19 يناير، 2025 11:23 ص

” ولا يحيقُ المكر السيء إلاّ بأهله “

قرآن كريم

وقال الشاعر :

قضى الله ان البغيّ يقتل أهلَهُ

وإنَ على الباغي تدور الدوائرُ

ومن يَحتفِرْ بئراً ليُوقعَ غيرَهُ

سيُدفع في البئر التي هو حافِرُ

-1-

هناك نفوسٌ خبيثة لا تستطيع ان تتعايش بسلام مع مَنْ تراهم يتفوقون عليها بجاهٍ أو ثروةٍ أو مكانة … وربما لاتستطيع ان تبصر المتفوقين علميا واجتماعياً واقتصاديا وأخلاقياً .

يفور التنور ، وتعّد الخطط الماكره للايقاع باولئك الذين لاذنب لهم – عند هؤلاء الخبثاء – الاّ نجاحاتهم المتميزة .

-2-

وقد دلّت التجارب أن الساعين للايقاع باخوانهم، يرتد كيدُهم الى نحورهم ، وتنسحب عليهم في نهاية المطاف، كل المردودات السلبية التي أرادوا ايقاعها بالآخرين .

وفي ذلك عظة وعبرة لكل متعظٍ ومعتبر .

-3-

ومن الجميل ان نذكر هنا قصتين لا تخلوان من طرافة :

الأولى :

ان أحدهم حسد عالماً من العلماء استطاع ان يحفر له مكانةً متميزة في قلب السلطان المغولي فقرّبه وأدناه وأضحى مستشاره الخاص ….

وحين ماتت احدى قريبات السلطان المغولي – وقد كان يحبها بشكل استثنائي – وجد الحاسد فرصته الذهبية للتخلص من العالِم ، ورسم الخطة الماكرة وجاء الى السلطان وقال :

ان المتوفاة عزيزة عليك للغاية ، ولاشك في أنك ترغب في إنقاذها وإبعاد شبح الحيرة والاضطراب عنها …

قال السلطان :

نعم لاشك في ذلك

قال الحاسد :

اذن فليصدر أمرُك بانهاء حياة العالِم المقرب منك ، وليدفن بالقرب منها ، لكي تستطيع ان تتعلم من خلاله الجواب الصحيح عن اسئلة منكر ونكير ، اذا جاءا يسألانها – وهي جديدةُ عهد بالاسلام – ….

فاستدعى السلطان العالِم المذكور وأخبره بما سمع .

وهنا بادَرَهُ العالم قائلاً :

اذا كنتُ راغباً بذلك فاستبقِني لك ، وأرسلْ صاحب الاقتراح ليقوم الآن بالمهمة مع ” المتوفاة ” العزيزة ..!!

وهكذا وقع الحاسد في البئر الذي حفره .

الثانية

ذكرت بعض المدّونات ، قصة وزير حاسد لِبَدَويّ استطاع ان يحظى بمكانة متميزة عند المعتصم ، وخطط للخلاص منه …

وخلاصتها :

ان الوزير المذكور دعا البدويَّ الى منزله ، وكانت المائدة حافلة بالوان الأطعمة والأشربة اللذيذة، وقد أكثر الوزير فيها من الثوم ، وللثوم – كما هو معلوم رائحة غير محببة –

وحين خرج الرجل من دار الوزير قال له :

احذر ان يشم منك (المعتصم) رائحة الثوم ،

ثم ذهب الوزير الى المعتصم وقال له :

ان هذا البدوي المقرّب اليك ، قال عنك أنك أبخرُ الفم – اي ان لفمك رائحة كريهة – فغضب المعتصم ، واستدعى البدوي فوراً ، وحين جاءه ، كان قد وضع يده على فمه مخافة ان يشم المعتصم منه رائحة الثوم .

فلما رآه فعل ذلك ، صدّق كلام الوزير ، وقرر الانتقام من البدوي .

كتب كتابا الى بعض عمّاله يقول فيه :

” اذا وصل اليك كتابي فاضرب عنق حامله “

ثم دفعه الى البدوي ، وقال له :

اذهب بكتابي الى عاملي فلان .

فأخذه البدوي وهو لايعلم بما فيه، وفي الطريق التقى الوزير الحسود ، فسأله عن مسيره ، فأخبره الخبر ….

وهنا اعتقد الوزير انّ في الكتّاب خيراً كثيرا لحامله ، فطمع به، وقال للبدوي:

اعطني الكتاب لأوصله الى صاحبك وأريحك من هذا العناء ، وأعطيك ألفي درهم .

فوافق البدوي ، وأعطاه الكتاب وأخذ المال .

وحين أوصل الكتاب الى العامل ، أمر بضرب عنقه في الحال …

وهكذا نال جزاء كيدِه ومكرِه وحسدِه .

وبعد أيام :

سأل المعتصم عن وزيره فقيل له :

لم نره منذ أيام

وٍسأل عن البدوي فقيل له :

انه موجود

فتعجب وبعث اليه ، فلما حضر بين يديه سأله عن الكتاب ، فأخبره بقصة الوزير وشرح له ما جرى معه ، وكشف عن سبب وضعه يده على فمه … فعلم المعتصم بحقارة وزيره ، وزاد تعلقه بالبدوي وأحله محله …

أقول :

وسواء كانت القصة صحيحة بالكامل ، أم كانت مشوبة بشيء من المبالغة والتهويل ، فان مغزاها صحيح ، حيث لاينتظر أهل الكيد والحقد الاّ الخسران المبين .

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات