23 ديسمبر، 2024 2:34 ص

عاشوراء وموسم اختطاف التشيع

عاشوراء وموسم اختطاف التشيع

بعض من يرتقي منبر أهل البيت أو يضع العمامة الشيعية على رأسه أو يمتلك قناة تلفزيونية تتكلم باسم التشيع؛ يعرض في كل عاشوراء أحاديث وسلوكيات تشوه نقاء مذهب آل البيت وأصالته وعقلانيته، وتصب في مصلحة مذهب التكفير المعادي لأهل البيت وأتباعهم؛ لأن هذه الممارسات والأقوال المنسوبة الى التشيع تتعارض ومقاصد الإصلاح والوعي في نهضة سيد الشهداء (ع)، وتتعارض أيضاً مع فتاوى المرجعية العليا وتوجيهاتها التي تصدرها للأمة عموماً، وخطباء المنبر والقائمين على الشعائر الحسينية خصوصاً، كما أنها تنفر الآخر الديني والمذهبي من التشيع، ومنها ما يقوم به هؤلاء التحريفيون من المجاهرة بالخرافة والبدع قولاً وسلوكاً، والغلو بأئمة أهل البيت، وسب الرموز المقدسة لدى المدرسة السنية، وكلها قراءات لاعلاقة لها بمدرسة آل البيت.
ويزعم التحريفيون والمغالون المنتسبون للشيعة أنهم يمثلون التشيع حصراً، ولكنهم بممارساتهم وسلوكياتهم و خرافاتهم يرتكبون ـ في آن واحد ـ جريمتين بحق التشيع:
الجريمة الأولى: يدعمون المذهب الوهابي التكفيري دعماً نوعياً، ويوسعون جغرافيته ودائرة تأثيره، ويعطونه أدلة ملموسة على مدعياته، ويزودنه بشحنات قوية تضاعف قدرته على استقطاب أتباع المذاهب السنية. بل أن المغالين والتحريفيين والمبتدعة المحسوبين على مدرسة النشيع؛ يقدمون أدلة مجانية للمدرسة الوهابية؛ تضطر أهل ((السنة)) لتصديق مزاعم هذه المدرسة، وتدفع السنة للارتماء بأحضان العقيدة الوهابية التكفيرية. وليس عجيباً ـ حينها ـ أن لايرف جفن معظم السنة وهم يشاهدون المجازر التي يتعرض لها الشيعة في كل مكان؛ لأن المسوغات التي يسوقها الوهابيون التكفيريون تتناغم وعواطف أهل السنة، وهي مسوغات يقدمها بعض المغالين والخرافيين الشيعة.
الجريمة الثانية: تشويه عقيدة آل البيت وتلويث طهرها، وتضليل الشيعة وحرف مسار حركتهم الفكرية والميدانية، وطرح أفكار وسلوكيات تحت عنوان “العقيدة” و”الشعائر” و”المعاجز” و”الكرامات”، ولكنها تتعارض مع غايات الإسلام وتعاليم آل البيت ونهضة الإمام الحسين.
وعند هاتين الجريمتين يكمن التناقض العحيب؛ بين شعارات التحريفيين الخرافيين المنادية بالولاء لأهل البيت ومواساتهم والتأسي بهم، وبين أفكارهم وسلوكياتهم المتعارضة مع تعاليم أهل البيت ونهضة الإمام الحسين. فتعاليم أهل البيت تختصر العقيدة والأخلاق والحكمة والعقل والرشد والإصلاح والعلم والتحضر، وتتعارض كلياً مع الغلو والخرافة والجهل والبدع.
و كما انتهت كثير من الأفكار والسلوكيات المنحرفة في تاريخ مدرسة آل البيت الى مذاهب وفرق وأديان جديدة؛ فإن إصرار المغالين المخرفين الجدد على جهلهم وضلالهم وبدعهم؛ سينتهي بهم الى مذاهب وفرق متباينة مع مدرسة آل البيت؛ كما حصل مع العلي اللهية ومدارس الغلو تاريخياً، أو ماحصل في القرون الأخيرة مع العبيدية والدراويش والبابية والبهائية والسلوكية وغيرهم.
و الخطير جداً في هذا الموضوع هو أن تنتج عن عمليات التجهيل والاستغفال والابتداع والتخريف؛ عقيدةً وسلوكاً يخطفان عنوان التشيع بمرور الزمن؛ بينما يتحول دعاة الوعي والإصلاح الى ضالين مضلين من منظار من يريد اختطاف التشيع. ومن المؤشرات التمهيدية لهذا الإختطاف هو أن مدارس التجهيل والتخريف والاستغفال هي الأكثر امتلاكاً للأبواق ووسائل التعبير؛ بدءاً بالمؤسسات والجمعيات، والمدارس والمنابر، والقنوات التلفزيونية، وانتهاءً بالجماعات السياسية ومجموعات الضغط الاجتماعية والأموال الطائلة. بل استطاعت مدارس التجهيل هذه اختطاف مساحات مهمة من الشارع الشيعي؛ من خلال تسخير كل ألوان الجذب التي تستقطب عواطف الناس وأسماعهم وأبصارهم.
ولايراع بعض الخطباء و(الرواديد) المغالين والخُرافيين الذين ظهروا خلال العقدين الاخيرين؛ لاسيما في العراق؛ أدنى مصلحة للتشيع، ولا يشخصون المقام الذي ينبغي أن يقع فيه المقال، ولايحترمون عقول مستمعيهم. هذا فيما لو أحسنّا الظن بهم، وحملناهم على محمل الغفلة والجهل والعناد. وسواء حملناهم على هذه المحامل، أو حملهم آخرون على محمل الإرتباط بأجندات تخريبية معادية للمذهب؛ فإنهم بغلوهم وخرافاتهم وتحريفاتهم يستبيحون منبر أهل البيت ويحولوه الى منبر للضلال والغلو والإنحراف وتشويه صورة مذهب أهل البيت، أو منبر للتحليل السياسي وفرض المواقف السياسية على المستمعين؛ وفقاً للتوجه السياسي للخطيب او الرادود؛ فهناك من يشتم حزباً ويمتدح آخر، ومنهم من يشرح مواقفه من السياسة الاقليمية والدولية، ومنهم من يمتدح الحكم الحالي وآخرون يشتمونه. وبالنتيجة يظهر بعض الخطباء وكأنه متخصص في كل الشؤون والعلوم؛ من السياسة الى الطب، ومن الاقتصاد الى الفيزياء النووية، ومن القانون الدستوري الى النظرية النسبية. والحال أن كثيراً منهم لم ينه سطوح العلوم الحوزوية ولم يتخرج من الثانوية.
إن المحرفين والمخرفين والمغالين والمسيسين؛ سواء كانوا جهلة أو مغفلين أو مدفوعين؛ هم مصداق ((عدو نفسه))، وهم الـ ((شَين)) كما يصف الإمام الصادق بعض الشيعة بخطابه: ((كونوا زيناً لنا ولاتكونوا شيناً علينا))