أكتسبت عاشوراء رمزيتها من ألامام الحسين , وأكتسب ألامام الحسين رمزيته من رسول الله “ص” فهو سبطه وهو أبنه بنص ألاية ” 61″ من سورة أل عمران , أما الذين يحلو لهم نفي أبوة رسول الله للحسن والحسين بألاية المباركة ” ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ” فقد فاتهم فهم المعنى وتأويله لآنهم أتبعوا من هم ليسوا من الراسخين في العلم مثلما لم يعرفوا تفسير أبوة أسماعيل لآولاد يعقوب عليه السلام , وكذلك لم يعرفوا كيف أصبح عيسى عليه السلام من ذرية أبراهيم عليه السلام وهو يرتبط به عن طريق أمه المطهرة مريم العذراء عليها السلام .
والحسين عليه السلام هو الثائر ضد الفساد بشخص يزيد والعصابة ألاموية , قال رسول الله “ص” : أذا رأيتم معاوية وعمر بن العاص مجتمعان ففرقوا بينهم ” ؟
وقد فعل أحد الصحابة ذلك بتطبيقه لوصية رسول الله “ص” عندما رأى معاوية وعمر بن العاص مجتمعان يتحدثان سوية فجاء وجلس بينهما , فأستنكر عليه عمر بن العاص وقال له : لماذا فعلت هذا ؟
قال : لتطبيق وصية رسول الله “ص” فرقت بينكم ” ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا ” .
ومن صور الفساد ألاموي : أن مروان أعطي له خمس أفريقيا من المال ؟
وعندما دخلت أبل عبد الرحمن بن عوف محملة بألاموال ضج فقراء المدينة فكانت الثورة التي أسقطت الخليفة عثمان بن عفان وقد وقف الحسن والحسين في باب الخليفة يدافعان لدرأ الفتنة التي أنتهت بمقتل عثمان بن عفان .
وألامام الحسين رأى الفساد يدب في المجتمع بسبب فساد السلطة ألاموية وواكب ذلك منذ شبابه حتى كهولته عليه السلام حين أل ألامر الى يزيد بن معاوية المتجاهر بشرب الخمر والذي كان يقول شعرا :-
لعبت هاشم بالملك فلا …. خبر جاء ولا وحي نزل ؟
وكان أبوه معاوية يحتقن غيضا ويشتاط بغضا لآن رسول الله “ص” يذكر على المنائر خمس مرات باليوم , كما نقل ذلك عنه الوليد بن المغيرة الذي نزلت في ذمه وتوعده سورة المدثر ” ذرني ومن خلقت وحيدا -11- وجعلت له مالا ممدودا -12- وبنين شهودا -13- ومهدت له تمهيدا -14- ثم يطمع أن أزيد -15- كلا أنه كان لاأياتنا عنيدا -16- سأرهقه صعودا -17- سورة المدثر – وهذا الرجل الذي نزل به هذا الوعيد من قبل جبار السماوات وألارض والذي كان يوما يقول عن القرأن بأنه ” سحر ” هذا المتعنت المتغطرس الذي كان يتوحد في كساء الكعبة كبرياء وغطرسة لم يبلغ بالكراهية والحقد مابلغه معاوية , حيث يقول أبنه : جاء أبي يوما مغضبا فقلت له ياأبي مالي أراك مغضبا هل قصر أحد من العيال بخدمتك ؟
قال : لا ولكن جئت من ألئم الناس ؟
قلت ياأبي ممن جئت ؟
قال : جئت الليلة من معاوية وقد جمعني به مجلس فقلت : يا أمير المؤمنين : لقد هلك الحسن بن علي بن أبي طالب , فهل أرفقت بأبناء عمومتك من بني هاشم ؟
يقول : فضرب معاوية على فخذي وقال : لا أم لك ؟
لقد حكم أبو بكر وأجتهد ما أجتهد ثم هلك فلا يقال عنه ألا أبو بكر ؟
ثم حكم عمر بن الخطاب وأجتهد ما أجتهد ثم هلك فلا يقال عنه ألا عمر بن الخطاب
ثم حكم أخونا عثمان بن عفان وأجتهد ما أجتهد ثم هلك فلا يقال عنه ألا عثمان بن عفان ؟
ثم يقول معاوية بحسرة وغضب : أما أخو بني هاشم : فلا يزال يذكر على المنائر خمس مرات باليوم ؟ – ينقل هذه الرواية الشيخ المفيد في كتابه ” ألاختصاص وهو من علماء بغداد في القرن الرابع الهجري وأستاذ كرسي الفقه والتفسير .
والحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام يعرف كل هذا عن العصابة ألاموية التي أوصلت الحكم وألامرة الى يزيد وهو بن معاوية الذي عرفنا حقده وعدم أيمانه أصلا بألاسلام وهو بن أبي سفيان الذي طلب من نساء قريش عدم البكاء على قتلاهم في بدر حتى لايذهب الحزن والكمد من نفوسهن ولهذا قامت هند زوج أبي سفيان بأكل كبد حمزة عم النبي وسيد الشهداء في معركة أحد .
فألامام الحسين ثار ضد الظلم والفساد الذي عشعش في السلطة وبعض نواحي المجتمع , فهو ليس بطالب سلطة كما قد يظن البعض خطأ , وأنما هو يحمل ثقل الولاية ومسؤوليتها بفهم معرفي يقول : ” أهل البيت هم عيش العلم وموت الجهل ” وبنص من السنة النبوية التي تقول : الحسن والحسين أمامان قاما أو قعدا ” وتقول بما أستفاضت به كتب ألاولين من صحاح ومرويات ” الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ” وتقول ” حسين مني وأنا من حسين ” وهذه الشهادات تدعمها النصوص القرأنية التي تحدثت عن أولي ألامر وخصائصهم ” أنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” و ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وألي ألامر منكم ” . وقد أجمعت مرويات الصدر ألاول من ألاسلام على أن من أعطى الزكاة وهو راكع هو ألامام علي بن أبي طالب , فلم يعد لتخرصات البعض في أنكار مثل هذه النصوص من حجة , يدعم ذلك ويؤيده واقع أهل بيت النبوة من ألائمة ألاطهار وسلوكهم بين الناس الذي عرف بالتقوى والتواضع والعلم يقول ألامام الحسين : عميت عين لاتراك متى غبت حتى تحتاج الى دليل ” ودعائه في يوم عرفه هو برهان على خلوصه وعبوديته للله وعلمه بصفات الجلالة مثل دعاء أبيه ألامام علي بن أبي طالب المعروف بدعاء ” الصباح ” الذي من يعرفه يعرف أنه لايمكن أن يصدر ألا ممن قال عنه رسول الله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ” وقال عن أهل البيت ” لاتعلموهم فأنهم معلمون ” ولذلك عندما جاء عبد الله بن عمر ” رض ” ينهى ألامام الحسين من الخروج الى العراق قائلا : سمعت رسول الله “ص” يقول : أن أبني هذا يقتل بشط الفرات ” فتبسم ألامام الحسين وقال : هذا يوجب علي الخروج تنفيذا لقول رسول الله الذي لاينطق عن الهوى أن هو ألا وحي يوحى ” .
فألامام الحسين كان مصححا ومصوبا لآراء من كانوا حوله من المسلمين مثلما كان مؤهلا أوحدا لفضح الفساد والظلم ورفض سريانه وعدم السكوت عليه .
والذين يريدون أحياء ذكرى عاشوراء الحسين وثورته التي أصبحت عالمية الشهرة عليهم أن يحاربوا مظاهر الفساد على قاعدة ” قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ” وأقرب من يقوم بالفساد اليوم الينا هم من يمارسوا الفساد المالي وألاداري وألاخلاقي في العراق .
