” عادل إمام .كلا الفتاتين خرجتا عن نواميس عالمهما اللتان جاءتا منه ،ولابد أن تنالا عقوبة لخرقهما القوانين التي تسود عالم كلا منهما .
الرومانسية الكوميدية التي تعطر أجواء فيلم ” عروس النيل ” .في حين الواقعية الكوميدية هي من تحرك أحداث مسلسل ” عفاريت عدلي علام ” .ربما سعى الكاتب يوسف معاطي إلى ربط الواقع بالخيال من خلال طرح قضايا ذات تماس الإنسان المعاصر كالفساد الإداري والشعوذة والسحر واستغلال السلطة وتغيب الكفاءات وغيرها من الموضوعات التي تحمل روح المعاصرة .
مسلسل ” عفاريت عدلي علام ” لم يحقق النجاح المنشود له لأسباب كثيرة ، منها: تشظي الفكرة وعدم مركزية الموضوع حيث استهلكت الجزئيات اغلب حلقات المسلسل .قصر الحلقة الواحد الذي لم يتجاوز 25 دقيقة وعدم تكثيف الموضوع . رتابة بعض الأحداث وتكرارها حال دون تحقيق متعة المشاهدة . فضلا على وجود نفس يشجع النظرة الإلحادية من خلال ضرورة عدم ذكر الله وسبحانه وتعالى للحيلولة دون غضب الجن . وأيضا هناك دور عادل إمام في المسلسل الذي لا يختلف كثيراً عن ما قدمه سابقاً ،وشخصية الرجل المثالي الذي يبحث دائما عن سعادة الآخرين على حساب نفسه .، وهذه الشخصية أصبحت مستهلكة .ربما مثل هذه الأدوار تناسب عادل إمام عمريا بعد أن ملأ السينما والتلفزيون شغباً وخفةً.