23 ديسمبر، 2024 12:17 ص

ان الانسان الكائن الوحيد الذي كرمه الله بنعمة العقل وجعله حامل لرسالة في الحياة لها ميعاد ونهاية وان كل يوم يمضي يجب أن يستغل في سبيل تحقيق اهداف تلك الرسالة لكن البعض منا يجهل رسالته السامية ولايملك أهدافاً لتحقيقها فتمر الأيام متشابهة ولا يشعر أنه قد أنجز شيئاً يذكر او انه بحاجة لانتظار شروق شمس يوماً جديد ليتم أعمالًا و واجبات اخرى هنا يتسرب إليه شعوراً بأنه لا قيمة له في هذه الحياة وان وجوده وعدمه سواء وهذا الشعور يعرف بالملل وهي حاله من نقص الاستعداد للعمل والحماسه مع ضعف الأهتمام بما يدور حوله وقلت وفتور الأحساس بما يحتاجه في المستقبل.
اما التعريف العلمي فهو حالة من الرغبة في الانخراط بنشاطات معينة مرغوب بها مع عدم القدرة على ذلك.
ففي استبيان نشر عام ٢٠١٩ يشير الى ثلثي العالم يشعرون بملل من الحياة و ٢٧ ٪ يشعرون بملل من التلفزيون وواحد من كل ستة سئموا من وسائل التواصل الاجتماعي و ٢٥ ٪ يشعرون بالملل من محاولة النوم يبدوا اننا سئمنا من كل شيء وبدأ الملل يتخلل نفوسنا ويسبب لنا عاهات على المستوى النفسي و الجسدي وشبه علماء النفس الملل بحشرة الخشب “الارضة” اذا تفتك بالعناصر الأساسية للحياة ويؤدي إما للدخول في الاكتئاب أو بالشلل الاجتماعي وفي دراسة قام بها فريق من علماء الدماغ والأعصاب بجامعة هارفارد اثبتت ان نشاط الدماغ أثناء الشعور بالملل يساوي تقريباً نفس النشاط أثناء القيام بأي نشاط آخر بفارق ٥ ٪ فقط اذا يبدوا ان الفارق ليس بكبير وهذا يعني ان الملل سيف ذو حدان اما إيجابي ويمكن استغلاه بالتفكير والتأمل والابتكار او سلبي كالخمول والكسل وهدر الوقت على لاشيء وهذا حسب رؤيتنا له وعلى حد قول باولو كويلو “الملل ليس في العالم بل في الطريقة التي نرى بها العالم”
وهذا مانراه مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دور كبير في قتل الملل والانفصال عن الحياة الاجتماعية اذ اثبتت التجربة التي قام بها باحثون من جامعة كاليفورنيا الجنوبية على مجموعة من المراهقين المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي إنهم أقل إبداعاً وخيالاً لأن لاوقت لديهم للشعور بالملل والاختلاء بالنفس والتأمل فالملل يعطي بعضاً من الصفاء والابداع ونلاحظ في تجربة الصحفية ومقدمة البرامج منش زمردي Manoush Zomorodi انها اصيبت بتراجع ابداعي لأن معظم وقتها تقضيه في العمل ولا وقت لديها لتشعر بالملل بدرجة كافية وفي عام ٢٠١٥ قررت الفصل وشاركت مستمعيها في بث البودكاست للذهاب معها في رحلة اسمتها Bored and Brilliant كانت الفكرة هي أن نصبح أكثر تفكيراً بشأن الطريقة التي تؤثر بها التكنولوجيا على حياتنا وأن نضع بعض الحدود الصعبة و منذ ذلك الحين قامت بتأليف كتاب عن تجربتها وشاركت في تأسيس شركة جديدة وفي مؤتمر ISTE 2019 في فيلادلفيا تحدثت Zomorodi عن تحدي الملل الرائع ولماذا يقول العلم أن الملل مفيد حقاً للدماغ لذا فأن المقولة الشهيرة عالج الملل بكثرة العمل على الأغلب خاطئة لأن كثرة العمل تسبب الرتابة وتجمد العقل وتحد الإبداع ولهذا نحن فقط من يمكننا ان نتحكم بالملل ونجعله صديق نافع او عدو ضار
وهناك مجموعة من النظريات التي حاولت تفسير مفهوم الملل :
1- نظرية التحليل النفسي : وهي مظهر للغضب موجه نحو الداخل حيث يصف فينيكيل 1950 الملل المرضي بأنه يحدث بشكل متكرر عندما توجد هناك حوافز أو أمنيات لدى الفرد ولكنه يكبت الموضوعات أو الأهداف المرتبطة بها ويعتقد فينيكيل ان أولئك الذين يعانون من هذه الحالات ويمرون بخبرة التوتر بين الدفعات الغريزية والرضا غير المتحقق هم لديهم رغبة شديدة لشيء دون أن يعرفوا ما هو الشيء الذي يرغبون فيه لذلك يصابون بحالة من الأحساس المرهف.
٢- المنظور المعرفي : ويفسر برلين (Berlyene1950) هذه النظرية نتيجة الزيادة في التحفيز مما يؤدي الى حالة من الملل فعندما يعالج الجهاز العصبي المركزي المعلومات المألوفة بدرجة كبيرة الا انها تتشابه مع مدخالات سابقة يتوقف الإنتباه من حيث توجهه الى مثل هذه المثيرات ويقوم الكائن العضوي بالتقيل من نشاطه المعرفي والانفعالي مما يسبب حالة الملل.
٣- نظرية أوهانلون: يرى هانلون (1980,Hanlon)
ان الملـل هو حالـة نفسية – فسيولوجيـة ( تعتمد على
أربعة مفاهيم هي : الاستثارة و التعـود والجهـد والضغـط فالعوامل المادية أو الطبيعـية المؤدية الى نشأة الملل تكـون ذات طبيعـةمعقـدة ولكنها تتضـمن تعـرض الفـرد لتحفيز حسـي ثابـت ومتكرر.
ولما كان الملل عقوبة من لاعمل له فكيف يمكن للجيل الذي يتمتع بالكثير من الخيارات ان يقع ضحية الملل الا تعتقدون معي اننا نعمد لجلب الملل لأنفسنا عن طريق رتابة الحياة التي نعيشها والروتين اليومي المتكرر بنفس السياق و لأفتقارنا لروح المغامرة والى الطاقة السلبية الملازمة لنا وعدم الشعور بالوقت وبالإحباط والاستسلام عند اول عقبة في الحياة والفشل فى تحقيق بعض مانتمناه والرغبة في اشياء يصعب تحديدها.
اعتقد جميعنا شعرنا في وقت ما بالملل ولكن الاهم هو كيف نقضي عليه.