23 ديسمبر، 2024 6:03 م

عاشوراء وروايات الصيام

عاشوراء وروايات الصيام

في شهر محرم تبرز اشكاليتان ، الاولى هي اعتبار الاول منه بداية السنة الهجرية  التي تقام فيها الاحتفالات بمناسبة الهجرة الشريفة المفترضة ، رغم ان هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم باجماع المسلمين كانت في بداية ربيع الاول او اواخر صفر ، وقد وصل صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة يوم الثاني عشر من ربيع ، او يوم الثالث عشر منه ، وفيما نقل عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه قال: أول السنة الإسلامية ربيع الأول ، لأنه الشهر الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان الاستدلال على ذلك في بقوله تعالى {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} ، أي من أول يوم حلول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ، وهو أول يوم من التاريخ ، ولكن العمل على خلافه، وذلك لان أول شهور العرب المحرم فجعلوا المحرم اول السنة الهجرة ، في هذا السياق ورد في الرواية انه قام رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: أرّخوا، فقال عمر: ما أرّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسن، فأرّخوا، فاتفقوا على الهجرة ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثمّ قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم ، وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه . ولا غبار على ذلك ، فالمسلمون اختاروا يوما يبداون به تاريخهم ، فاختاروا الاول من شهر محرم الحرام لاسباب وجيهة  علاوة على ان الاختيار وقع من صحابي وخليفة راشد ، لم تكن له دوافع غير تلك التي تعزز خصوصية المسلمين ، وهي بلا شك دوافع محمودة  ما يجعل الوقوف امام هذه الاشكلية قصير لانه لا اثر كبير لها ، فضلا عن ان الجميع يقرون ان الاول من المحرم ليس هو يوم الهجرة الحقيقي ، وانما هو يوم اتفق عليه لبداية تاريخ اسلامي سمي بالهجري تبركا بهذه المناسبة العظيمة ، كما ان العرب كانت قد تعارفت عليه.
الاشكالية الثانية هي يوم العاشر منه _ أي محرم – ففي هذا اليوم ارتكبت افضع جريمة في التاريخ الاسلامي ، جريمة قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الامام الحسين بن على عليهما السلام ، التي دانها ويدينها العالم الاسلامي كله ، واجمع علماء الامة على ان مقترفها آثم ، والاشكالية ان هذا اليوم الاسود في تاريخ المسلمين اريد له يجمل ، فسيقت الروايات التي تجعل منه يوما لا يشبهه يوم من ايام السنة كافة ، حتى يوم الهجرة نفسه ، وحتى يوم ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ففيه جرت احدث عظيمة ، كما تقول الروايات ، منها ان الله تعالى نجى موسى وأغرق فرعونَ ، فصام موسى عليه السلام ذلك يومَ شكراً لله على نعمته وفضله ، ولكن ما يروى عن السيدة عائشة رضي الله عنها قولها { كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم المدينة ، اي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه} ، يظهر ان صيامه منسوخ ، وانه كان من ايام اليهود ، وكان عرب الجاهلية يصومونه ، والسبب على الارجح هو ان التعليم الديني السائد يوم ذاك كان يستقى من تقاليد العرب الوثنية ومن التقاليد العهدين ، القديم والجديد ، اليهودية والنصرانية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متمما لما بداه الرسل قبله وخاتما لهم ، فصام عاشوراء وصلى الى المسجد الاقصى ، وهذا ما يؤكه الحديث الذي اخرجه البخاري ومسلم عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أنا أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه” ، ولكن هذه احداث كانت قد سبقت بلورة خصوصية الاسلام التي فرضت الكعبة المشرفة قبلة الصلاة عند المسلمين ، وشهر رمضان المبارك شهر الصيام عندهم ، وهذا ما يفهم ايضا من رواية السيدة عائشة المؤكد للنسخ ، وما اعتقده ان هذا هو التفسير المنطقي لصيام عاشوراء ، وان كل ما يُزعم من خصوصية ، ليوم العاشر من المحرم ، غير تلك التي وردت في رواية السيدة عائشة التي اخرجها البخاري ومسلم وغيرهما من اصحاب الصحاح والمستدركات ، هو زعم اموي كاذب ، سيقت له الروايات على لسان صحابة وتابعين ، وهم منها براء ، بقصد تحويل يوم جريمتهم الى يوم ذي منقبة ، حف باحداث عظام تجعله يوما من ايام الله ، حتى ان بعض المسلمين وللاسف الشديد يطلقون عليه يوم الظفر ، فهل هو ظفر يزيد عليه لعنة الله وسخطه وعلى جيوشه الاثمة ، ظفره بسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقتله ، واسر حفيدات محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، من بنات فاطمة الزهراء عليها السلام، وفي مقال رائع للدكتور محمد رياض ، تحت “عنوان عاشوراء أم عيد الغفران اليهودي” ورد في موقع او مدونةArab Times Blogs ، قال : من ناحية علمية حسابية ان الأدعاء بأن الرسول قد رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء إحتفاءاً بنجاة بني إسرائيل فأمر المسلمين عندها بصيامه لا يستقيم ولا يصمد إذا إجرينا مقارنة بسيطة للتقاويم ، وذلك بتحويل التاريخ الهجري لميلادي أولاً ، ثم تحويل الميلادي لعبري، حيث نجد أن يوم 10 (تشري-Tishrei) العبري لم يصادف أبداً يوم 10 محرم هجري ، منذ السنة الأولى لهجرته إلى سنة وفاته عليه الصلاة والسلام في11، للهجرة ، ولو كانت الرواية صحيحة لأمر الرسول بصيام 13 ربيع الأول وليس 10 عاشوراء ، لأن هذا هو التاريخ الذي صادف صيام اليهود إحتفاءاً بنجاة بني إسرائيل حين جاء الرسول للمدينة ، وليس شهر عاشوراء مطلقاً ، إذن لا يمكن القول علمياً ان الرسول رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فامر بصيامه ، لأن عيدهم في ذلك العام صادف 13 ربيع الأول وليس عاشوراء.
وعليه فلا حجة لتوصيف عاشوراء الا ذلك التوصيف الذي يذهب الى كونه يوما مشؤوما ، فضع فيه مجرمون انجاس باسرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فقتلوا الرجال وسبوا النساء ، وان جل ما يمكن قوله في خصوص صيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعاشوراء ، هو انه كان قبل فرض صيام شهر رمضان ، مثله مثل القبلة التي كانت المسجد الاقصى قبل فرض الكعبة المشرفة قبلة ، اي ان صيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك اليوم هو من الاحكام المنسوخة ، كما يرى الذين يقولون بالنسخ ، او الاحكام المعلقة ، كما يرى الذين لا يقولون بالنسخ ، اما الكلام عن خصوصية عاشوراء عند اليهود ، اذا صح انهم صاموا يوم عاشوراء ، الذي يوافق يوم 10 تشري العبري ، وهو لم يصح ، فهي خصوصية اليهود الذين لا نقول لهم الا قوله تعالى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، والا فاننا مطالبون باحياء ايام اليهود كافة ، وليس العاشر من المحرم وحده ، ومن هذه الايام على سبيل المثال عيد تدشين الهيكل ، اي تجديد هيكل سليمان الذي يدعي الصهاينة انه موجود اسفل المسجد الاقصى في القدس الشريف ، والحفريات جارية للبحث عنه تحت المسجد  الذي يوشك على الانهيار من كثرة الحفريات التي تجري في قاع ارضه.