23 نوفمبر، 2024 2:04 ص
Search
Close this search box.

عالم أكثر غباءً

في دراسة حديثة أكدت عالمة الأنثروبولوجيا ( هيلين فيشر) من جامعة روتجرز الأمريكية أن أحد عوامل الجذب التي تحبها المرأة في الرجل وفي جميع أنحاء العالم إطلاق لحية متوسطة ، بحسب ما نقلت وكالة RT عن صحيفة “Psychology Today ” . على الفور تذكرت كيف كان الإتيكيت الحضاري في منطقتنا في السبعينات وما تلاها يفترض أنها من مظاهر التخلف ، وذلك قبل انفجار اللحى بعد ( حريم السلطان ) .
فيما أكدت دراسة لعلماء مركز الأبحاث الاقتصادية النرويجي ( راغنار فريش ) حدوث انخفاض في ذكاء البشر في العقود القليلة الماضية . وثبت أن القدرات الفكرية للناس آخذة في الانخفاض بدلا من التطور رغم الرفاه العام الذي وصل إليه سكان النرويج .
يرجع الباحثون أسباب تراجع مستوى الذكاء إلى التغيير في نمط حياة البشر ودخول تقنيات الكمبيوتر بشكل كبير والأنظمة الغذائية غير المتوازنة والتي أصبح يتبعها البشر .
لعل وصول ( دونالد ترامب ) لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية كان محفزاً للمراقبين ان يتابعوا تحليل واقع العقلية الأمريكية الحديثة ، فرغم عراقة المؤسسات واللجان السياسية والدبلوماسية للولايات المتحدة إلا أنها فشلت في إخفاء الجانب غير المتحضر لرئيسها ، وهو على مستوى من العنف النفسي مكشوف جدا .
فيما فاز الناشط في الحزب الجمهوري ، والذي يملك سلسلة من بيوت الدعارة المرخصة ، ( دينيس هوف ) بالانتخابات التمهيدية لحزبه في ولاية نيفادا الأمريكية ، ليكون بذلك المرشح الأوفر حظا في دائرته في المنافسة الانتخابية القادمة ضد الديموقراطيين .
ولم تستبعد الممثلة وعارضة الأزياء الأمريكية الشهيرة، كيم كردشيان، أن تدخل عالم السياسة ، وردا على سؤال لقناة “CNN” حول ما إذا كانت تنوي الترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية، قالت كردشيان لا يجب في أي حال من الأحوال قول ” لا أبدا ” . وجميع الشعب الأمريكي يعلم ما هي الخلفية التي تنطلق منها كردشيان .
ان هذا الانحدار السياسي لأكبر قوة اقتصادية وعسكرية عالمية وذات عراقة مؤسساتية وعلمية لا شك هو ناشئ عن انحدار فكري وعقلي ، ومن ثم هو بتأثير قوى الدفع السياسي والتجاري يتم نقله لمنطقة الشرق الأوسط .
فمنذ العهد الملكي في مصر الكبيرة يتم خداع الشعب المصري ، حتى غرق بالديون ، ليتم التدخل في شؤونه تحت عنوان المساعدات المستعجلة . ومرة حين استقال عبد الناصر ، وعاد ليحمّل الشعب وزر سياسته ، بعدما أطاح بقائد الثورة محمد نجيب . ومرة حين تم تصوير تواطئ السادات مع الصهاينة على أنه انتصار ، رغم أن ثلاثة وزراء معنيين بالشؤون الخارجية استقالوا من حكومته ولم يستطيعوا تحمّل هذه الهزيمة رغم ولائهم له . ومرة حين تم عرض نظام اسلاموي يتناغم مع توجهات غالبية الشعب المصري ، لكن بنحو ساذج ، ومن ثم جاؤوا بالمخلّص من هذا النظام ، لكنّه كان بالفعل إحدى الأذرع المهمة لنظامي مبارك والإخوان معا ، إذ كان المسؤول العسكري الأول لهما ، ليبيع البلد تحت مسمّى الانقاذ .
ً جميع الحالات تم استخدام الإعلام والسينما لترقيع وتلميع وتفخيم الصور الهزيلة لهم . اذ ان مال السينما المصرية له رافدان ، محلي ناشئ عن الأجهزة المخابراتية للدولة ، أو رأس المال الخارجي .
وفي جميع هذه المراحل لم يزدد الشعب المصري الا فقراً مدقعاً وانكساراً نفسياً تحت ظل الأنظمة المخادعة. رغم انه واحد من أعرق وانضج الشعوب عقلا ، لكنه اليوم لا يستطيع قراءة أحرف المشهد السريع . وبالفعل يزيد النظام التعليمي في هذا البلد من حالات التدهور الفكري المصاحب للتدهور الاجتماعي ، مع ازدياد هوة الفارق الطبقي ، والناتج طلبة مرفهين غير مشغولين بالدراسة ينتمون لأهم الجامعات الخاصة والحكومية ، وطلبة يهتمون للعلم والطموح لكن لا يملكون المال فيلجؤون لاضعف الإيمان .
في إعلان واحد مشترك لمجموعة مسلسلات على قناة MBC كانت محصلة البرومو كلمات ( قتل ) و ( لا ) و ( انت طالق ) .. فيمكن تصوّر كمّ السلبية التي تنشرها مثل هذه القنوات . وهذه المجموعة السعودية تتبع لولي الأمر .
