أكتب اليوم كلماتي هذه للتاريخ … لادفاعا عن أسامة النجيفي … ولاتشفيا بنوري المالكي … ولكنها قراءة لواقع عراقي حساس يظهر فيه المشهد السياسي وهو فاغر فاه بهذه الحقيقة … شئنا أم أبينا .
ففي ذروة صراع الكتل السياسية العراقية المتنافسة مع بعضها ( ومع نفسها ! ) من أجل الظفر بالمناصب الرئاسية … وعندما كان رأسا الهرمين المتنازعين هما المالكي والنجيفي … كتبت قبل حوالي أربعة أشهر ، وتنبأت ) ! خارج الرئاسات الثلاث … ( المالكي والنجيفيكتابات مقالا بعنوان : العزيز ومن على موقعنافي حينها أن الإثنين لن يكون لهما مكان في الرئاسات الثلاث القادمة … وقد وصفني البعض بعد هذا المقال من أنني أغرد خارج السرب ! … خاصة وإن كلا القياديين يمتلكان من الموارد البشرية والإمكانات المادية ( وهما سرا نجاح السياسيين في العراق ! ) ما يمكنهما من تجاوز وإكتساح أي منافس ! … ولكن وبعد أن إنتهت تسمية الرئاسات الثلاث … وخلوها من أسمي المالكي والنجيفي … تبين أنني كنت أغرد من قلب السرب لا من خارجه … وقد صحت نبوءتي .
واليوم نريد أن نسلط الضوء على حقيقية ما توقعته قبل حين … من خلال مسيرة وتوجهات الرجلين … وتأثير سلوك كل منهما على رمزيتهما … والصورة الذهنية التي تم بناؤها في ذهنية الرأي العام العراقي لكل منهما على حده … من هنا نبدأ ونقول أن كلا الرجلين عانى من عملية خذلان من كتلته وبعض رجاله المقربين في المراحل الأخيرة من تسمية الرئاسات الثلاث … بشكل أو بآخر :
1. فبينما كان أسامة النجيفي رأس هرم كتلة متحدون وعمود سنامها … بما يمتلكه من هيبة القائد التي اصطفت خلفها جموع المؤيدين … وصوت عال مدو في الدفاع عن حقوق المظلومين … وموقف يعد الأكثر ثباتا في مقارعة الظلم والظالمين … وقوة لم تهاب التهديدات أو تخذيلات المشاكسين … وصمودا لم يخضع لمساومات أو إغراءات … إلا أن إمتلاء القوائم السنية بعملاء المالكي وعبدة الدنانير والمناصب كان الخنجر المسوم الذي ضن النجيفي ( متوهما ) أنه سيكون بعيدا عنه … وتصور أن معاني الثقة والأمانة والرجولة التي يتعامل بها مع الآخرين هي ذاتها التي سيتعامل بها الآخرون معه ! … وللأمانة فقد حذرت النجيفي ومن على موقعنا العزيز كتابات قبل أكثر من ثمانية أشهر في مقال نُشر في كانون الأول 2013 بعنوان : ( النجيفي … يُلدغ من جُحرهِ مرتين ! ) … حذرتهُ فيه من أن يأمن لسنة المالكي والنفعيين والمتربصين من حوله … ومن أن العبرة ليست بالكثرة وإنما بالعصبة المأمونة وإن قَلّت … وكان ما كان من ثلة أتقنت مسرحية سحب البساط من تحت النجيفي متناسية الفضل والمواثيق ! … ووضعه حلفاء الأمس أمام سيناريو ملتو … وواقع مؤلم لا يُحسد عليه ! … فكان بين خيارين أحلاهما مُر ! … إما أن يدخل معهم في صراع على كرسي رئاسة البرلمان ( الذي أوهمه حلفاؤه أنهم لن ينافسوه عليه ! ) … لتنهش فيهم وسائل الإعلام ويصبحوا حديث القنوات والمنتديات ! … ويفتح بذلك بابا للمتربصين والمتصيدين بالماء العكر للتشكيك بوطنيتهم والهمز واللمز في مكونهم ! … أو أن ينسحب النجيفي من هذا الصراع السياسي غير النزيه بأكمله … ليعري من سحبوا البساط من تحت أقدامه … ويبين للناس سوءاتهم… وتنثلم كتلة لا يتحمل جمهورها مجرد سماع الخبر عوضا عن نتائجه ! …وفي كلا الأمرين خذلان لشريحة ما زالت جراحاتها نازفة … ولكن الذي خرج به علينا النجيفي كان لا هذا ولا ذاك ! … وتمثل موقفه بما يلي :
أولا: تقديمه لمصلحة الكتلة بل ومصلحة العراق أولا على حساب جرح غائر في نفسه … ومد يدا مخلصة إلى يد محمرة متعرقة من مُخجل ما صنعت ! … وصوت ومريديه داخل كتلة متحدون بالإجماع لصالح الدكتور سليم الجبوري رئيسا للبرلمان العراقي … وكأن شيئا لم يكن ! .
ثانيا: لم يصدر منه لا إعلاميا ولا سياسيا ولا حتى مُجتمعيا ما يُعكر صفو هذا الموقف الثابت لكتلته … ولم يُظهر في خطاباته أو مداخلاته تصريحا بذلك ولا حتى تلميحا .
ثالثا: كان لتصفيقه الحار والصادق لرئيس البرلمان المُنتخب الدكتور سليم الجبوري في قاعة البرلمان بعد إعلان تنصيبه دوي صم آذان المتربصين وقطع عليهم دابر التفكير في شق الصف وتفتيت الكتلة .
رابعا: إبتعاده عن عقد أي صفقة من شئنها الإلتفاف حول الوضع الجديد الذي قضى باقصائه من منصب رئاسة البرلمان … وكان ساميا فوق الأساليب غير النظيفة التي إشتهرت بها العملية السياسية في العراق الجديد … عراق ما بعد الإحتلال ! .
خامسا: لم يطلب من أعضاء كتلته القتال أو الإستماتة من أجل بقائه مُرشحا ( وإن كان هذا وفاء مطلوب ) بعد أن سعى المالكي أو حتى بعض أبناء كتلته لإخراجه من المنافسة السياسية .
2. أما المالكي … ورغم موافقته قبل حين على التخلي عن الولاية الثالثة مقابل إشتراطه على التحالف الوطني إقناع النجيفي للإنسحاب من المنافسة على أحدى الرئاسات الثلاث… وذهاب وفد من التحالف الوطني إلى النجيفي بهذا الشرط الخبيث … بل وإستجابة النجيفي لما لا يستحق الإستجابة أصلا من أجل مصلحة أكبر لوطن جريح … إلا أن المالكي عاد غادرا وناكثا ( كعادته ) في خطاباته ليبين أحقيته وتمسكه بالكرسي والولاية الثالثة مُتناسيا كل الوعود !!! … في تمسكٍ زُكمت منه أنوف القاصي والداني … ورفضه العراق من أقصاه إلى أقصاه … فبعد أن إنضم الكرد الى العرب السنة ( باستثناء سنة المالكي طبعا ! ) في رفضهم للولاية الثالثة … إنضم الصدريون ثم المجلس الأعلى لجبهة الرفض … ثم إنتقل إلى قطار الرفض مراكز إيرانية مؤثرة ومن قبلها المرجعية الشيعية في النجف ( وإن كان رفضهما بلغة عامة حمالة أوجه ! ) … ثم إنتقل الرفض إلى كتل داخل إئتلاف دولة القانون ككتلة مستقلون لصاحبها الشهرستاني وكتلة بدر لصاحبها هادي العامري … ثم إنتقل الرفض بعدها إلى الكتل المتبقية داخل التحالف الوطني ككتلتي الفضيلة للشمري وتجمع الإصلاح لإبراهيم الإشيقر الجعفري … حتى تغلغل الرفض الى آخر دفاعات المالكي حيث حزب الدعوة الإسلامية بل وجذب جل قياداتها !!! … ولم يبق معه إلا ثلة من المنتفعين البعثيين كالشلاه والفتلاوي والصياد وعالية نصيف … ومجموعة الأقرباء والنسباء ! … وخُشبا أخرى مُسندة إنخدعت بنفسها وقد علتها خضراء الدِمَن فصدقت كذبتها التي حاولت أن تسوقها للناس من أنهم قادة العراق الجدد ! .
لقد ودع النجيفي كرسيا … ولكنه بقي مؤهلا وأهلا لأن يتصدر أي منصب يخدم فيه العراق … وأثبت لكل من حوله أن المناصب وإن علت فهي في يديه لا في قلبه … يختار منها ما يريد … ويَعفّ عما لا يريد … بينما طُرد المالكي من المنصب طردا !!! … طردا من كل العراقيين بكل مكوناتهم وطوائفهم وكتلهم وأحزابهم وسياسييهم … في مشهد قد لا يسمح للمالكي بالعودة إلى أي مقعد في العراق عوضا عن الخدمة فيه ! … فهل من مدكـــــر !!!