في لقاء لرئيس الوزراء نوري المالكي مع الإعلامي نبيل جاسم (فضائية السومرية الغرّاء)، اوضح الاول انه «لا يعرف يلعب وأنه مسؤول عن سيادة البلد». وأنا اؤمن تماما بما قاله رئيس الوزراء لعدة اسباب؛ فالوضع الدولي والإقليمي والمحلي لا يسمح بأي لعب أو عبث، فنحن اشبه ما نكون بفصيل مشاة عالق وسط حقل الغام، وليس امامنا سوى اختيار ممر للخروج بأقل الخسائر من حقل الالغام هذا.
منذ انسحاب قوات الاحتلال الأميركي ورئيس الوزراء مستمر بنكش اخطر الملفات، حيث بدأ بملف نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي (ادين وصدرت بحقه خمسة احكام بالإعدام). ولم يصدق احد أن تطفيش طارق الهاشمي من العراق سيمر بتلك السلاسة واليسر. وبالتوازي مع ملف الهاشمي، فـُتِحَ ملف إقليم كردستان؛ من النفط والمنافذ الحدودية وتمدد الإقليم إلى خارج حدوده إلى أن انتهى الأمر بتشكيل قيادة عمليات دجلة لتولي شؤون الأمن في المناطق المختلطة لردع الإقليم من التمدد خارج حدوده. ومازال الملف ملتهبا والأجواء ملبدة بمخاطر حدوث مواجهة بين الجيش الاتحادي والميليشيا الكردية. ولا أراني أجانِبُ الصواب بوصف القوات الكردية بالميليشيا طالما أنها بدأت تصوِّب نيران اسلحتها نحو القوات الاتحادية.
خلال الهدنة المؤقتة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، قامت القوات الحكومية بتنفيذ اوامر قضائية لاعتقال عشرة افراد من حماية وزير المالية رافع العيساوي. وحالها حال الكثير من تصرفات القوات الامنية كانت طريقة الاعتقال عدائية واستفزازية إلى ابعد الحدود، فَخَلـّفَتْ ردود افعال عنيفة من قيادات ائتلاف العراقية، ولكنها تبقى ردود افعال على فعل، ومن الاجحاف فصلها عنه. والدليل أن تسوية سريعة حصلت تم خلالها تبادل الاعتذارات. ولكن، وهو المهم، لم يتم على الاطلاق الافراج عن افراد الحماية العشرة الذين تم اعتقالهم، بل تـُرِكَ ذلك للقضاء.
حين اقدم المالكي على قراره المذكور، فإنه بالتأكيد وضع نصب عينيه علاقاته المنهارة مع التحالف الكردستاني، والمتردية مع التيار الصدري، والمتوترة مع غالبية قوى ائتلاف العراقية، وما قد يشكله ذلك من مخاطر إعادة طرح ملف سحب الثقة من حكومته، فقد حسبها المالكي بالمسطرة، فنواب العراقية لا يستطيعون سحب الثقة منه وهو الواقف بوجه محاولات التحالف الكردستاني لقضم اراضي المحافظات العربية المجاورة للإقليم، وكذلك التيار الصدري؛ فكيف يسحب الثقة من المالكي الذي قبض على اشخاص متهمين بالإرهاب ليس إلا. أما التحالف الكردستاني؛ فهو ليس في أحسن أحواله، فالمزاج الشعبي والحكومي متفقان على أن العلاقة لن تستمر بناء على شروط الإقليم وحده، فأما الاتفاق على حل وسط للأزمة، أو «تسريح بإحسان»؛ أي أنْ ينفصل الإقليم ليُغلـَقَ ملف لم يجلب للعراق سوى عدم الاستقرار. وهذا لم يأت من فراغ، فبعدما سأم العراقيون من تهديدات مسعود برزاني بالانفصال، صاروا أكثر تطلعا من الشعب الكردي لانفصال الإقليم عن العراق.
قبل الانسحاب الامريكي وقف نوري المالكي بمفرده بوجه مطالبة محافظتي صلاح الدين وديالى لإقامة فدراليتين في كل من المحافظتين. ورغم كل أن ذلك حق كفله دستور العراق، إلا أن المالكي اعتبر أن الوقت ليس ملائما في ظل الوضع الامني المحلي والوضع الإقليمي المتدهور (في سوريا بالتحديد). ولا اريد أن اوحي بأن كل الزعامات العراقية كانت تريد إقرار الفدراليتين، بل أن اغلبهم كانوا بالضد منهما، خوفا من تكونا مدخلا لتقسيم عرب العراق بين فدراليتين سنية وشيعية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقسيم البلد.
الوحيد الذي أيـّد الفدرالية العربية السنية هو مسعود برزاني، والأسباب معروفة طبعا، فقد ظنّ أن ذلك سيسهل عليه استقطاع المناطق المختلطة منها، وربما هذا ما دفع بنوري المالكي أن يئد المشروع في مهده.
إن المالكي احتج بعدم حسم ملف المناطق المختلطة وعدم إقرار قانون حدود المحافظات الذي قدمـّه رئيس الجمهورية جلال طالباني، ولكنّ المالكي عاد وقال أن قانون حدود المحافظات غير قابل أبدا للتطبيق بصيغته الحالية.
هكذا نحن منذ كانون الاول الماضي، وقبله، وإلى يومنا هذا، ونحن حابسي الانفاس وواقفين على رِجـْلٍ واحدة في وسط حقل الالغام الذي حدثتكم عنه، بانتظار أن يحدد لنا رئيس الوزراء ممر الخروج الآمن منه (حقل الالغام)، لنطأ ارضا آمنة يمكننا أن نستلقي عليها لنذب عنا تعب ومعاناة هذه الفترة الطويلة من التوتر والشد التي لم نحصل خلالها على اية استراحة.
الطامة الكبرى أن أي من الملفات لم يتم السير به حتى النهاية وحسمه بالكامل، دون أن ننسى ملفـّيْ البنك المركزي العراقي وصفقة الأسلحة الروسية وما سيتمخض عنهما من تداعيات بعد انتهاء التحقيق فيهما.
وعلى ذكر صفقة الأسلحة الروسية؛ فإن مباركة امريكا، أو على الاقل عدم اعتراضها على الصفقة، يعني أن المالكي حَسِبَها أيضا بالمسطرة، وليس كما يروّج البعض من انه «يتخبط ويصطنع المشاكل والمواجهات لأنه ادمن العيش في الازمات». إن اصحاب هكذا طرح يجب أن يقروا بخطل ما ذهبوا إليه. أما إذا بقيت الحال هكذا، وبقي كل شيء مُعَلـّق وخاضع للمساومة والتسويف؛ فإن وجهة النظر هذه تصبح قابلة للتصديق. وعندها سنتحول إلى فصيل مشاة عالق في حقل الغام ونلعب الروليت الروسي بمسدس محشو بالطلقات وليس بطلقة واحدة.
ملاحظة: الروليت الروسي «هي لعبة حظ مميتة نشأت في روسيا. يقوم الشخص الذي يود القيام بها بوضع رصاصة واحدة في المسدس، ثم يقوم بتدوير الاسطوانة التي يمكن أن تحمل ست رصاصات عدة مرات بحيث لا يعرف ما إذا كانت الرصاصة ستطلق أم لا، ومن ثم يوجه المسدس نحو رأسه ويسحب الزناد، فإذا وضع رصاصة واحدة فإن احتمال موته هو واحد إلى ستة، وإن كان المسدس يحمل خمسة رصاصات؛ فإنّ احتمال موته هو واحد إلى خمسة. تستخدم اللعبة للانتحار أو إثبات الشجاعة. نشأت اللعبة في روسيا عندما لعبها الجنود الروس لإثارة بعضهم البعض». [المصدر: ويكيبيديا].