ان الكثير من حكومات ما بعد الاستعمار تفتخر ببرامجها الأمنية والصحية لمكافحة آفة المخدرات ، لكنها لا تلتفت مطلقاً لحقيقة ان هذه الآفة لم تعرفها شعوب المنطقة إلا بعد تصدّر هذه الحكومات للمشهد السياسي . حالها حال السينما التي تدّعي معالجة هذه الظاهرة دراميا ، لكنها في الواقع كانت المروّج الأول لها .
“أعتقد أننا أوجدنا أدوات تمزق النسيج الاجتماعي” بهذه الجملة الصارخة عبر أحد المديرين التنفيذيين الكبار في شركة ( فيسبوك ) قبل مدة عن ندمه الكبير. وأضاف تشاماث باليهابيتيا خلال محاضرة في جامعة ستانفورد الأميركية إنه توقف عن استعمال الموقع الأزرق ، كما منع أولاده من استعماله أيضاً .
ان النتيجة غير المباشرة للعولمة الثقافية هي ارتفاع حاد في حالات الانتحار ، لا سيما بين الشباب والمراهقين . ورأيي ان هذا الأمر ناتج عن ضعف القدرة على المنافسة والاحساس بالعجز والفشل ، مع ارتفاع لنسبة المفاهيم المغلوطة المعروضة في الأعمال الدرامية والإعلامية ، التي تحاصر ذهن الشاب وتجعله أسيراً لرؤى وقواعد وافدة لا تناسب مجتمعه ، فيعيش حالة من البؤس والجشع الغرائزي ، وتنهار لديه دوال العقل ، بعد أن يتم استلاب قدرته على التفكير .
وفي أعرق حضارات العقل البشري في العراق حين يجف نهر كان أحد الرافدين لحضارة ما ، يكون علاج هذه الكارثة عند قيادة دينية عليا في مجتمع عقائدي هرمي ان تقول للناس ” ان الماء نعمة يجب الحفاظ عليها ” . وتكتفي بهذه الجملة ، ويصدقها الشعب ويرى أنها مخلصته ، لنعلم حينها حجم الانحدار في عقلية كانت الجدلية الانضج في العالم .
وبمجرد كتابة كلمة ( comedy ) على يوتيوب سنجد أن ثقافة ( التحشيش ، التحفيل ، الضحك على الآخرين ) منتشرة عالميا ، وأنها لا ترتبط بعمر معين ، بل تقوم على ( سطحية ما بعد العولمة ) . ومن الواضح أن الغرب غارق فيها ، وهي الان تثير جنون الشرق .
ونتيجة لهذا العالم الغبي الجديد كنت أستمع لسائحين دينيين محليين من الشباب في وسط العراق ، واحد السائحين يشرح للسائح الاخر عن سر تسمية منطقة باسم ( الحبوبي ) ، هل استناداً لحبوبته ( = جدته باللهجة الجنوبية العراقية ) ؟ فأجابه الاول : ” لا ، لكن هو شاعر من اهل الناصرية أسس الشعر واكتشفه ومن جوه أيده طلع السيّاب ” ! .
الناس في سيرتهم اليوم يؤكدون لي – كباحث – حقيقة ما قيل ( كيف ما كُنْتُمْ يولّى عليكم ) . حيث اقتران ظواهر الغباء و الفساد بالمسؤولية .
وهذا يعني ان مجتمعنا يعاني اختلالات ومساوئ جمة ، لابد من تشخيصها ودراستها ، لتتم معالجتها . حيث من المؤكد ان شبيه الشيء منجذب اليه ، وبالتالي ان وصول المفسد والفاشل لإدارة مقومات الأمة ناتج عن وجود من يشبهه فيها ، وبكثرة .
ومما يُنقل عن كتاب بحار الأنوار عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال : ( يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء وحمرة تحلل السماء وخسف ببغداد وخسف ببلدة البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في اهلها وشمول اهل العراق خسوف لا يكون معه قرار ) .
فقد يستعرض شاب معاصر حالة شذوذ ما – ناتج عن خطأ بشري ربما ، او انه كان جزءاً من سلوك الانتظام ذاته كما في الشذوذ الذي صاحب المادة الأولى ولولاه لما نتجت العناصر ولا حدث الاندماج – في الطبيعة المادية على أنها دليل عدم انتظام يدل على عدم وجود وعي خلف خلق وإدارة هذه الطبيعة ، لكنه يتغاضى عن مجمل النظم الكوني المتقن الذي لا يستقيم إلا بوجود ذلك الوعي .
وقد يستعرض بعض العلمانيين العرب – لنصرة معتقداتهم – الحالة التقنية والمادية المتقدمة التي وصل إليها الغرب ، نتيجة لتطبيقه المنهج العلماني ، ويعرضون كنموذج لهذه الحجة مجموعة دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا واستراليا ، لكنهم يغفلون تماماً عن باقي العالم الغربي من دول أمريكا اللاتينية والمكسيك وشرق أوروبا ، التي تعاني انفلاتاً واضحاً على المستوى الأمني ، وفقراً مدقعاً على المستوى الاقتصادي ، رغم أنها تطبق ذات النظام السياسي والفكري .
والحقيقة أن أوروبا المادية الحالية ليست وليدة النظام السياسي ، بل هي محصلة ثروات الاستعمار والاستحمار لدول وشعوب أخرى نهبتها منذ القرن الخامس عشر عسكريا وسرقتها اليوم بالاستحمار . بينما عجزت دول الغرب الفقيرة عن ذلك .
ان منطقتنا الفكرية تعاني تراجعاً فكرياً وذهنياً خطيراً متماشياً مع وباء الغباء العالمي ، لكنه يتعزز هنا بمشاريع زيادة الغباء التي تدعمها سفارات الدول الكبرى في المنطقة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات