22 نوفمبر، 2024 7:40 م
Search
Close this search box.

عاصفة الليرة تقترب من الدينار

عاصفة الليرة تقترب من الدينار

تابعنا يوم الخميس ( 25/ 6/ 2020 ) الأحداث التي تجري في لبنان من اجتماعات عالية المستوى للحكومة والقيادات السياسية ومقاطعتها من قيادات أخرى ذات وزن وتأثير كبير في الساحة اللبنانية ، موضوع الساعة في لبنان هو انهيار الليرة اللبنانية التي فقدت بحدود ٨٠% من قيمتها خلال بضعة عشر يوما بحيث تجاوز سعر الدولار الواحد أكثر من ٧٠٠٠ ليرة لبنانية ، ومن المحتمل جدا أن يتجاوز السعر حاجز العشرة آلاف إذا استمرت المناكفات والخلافات وتعنت الإطراف في إيجاد حلول توازنية قبل أن تطيح الكارثة بالجميع ، نشعر بالأسى العميق للحال الذي يمر به هذا البلد الشقيق ، ونشعر بالألم الكبير للوضع الذي يعانيه الشعب اللبناني المضياف ، وفي الوقت نفسه ينتابنا الخوف الشديد من مستقبل العراق خلال الأيام القادمة لتشابه الكثير من الظروف والمقدمات بين البلدين .
لقد صرح السيد رئيس الجمهورية اللبنانية بان مشكلة الليرة اللبنانية ليست وليدة اليوم وإنما هي نتيجة تراكمات وأخطاء ارتكبتها الحكومات السابقة فهل هذا الوصف ينطبق أيضا على الوضع العراقي ؟ ونحاول في هذا المقال البحث عن التشابه في المقدمات ثم في الحلول ، المصادر الأساسية للعملات الجانبية في لبنان هي ثلاثة ( السياحة ، تحويلات أللبنانيين العاملين من الخارج ، جذب النظام المصرفي اللبناني للودائع من الخارج ) ، ومنذ سنوات تراجعت السياحة إلى لبنان وانخفضت تحويلات المغتربين لكثير من الأسباب وانخفضت التحويلات التي يجذبها النظام المصرفي لتراجع الوضع الاقتصادي العام ولوجود تنافس كبير على مستوى العالم ، وفي لبنان اعتمدت جميع الحكومات السابقة على مبدأ الدفاع عن ( ثبات ) سعر الصرف لليرة عند مستوى١٥٠٠ ليرة / دولار .
واعتمدت السياسة الاقتصادية والمالية في لبنان منهجا مساندا للسياسة النقدية من خلال اعتماد إجراءات ( تقشفية ) ، فقامت بزيادة الضرائب والرسوم وأسعار الخدمات والطاقة لغرض تقليص حجم المعروض من الليرة اللبنانية في السوق ، وتلقفت المصارف اللبنانية هذه الإجراءات لتترك ميدان عملها الأصلي في استقطاب الودائع وتوفير الخدمات المصرفية المحلية وتتحول للمضاربة في العملة والتحويلات الخارجية ، وكان من تداعيات سياسة الدفاع عن سعر صرف الليرة تراجع الصادرات اللبنانية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي ، بل وصل الأمر إلى استيراد منتجات كان لبنان مشهورا بإنتاجها بسبب فروقات الأسعار وجودتها وفي مقدمتها المنتجات الزراعية ، وبسب سهولة التبادل النقدي في داخل لبنان من الليرة إلى الدولار ، شهدت لبنان إغراقا سلعيا للحصول على الليرة ثم تحويلها للدولار وتهريبها إلى بلدان معينة ، يضاف لذلك المظاهرات التي شهدتها الساحة اللبنانية وتدخل الكثير من الإطراف السياسية وغير السياسية في المشهد ، ثم جائحة الكورونا ومتطلباتها من حظر التجول وتراجع النشاط الاقتصادي ، وفوق كل ذلك هو استهانة المسؤولين الكبار بمشكلة الليرة اللبنانية واعتبارها ناتج عن الخلاف السياسي بين هذا الطرف وذاك حيث تم تعميم اعتقاد بأنه بمجرد أن ينتهي الخلاف ستنتهي المشكلة دون تعقيدات .