أما الفساد المالي فلا حاجة بنا الى ملفات الجهات التي عينت رسميا لمتابعة الفساد ثم أصبح بعض أعضائها جزءا من الفساد ولاذ أخرون بالصمت خوفا أو ضعفا ؟
فالذين تورطوا في الفساد ويحلو لهم لبس السواد تظاهرا وخديعة لعامة الناس أو بعض الذين قد يساهموا في بذل المال لبعض المواكب الحسينية تمويها وتسترا على فسادهم المالي , فهؤلاء لم يعودوا يخفون على ذي بصيرة , فشركاتهم من السيارات وشركاتهم في ألاتصالات ومشاركتهم في كبريات شركات المقاولات هي مما لايخفى على من ذكرنا , فلماذا لايصار الى أستدعائهم علنا ومحاسبتهم على ثرواتهم الجديدة وهي سحت ومن المال الحرام ؟
والذين تورطوا في السمسرة لشركات وهمية في الكهرباء والاعمار والنفط والنقل وألاتصالات هم كذلك معروفون بألاسماء فلماذا يتم التستر عليهم حتى تبقى قضية الفساد في العراق وكأنها أحجية وطلاسم يصعب فك جفرتها ؟
وأذا ظلت الجهات الحكومية المسؤولة تتعمد عدم ألافصاح عن الفاسدين والذين مضى عليهم مايقرب من عقد من السنين يسرقون ويهربون مال العراق حتى وصل فسادهم الى البنك المركزي العراقي والى عقود وزارة الدفاع والداخلية ووزارة الصحة والتربية والتعليم العالي ووزارة التجارة ووزارة ألاتصالات وبقية الوزارات والهيئات ليست مستثناة من أفة الفساد التي نغصت على العراقيين عيشهم وأفسدت حياتهم وحرمتهم من ثروتهم , فأن محطة ألانفجار قادمة ولن ينافس محطة عاشوراء الحسين ذكرى الثورة على الظلم والفساد التي لم تعد توازيها بثقلها العقائدي ووزنها الشعبي المتميز بأخلاصه أي ثورة أخرى .
والذين تمرسوا في أستحضار ذكرى ثورة ألامام الحسين هم مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بمحاسبة رؤوس الفساد في الحكومة وحواشيها وفي ألاحزاب وممثليها وفي الكتل ورؤسائها وفي ألاسناد وفوضاها وفي المصالحة ولمتها غير المتجانسة وغير المؤهلة , وفي الميليشيات وعنترياتها وفي بعض الصحوات وعدم صدقها وفي التسميات العشائرية والمنتفعين فيها وفي ألاقاليم وما يعاني المواطنون من غطرسة رؤسائها والمتنفذين فيها .
أن المهمة الوطنية والمسؤولية ألاخلاقية لآحياء ذكرى الثورة الحسينية هو التركيز المباشر على فضح شبكات الفساد المالي في العراق بألاسماء والعناوين وألارصدة ولتكن القصائد والردات وألاهازيج والشعارات منصبة على هذا الجانب الخطير الذي يهدد حياة العراقيين ويتركهم فقراء تتصدق عليهم بعض الفضائيات لغاية في نفس يعقوب ؟
والمسؤولية الثانية هي التوجه لفضح من قاموا بألاعلان الوقح والمستفز لمشاعر الجماهير المؤمنة في العراق بأحتفال بما سمي ” أنتخاب ملكة جمال بغداد ” على طريقة كازينوا لبنان وأدول ستار وستار أكاديمي ذات النكهة اليهودية الموغلة في المكر والفساد وهذا ألاحتفال البائس تقف ورائه بعض الفضائيات وبعض الذين تلوثوا بثقافة لاتنتمي لروح هذه ألامة وظلوا يتنقلون كما تتنقل الفيروسات والجراثيم في مراكز ألاعلام والثقافة لذلك توقف أبداعها وهزل أنتاجها .
والمسؤولية الثالثة هي فضح وتعرية غير المؤهلين وغير الكفوئين من الذين غزوا دوائر الدولة ومؤسساتها من رؤساء أقسام وشعب ومدراء عامين ووكلاء وزارات نتيجة المحاصصة البغيضة التي شجعت ورعت الفساد في العراق .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]