23 ديسمبر، 2024 1:48 م

عالم الآثار العراقي بهنام أبو الصوف في ذمة الخلود

عالم الآثار العراقي بهنام أبو الصوف في ذمة الخلود

لعل ما يعتبر مواساة لصحبه ومحبيه وطلابه، أنه ترك ثروة من مؤلفاته لمّا تزل تذكّرنا به وبجليل مساهماته في حفظ تاريخ وتراث وطنه الأم-العراق، ذلك هو عالم الآثار العراقي الكبير بهنام أبو الصوف. فقد جاءتنا الأخبار من عمّان/ الأردن في يوم 19/9/2012 برحيله الى عالم البقاء بعد اصابته بجلطة قلبية حادة.
ولد الفقيد في محلة “باب النبي” الموصلية الأثرية العريقة في تموز من عام 1931. وقد كانت نشأته الأولى وظروف المدينة التي عاش فيها طفولته وصباه، العامل الحاسم تأثيرا في نهجه للدراسات التاريخية الأثرية. ولا ننسى أن مجالس والده كانت تفوح فيها عطور قصائد الشعر العربي وروايات وقصص وأساطير الأدب العربي المعروفة. حتى لأذكر المرحوم أبو الصوف في لقاء أذاعي العام الماضي وهو يشير الى هذه الحقيقة قائلا ” أنه بعمر ال12 عاما كان يسمع قصص عنترة بن شدّاد وقبائل العرب وقبائل شمّر، ويعيش حالات أبطال التاريخ العربي، ويسمع الألياذة والأوديسة”.
وكل ذلك مما يؤثّر في الصبي الذي راح وبسبب قوة الجسد الفيزيائية يمارس الرياضة والسباحة متطلعا لأن يكون طيّارا أو رياضيا. ولكن للأهل موقف وخاصة والدته التي أرادت له أن يكون جامعيا متسلّحا بسلاح العلم وهو المقتدر عليه والمؤهل له. وهكذا كان فأذا بجامعة الموصل ومن حسن الصدف تقرر فتح فرع لدراسات الآثار والتاريخ في كلية الآداب وذلك في عام 1951 حيث يقرر الشاب بهنام أبو الصوف فرحانا الأنتماء لهذا الفرع والتفرغ للدراسة فيه لمدة أربع سنوات قضاها ليتخرج بشهادة جامعية أولية أهّلته لأن يطلب المزيد.
وفي بداية الستينيات من قرننا الماضي سافر بهنام أبو الصوف الى بريطانيا طالبا لعلم الآثار حيث واصل دراسته العليا وحصل بأمتياز على شهادة الدكتوراه على اطروحته التي جاءت بعنوان ” جذور الحضارة وعلم الأجناس البشرية” وذلك عام 1966.
ومنذ ذلك الحين لم يألوا أبو الصوف جهدا في التعريف بحضارة بلاده وذلك من خلال:
1 انغماسه بعملية البحث والتنقيب الأثري عن كنوز أثرية في أرض الوطن.
2 بذله الجهد المتميز في التأليف والبحث العلمي.
ففي مجال التنقيب الأثري أشرف أبو الصوف على تنقيبات أثرية واسعة في حوض سدي حمرين (بمحافظة ديالى) وأسكي الموصل على نهر دجلة وكل ذلك بين الأعوام 78-1985. وقد تمكّن من الكشف عن حضارة جديدة لم يعرف أحد عنها شيئا قبل ذلك يعود تاريخ أقدمها الى مطلع العصر الحجري الحديث (مطلع الألف السادس قبل الميلاد) وذلك في وسط العراق (تل الصوان في سامراء).
كما عمل المرحوم بهنام أبو الصوف في موقع قاينج أغا قرب قلعة أربيل التاريخية، حيث أدّت تنقيباته الأثرية الى أكتشاف مستوطن واسع من عصر الوركاء مع معبدين قائمين وسط حي سكني قديم شكلّت طبيعة بنائه البدايات الأولى للزقورة في أرض وادي الرافدين.
وفي مجال التأليف العلمي التاريخي الأثري نشر المرحوم أبو الصوف بحوثا عديدة هي نتائج اكتشافاته وتنقيباته وذلك في مجلة (سومر) بالعربية والأنكليزية. كما ألّف الكتب التالية:
* فخاريات عصر الوركاء ، اصوله وأنتشاره (باللغة الأنكليزية)
* ظلال الوادي العريق
* العراق: وحدة الأرض والحضارة والأنسان. وهو الكتاب الصادر عن دار أفاق عربية والموسوعة الصغيرة في بغداد.
* تاريخ من باطن الأرض عام 2000 (وهو الكتاب الزاخر بتفاصيل عملية في علم الآثار هي خلاصة تجربته لمدة 30 عاما)
* قراءات في الآثار والحضارة عام 2005 في عمّان.
ولم يقتصر أمر المساهمات العلمية على الـتأليف والنشر البحثي في المجلات المعروفة بل أخذ العالم بهنام أبو الصوف بالأشراف على طلبة الدراسات العليا وبذل الجهد في نقل تجاربه لأبنائه الطلبة من خلال محاضراته وحضوره لمؤتمرات علم الآثار في مختلف أنحاء العالم.
وكان قد وضع قبل وفاته كتابه بالأنكليزية موثقّا بالتفاصيل، أعماله الميدانية العلمية في مجال الأثار والتراث ومنذ عام 1955 وحتى أواخر الثمانينيات.
لقد كان العالم الجليل بهنام ابو الصوف شخصية عراقية علمية متميّزة في نشاطها وحرصها على أن يكون لتاريخ العراق أبناءه البررة الذين ينقبّون عن كنوزه فيعرّفون البشرية عليها بما يثبت في الأنسان هويته ويزيد من صلابة أيمانه بأصالته وجذوره الطيبة. وهكذا سمعته يوما عبر الأثير يقول بأن أمنيته كانت أن يساهم يوما في العثور على مقبرة حمورابي ومدينة أكد.