وهذه المقدمات اللبنانية ليست مختلفة عن المقدمات التي تشهدها الساحة العراقية ، فمع اختلاف المسميات فان ( الأعراض ) في العراق تشابه ما حدث في لبنان بدءا من انخفاض مدخولات العملات الأجنبية ، وقيام السياسة النقدية بالدفاع ( المستميت ) عن سعر الصرف الرسمي للدينار ، ومساندة السياستين الاقتصادية والمالية للإجراءات النقدية من خلال انتهاج سياسات ( تقشفية ) وسحب للسيولة المحلية وزيادة أسعار الرسوم والخدمات الحكومية المقدمة للمواطن ورب العمل البسيط وبشكل ربما أكثر ضراوة مما استخدم في لبنان ، وتحول جزءا كبيرا من النظام المصرفي الأهلي إلى المضاربات بالعملة ومحاولات تكوين إمبراطوريات مالية سياسية بدل القيام بالواجبات المهنية للأعمال المصرفية ، وتراجع النظام المصرفي الحكومي وتخلف اغلب أدواته رغم الحجوم والأرقام الكبيرة التي يتعامل بها والتي تثير العديد من التساؤلات ، والمظاهرات والمناكفات والتجاذبات السياسية وهيمنة أطراف معينة على اجزاءا كبيرة من السوق ، وزيادة سوء البيئة الاستثمارية والتشغيلية في الداخل ، وارتفاع كلف المعيشة والتشغيل المحلي تثير كثيرا من الشجون .
ما هو الحل ؟!
لقد طرحت في لبنان منذ أكثر من سنتين فكرة التخلي عن الدفاع المفرط عن سعر صرف الليرة وعن سياسات التقشف الحمقاء وعن سعي الأطراف المتنفذة لإفراغ لبنان من العملات الأجنبية بهدف المحافظة على اقتصاد ( حقيقي ) أدنى من الاقتصاد المفتعل ( المنفوخ ) ، لتجنيب الشعب والاقتصاد كارثة الانهيار السريع ، ولكن المسؤولين عن الوضع وإتباعهم وأبواقهم وخبرائهم وكل ذي مصلحة انبرى للدفاع عن سعر الصرف وانساق مع هذا الدفاع الكثير من أفراد الشعب اللبناني ( الجاهل ) وأرباب العمل الاعتيادي خوفا من فقدان جزء بسيطا من مكتسباتهم ، واليوم يخسرون أكثر من 80% من مدخولاتهم ومدخراتهم وقد تتجاوز الخسارة أل 90% ، واليوم ايضا تتكرر الصورة في العراق ، فاغلب من ينادي بتخفيض بسيط في سعر الصرف او تحويل الرسم الجمركي إلى ضريبة على مبيعات الدولار او طلب تنظيم وهيكلة والاستيرادات او هيكلة منظومة الضرائب المحلية او تخفيض الرسوم وأسعار الخدمات المحلية او زيادة ضخ السيولة المحلية او دعم المنتج المحلي ، يتم دحض أفكاره بكل قوة ليس فقط من الجهات الحكومية ذات العلاقة ، بل ومن مجموعة من الإعلاميين والخبراء الذين اختار البعض مهمتهم في الدفاع عن سعر الصرف ( المقدس ) والسياسات الخاطئة المرتبطة به من دون أية خشية على هذا الشعب بل وحتى من دون التحسب على مصالحهم التي قد تصبح في مهب الريح عندما يثور ، هي وكما يبدو نسمات لبنان تملأ أنوفنا وصدورنا ، و نراها تشتد وتتصاعد حتى تكاد تنذر بالعاصفة ألتي أول ما تكتسح بيوت الصفيح والعشوائيات وطبقة الفقراء التي تزيد نسبتهم عن ثلث السكان ، فهل من متعض ، بعد أن انكشفت عورة اقتصادنا بتشريع قانون الاقتراض الهادف لتمويل وسد العجز الصريح بايرادات الدولة في دفع الرواتب وتمشية الحد الأدنى من متطلبات تسيير أمور الدولة ؟؟ ، لا نريد أن نفرض حلولا محددة ولكننا نأمل من المخلصين والنزيهين حلولا تقينا شر العواصف وما يمكن أن تسببه من ضرر للمتضررين .

أحدث المقالات