هي بقايا ذكريات زمن مفقود من سجلات الذاكرة لأغلب العراقيين ربما لأن غبار النسيان قد أحكم غطائه على هذه الذكريات أو قد إعتدنا التناسي والنسيان.
في مثل هذه الساعات وهذه الأيام من عام 1991 كانت سماء بغداد ملتهبة بصواريخ وقاذفات التحالف الدولي وهي ترمي بشررٍ حممها على العراقيين ومنازلهم وشوارعهم ومنشآتهم، ذلك العدوان الذي بدأ ليلة (١٦ – ١٧) كانون الثاني 1991 حيث لم يكن ذلك اليوم بالحدث العادي للعراقيين الذين كانوا يحبسون أنفاسهم في تلك الليلة بإنتظار ماسيحدث من قرارات دولية يتخذها مجلس الأمن بإتجاه بلدهم بعد أن غزا نظام صدام حسين الكويت وإعتبارها محافظة رقم (19).
كان الجميع ينتظرون العقوبة الدولية التي سيقّرها المجتمع الدولي نتيجة هذا الغزو والذي سمح لجيوش أكثر من ثلاثين دولة للتحشيد لغزو العراق وضرب مقدراته وبنيته التحتية.
حقاً كانت ليلة فتحت الشياطين أبواب جهنم على العراقيين حين غطّت سمائهم طائرات التحالف بقيادة أمريكا لقصف كل شيء ثابت أو متحرك بعملية سُميّت (عاصفة الصحراء) تلك العاصفة التي إجتاحت هذا البلد حيث لم تبق ولا تذر.
لم ينم العراقيون تلك الليلة من شدة القصف والتدمير كان المشهد يوحي بأن الأرض والسماء توحدتا في ينابيع نار جهنم التي كانت تحرق كل من على هذه الأرض من البشر والحجر.
كانت صدمة أفزعت العراقيين ورحل النوم عن جفونهم وهم ينتظرون الفجر ليس بما يحدث ولكن ليشدوا الرحال إلى حيث يجدون ملاذ آمن يقيهم ذلك القصف المرعب والجحيم الأحمر الذي كان يحيط بهم، لم تستثني طائرات الأعداء حتى محطات الماء والكهرباء والمنشآت الحيوية التي تساعد المواطن في ديمومة حياته.
أغلب البغداديون هجروا مدينتهم وتركوها مدينة للأشباح وحين كان الليل يُلقي بظلامه كانت العوائل الباقية المتقوقعة في منازلها تُبدد ذلك الظلام بـ (الشمعة) وسيلة الإضاءة الوحيدة للتجمع حولها وتبادل أحاديث الخوف وإنتظار المجهول.
في ذلك الوقت إنقطعت كل وسائل الإتصال والتواصل وأصبحت وسائل المواصلات والحركة شبه معدومة بسبب القصف الذي إستهدف محطات الوقود.
حقاً كلما تصف أقلامنا مشهداً مرعباً ستجد أمامها مشهداً أكثر رعباً وجهنمية لتكون في النهاية عاجزة عن وصف تلك اللحظات والأيام.
مايُكتب من كلمات أو حتى مجلدات لايمكن وصف ماكان يحدث في ذلك الزمن المحذوف من ذاكرة أغلب العراقيين، أيام صعبة ومهولة غيّرت مجرى الحياة والتاريخ والإقتصاد وكل عنوان في الحياة.
عاصفة الصحراء ذلك الغزو الذي كان من المفروض أن يكون لمعاقبة نظام صدام أصبحت هذه العقوبة من نصيب الشعب الذي لاحول ولاقوة له سوى إستسلامه لنزوات حاكم، والغريب أن هذا الشعب مازال يدفع لغاية هذه اللحظة مزيداً من ضرائب إستسلامه وخنوعه لحكم الطغاة والمتحكمين بحياته ومصيره بإنتظار لحظة الصحوة وأخذ زمام المبادرة ولكن متى؟ ذلك هو السؤال.